حيوانات

علماء يبحثون عن شخصية "سي السيد" في عالم الحيوان

نشر
blinx
الذكر المسيطر أو ما يعرف في المجتمعات الشرقية باسم "سي السيد" من واقع أدبيات الروائي العالمي نجيب محفوظ... هل تقتصر هذه الشخصية على المجتمعات البشرية أم أن لها وجودًا بصورة أو بأخرى في عالم الحيوان، حيث يسيطر الذكور على الإناث في بيئة تذخر بالصراع من أجل البقاء وحفظ النوع.
يجيب الباحثان نيكوس سميت المتخصص في علم البيئة السلوكي بجامعة توركو الفنلندية، وإيليز هوشارد من جامعة مونبلييه الفرنسية، عن هذا السؤال بالقول إن فهم العلم الحديث لميزان القوة بين الذكور والإناث في المجتمعات الحيوانية قد تغير بمرور الزمن.
كان الباحثون في علم الأحياء التطوري يعتقدون في البداية أن الذكور تهيمن على الإناث في عالم الحيوان بشكل مطلق، وأن أي فصائل تخرج عن هذه القاعدة، مثل إناث قطعان الضباع أو بعض قردة الليمور التي تقود العائلة باعتبارها نموذجًا على هيمنة الأنثى، إنما هي استثناء يؤكد القاعدة العامة، وهي أن الذكر هو الزعيم في عالم الحيوان.

فرضيات قديمة عن السيطرة

وفي تصريحات للموقع الإلكتروني The Conversation المتخصص في الأبحاث والتحقيقات العلمية، يؤكد الباحثان أن هذه الفرضية العلمية تعززت بشكل مبدئي من واقع أن الذكور والإناث في المجتمعات الحيوانية تتنافس على نوعين مختلفين من الموارد، فالذكور تقاتل من أجل الحصول على الإناث، والإناث تتصارع من أجل توفير الغذاء.
ولكن الدراسة المتعمقة لهذه الفكرة ومحاولة التيقن من صحتها في مجتمعات الثدييات والرئيسيات وبعض القردة العليا أظهرت أن الأمر ليس بهذه البساطة.
وتبين من الدراسة التي أجراها الباحثان وشملت العديد من فصائل الثدييات أن الحيوانات الذكور تسيطر على الإناث بشكل كامل في 25 فصيلة حيوانية فحسب، فيما تظهر هيمنة الأنثى في 16 فصيلة. أما باقي الفصائل موضع الدراسة، وتبلغ نسبتها نحو 70%، فلا توجد هيمنة واضحة لأي من النوعين، وأن معظم الإناث في فصائل الرئيسيات يمكنها التنافس بشكل مباشر مع الذكور بل والتغلب عليها في معظم الأحيان.

دراسات على الغوريلا

وأظهرت الدراسة أنه بالرغم من أن ميزان الحجم والقوة الجسمانية يميل لصالح الذكور في معظم أنواع الحيوان، فهو ليس دائمًا مقياسًا للسيطرة والهيمنة، حيث إن إناث قرود الماندريل تكون أصغر في الحجم بشكل كبير من الذكور، ولكن الأنثى تتفوق على الذكر في هذه الفصيلة وتسيطر عليه.
ويشير الباحثان إلى أن مجتمعات الغوريلا تعتبر حالة مثيرة للاهتمام لدراسة هذه الظاهرة. وكانت هذه الفصيلة تعتبر نموذجًا صارخًا لسيطرة الذكر على الأنثى بين فصائل الرئيسيات المختلفة.
واعتمد الباحثان على نتائج دراسات استمرت على مدار 25 عامًا للغوريلا الجبلية في أوغندا لقياس هذه النظرية، وتوصلا إلى أن إناث الغوريلا تعتمد على دعم الذكور الكبيرة في الجماعة كي تفرض هيمنتها على الذكور الأصغر حجمًا، ومن الممكن أن تعتمد أحيانًا على قدراتها الشخصية لإخضاع بعض الذكور في الجماعة لسيطرتها.

تعقيد العلاقات بين الجنسين

وأثبتت التحليلات المقارنة بين الأنواع الحيوانية المختلفة أن ميزان القوة بين الجنسين في عالم الحيوان لا يقتصر على القوة الجسمانية فحسب، وأن الإناث تعتمد بشكل أقل على القوة من أجل اكتساب النفوذ داخل الجماعة.
وعادة ما يتزايد نفوذ الأنثى في الفصائل أحادية الأزواج، أو التي لا توجد فيها فروق في الحجم بين الذكور والإناث البالغة، أو التي تعيش بشكل أساسي على الأشجار، على اعتبار أن جميع هذه العوامل تعطي الأنثى فرصة أكبر للسيطرة على عملية التكاثر.
وعلى العكس، يسيطر الذكور في الفصائل التي يتزاوج فيها الذكر مع أكثر من أنثى، أو التي يتميز فيها الذكور بأحجام أكبر بشكل واضح أو تمتلك أسلحة طبيعية أقوى من الإناث مثل المخالب والأنياب والقوة الجسمانية الواضحة. ولكن حتى في ظل هذه المعطيات، لا توجد خطوط واضحة تؤكد الهيمنة الكاملة لأي من الجنسين على الآخر لدى الأنواع الحيوانية بشكل عام.
ووجدت الدراسة أن الذكور والإناث في الفصيلة الواحدة عادة ما يتنافسان بشكل مباشر على فرص الحصول على الموارد، وأن الصراع بين الذكر والأنثى يمثل نحو 50٪ من الصراعات التي تدور في محيط الجماعة الحيوانية الواحدة.

موازين القوة تحدد العلاقة

وأثبت العلماء أن ميزان القوة بين الذكر والأنثى هو الذي يحدد من له الأولوية في الحصول على موارد الغذاء الثمينة، وأنه عندما تتغلب إحدى الإناث على ذكر ما، فإنها تصبح لها السيادة عليه.
وأكد الباحثان نيكوس سميت وإيليز هوشارد أنه بالرغم من أن هذه النتائج تنقح الفهم للعلاقة بين الجنسين في عالم الحيوان، فقد حذرا من المبالغة في تبسيط هذه العلاقة باعتبار أنها تعتمد فحسب على القوة الجسمانية مع إهمال مدى تعقد المشهد الاجتماعي وأشكال العلاقات داخل الجماعات الحيوانية.
وفي حين أن هذا البحث قد يساعد في تسليط الضوء على طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة لدى الإنسان الأول، فقد أثبتت الدراسة في نهاية المطاف أن النموذج البشري في تحديد شكل العلاقة بين الرجل والمرأة لا يتشابه في حقيقة الأمر مع الأنماط السائدة لدى أنواع الرئيسيات الأخرى.
يوضح الباحثان أنه لا توجد لدى البشر، أو معظمهم بطبيعة الحال، هيمنة كاملة للرجل أو للمرأة داخل العلاقة بين الطرفين، بل إن الإنسان هو أقرب ما يكون إلى فصيلة "وسيطة" تميل إلى الاعتدال والمرونة في تحديد شكل العلاقة بين الجنسين.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة