كيف يغزو الذكاء الاصطناعي ذاكرة الماضي؟

إلى جانب اللقطات العامة، تُظهر تلك الصور أحيانا لحظات معروفة في التاريخ، وشخصيات مألوفة، مثل صور للرئيس الأميركي تيودور روزفلت، عند مغادرته إلى كوبا خلال الحرب الإسبانية الأميركية عام 1898، أو الأخوين رايت بعد أول تجربة طيران ناجحة لهما عام 1903.

في إحدى الصور المقصودة، يظهر المهندسان الأميركيان يبتسمان أمام طائرتهما، لكن بمراجعة الحقائق، أغلب الصور الحقيقية للأخوين رايت تُظهرهما بهيئة جدية، وفي سياق صارم، أو يظهران على سبيل المثال ضمن صور ظلية على مسافة بعيدة أثناء العمل على نموذجهما الأولي.

ويقول المؤرخ الهولندي جو هيدفيغ تويسن الذي يرصد عبر شبكات التواصل الاجتماعي تحت الاسم المستعار "فايك هيستوري هانتر" أو صائد التاريخ المزيف، المنشورات المضللة المتمحورة حول التاريخ: "لقد تسبب الذكاء الاصطناعي في تسونامي من التاريخ المزيف، خاصة في مجال الصور".

ويضيف: "في بعض الحالات، تكون الأعمال نسخا لصور أرشيفية موجودة بالفعل لكن مُعاد إنشاؤها بالذكاء الاصطناعي، وهو أمر غريب خاصة عندما تكون النسخ الأصلية معروفة جدا".

ومن بين اللقطات المُبتكرة بواسطة برنامج "ميدجورني" Midjourney المتخصص بالذكاء الاصطناعي، سلسلة لقطات مزيفة تعيد إنتاج الصور الشهيرة لعملية اغتيال لي هارفي أوزوالد، القاتل المزعوم لجون فيتزجيرالد كينيدي، على يدي جاك روبي في 24 نوفمبر 1963 في دالاس بالولايات المتحدة.

ويتضمّن برنامج ميدجورني أيضا صورا يُزعم أنها تظهر انفجار قنبلة هيروشيما النووية في 6 أغسطس 1945، وأخرى لغزو قوات حلف وارسو لبراغ في أغسطس 1968.

لكن المثير للاهتمام، هو أن هناك لقطات كان ليتطلب وجودها آلة سفر عبر الزمن ليتمكن المصور من التقاطها، كصور تعبيرية للكولوسيوم في عصر روما القديمة.

ويثير ظهور هذه الأرشيفات الزائفة المُبتكرة بواسطة الذكاء الاصطناعي تساؤلات لدى مارينا أمارال، وهي فنانة متخصصة في تلوين الصور القديمة، وتبدي قلقها إزاء ظاهرة إبراز "أحداث قديمة جدا لدرجة أن تصويرها كان غير ممكن" أو لحظات من التاريخ "غير موثقة إلا قليلا".

وتضيف: "الخطر يتمثل في اعتبار هذه الصور المزيفة حقيقية، وهو ما سيغير مع مرور الوقت فهمنا للتاريخ ويقلل ثقة الجمهور في الصور كمصدر موثوق لدراسة الماضي".

يعتبر جو هيدويغ تيوويسن ومارينا أمارال أنهما لا يزالان قادرين حتى اليوم على التمييز بين الصحيح والمزيف، وذلك بفضل خبراتهما وبعض إخفاقات الذكاء الاصطناعي، كإضافة أصابع إلى اليد أو تفاصيل مفقودة في الصورة، أو على العكس زيادة عناصر مثالية جدا.

وعلى فيسبوك، تشير تعليقات كثيرة لمستخدمي الإنترنت بشكل ساخر إلى عدم وجود مروحة فوق طائرة الأخوين رايت، في صورة أنشأها الذكاء الاصطناعي وتظهرهما أمام طائرتهما، مما يعني أن بعض المستخدمين الاعتياديين، يمكنهم رصد عمل الذكاء الاصطناعي أيضا.

وتؤكد أمارال أن هذه الابتكارات لا يمكنها أن تتنافس مع سمات معينة مميزة للصور الحقيقية التي تُلتقط في لحظات تنطوي على مشاعر وترتبط بأشخاص معينين، وتضيف: "إنها تفتقر إلى العنصر البشري والنية وسبب اختيارات المصور. ورغم أنها ذات مصداقية بصرية إلا أن هذه الصور تظل فارغة".

ويشير جو هيدويغ تيوويسن إلى أن الصور الحقيقية يلتقطها أشخاص، وثمة دائما عنصر غير واضح.

لكنّ أمارال ترى أن الأمر مجرد "مسألة وقت" قبل أن تصبح الصور التاريخية التي يولدها الذكاء الاصطناعي مُعتمدة كباقي الصور، بسبب الواقعية المتزايدة لهذه الصور الاصطناعية، وهو سيناريو تعتبره "خطرا" لأنه يوسع التضليل الذي يتعرض له مستخدمو الإنترنت أصلا.