الأردنية نبراس قطيشات.. فنانة في "سجون الأسد"

نبراس تستعيد ذكرياتها الأولى في سوريا قائلة: "عندما كنت طفلة صغيرة، حملتني ظروف العائلة لأعيش في مخيم اليرموك أحد أحياء دمشق، المكان الذي أصبح شاهدًا على أحلامي الأولى وأوجاعي العميقة".

منذ نعومة أظافرها حملت الطفلة شغفها بالفن، ولهذا فضلت دراسة النحت: "لأن الفن كان بمثابة الحرية التي لم أكن أستطيع أن أجدها بسهولة، ولأن الفن أيضا يعلمك الصبر"، تؤكد نبراس.

"في سوريا كانت الأحلام غير ممكنة، لكنها ساكنة في جوف الفنان، لذا عندما حاولت إخراج مشروعي الثقافي الأول إلى النور، واجهت كل أنواع الصعوبات، ففي سوريا القديمة كنت محاطة بالقوانين وببيروقراطية قاتلة للمواهب، فضلا عن توجس من كوني أردنية، ما أغلق الباب في وجهي من قبل السلطات كثيرا، رغم أنه كان مفتوحًا على مصراعيه لمن يحمل سلطة أو نفوذ أو أحد رؤوس الأموال". تحكي نبراس

لم ترفع الفتاة الأردنية راية الاستسلام نهائيا: "كنت أعرف أنه إذا لم أتمكن من فتح باب، سأخلق شباكا صغيرا وأتنفس من خلاله".

بالرغم من الصعوبات، بدأت نبراس الإعداد لمشروعها الثقافي الذي كان يهدف إلى خلق مساحة، وتهيئة مكان للشباب الذين لا يملكون مكانا يستطيعون فيه ممارسة النشاطات التي يحبونها، مثل:

من هنا، بنت هذه المساحة، إذ بدأت تستقبل مشاريع صغيرة ومتوسطة، وتدعمها حتى ترى النور.

"السجن كان قريبا من أي شخص"، تقول نبراس. وبعد أيام قليلة من تخرجها عام 2016، وجدت نفسها حبيسة زنزانة ضيقة.

تروي قائلة: "تم اعتقالي دون سابق إنذار عند انتهاء إقامتي، وكان الوضع غريبا ومخيفا. بقيت ساعات قليلة في الحبس، وخرجت بعد استيفاء الإجراءات. عشت لحظات مرعبة، لكنها لم تكن الأخيرة".

وتضيف: "عندما حاولت فتح مشروعي الثقافي، واجهت صعوبات هائلة. في وقت كانت الوشايات شائعة، وجدت نفسي مرة أخرى في مخفر الشرطة بتهمة إزعاج الجيران وفتح مركز ثقافي".

وتتابع بصوت مفعم بالحزن: "قضيت 6 أيام كاملة كانت كفيلة بتغيير نظرتي إلى الحياة تماما. ما رأيته كان صادما. السجون لم تكن فقط أماكن للعقاب، بل زنازين للكوابيس في وضح النهار".

وتصف نبراس زنزانتها بأنها "صغيرة ومكتظة بما لا يقل عن 50 شخصا". وكانت تنام على الأرض بلا غطاء، ولم يكن هناك ماء أو طعام كافٍ، ولا حتى نافذة. أطفال مرضى يرافقون أمهاتهم في الزنزانة، ونساء يُهَنَّ بكل أشكال الإهانة".

الخروج من السجن كان بمثابة طوق نجاة للفنانة الأردنية التي اختارت السير بجانب الحيطان، معتزلة المواجهة ومتكتمة على نشاطات مركزها الثقافي.

ومع ذلك، استمرت في تقديم موهبتها وإبراز مواهب الفنانين الطموحين والمهتمين. تستذكر بحسرة: "كنا نشعر بأن كلمة واحدة قد تكلفنا حياتنا".

ولطالما تساءل الكثيرون عن سبب بقائها في سوريا، فتقول: "كانت إجابتي بسيطة: كيف يمكنني أن أترك هذه الأرض دون أن أعطي الحب الذي زرعه أهلي في داخلي؟ كيف أبتعد عن الناس الذين كانوا معي في كل خطوة، الذين علموني معنى الانتماء وحب البقاء".

تؤمن نبراس بأن الفن لا يمكن أن يعيش دون حرية. تقول: "كانت حريتي أن أبقى هنا، أن أعيش وأعبر عما يدور في عقلي بطريقتي الخاصة".

وتتابع بصوت مليء بالأمل: "بعد سقوط نظام الأسد وكل ما مررنا به، شعرت بأمل جديد، وكنت أخبر نفسي: "إذا استطعت البقاء واقفة حتى الآن، فهذا يعني أنني ما زلت قادرة على الحلم".

وتضيف: "أريد أن أفعل شيئًا لهذه الأرض، شيئا خاصا بنا نحن الشباب. وعندما بدأت بفكرة تنفيذ مبادرات شبابية في الشارع، لم أتخيل أنني سأتمكن من طرح الفكرة أصلا".

ووضحت أنهم بدأوا برؤية مساحة، "قد تكون صغيرة، لكنها موجودة.. وأنا سأواصل العمل لتوسيع هذه المساحة".

تختتم نبراس حديثها قائلة: "سوريا، بكل ما تحمل من جراح وحكايات، أصبحت جزءا لا يتجزأ من روحي. كما أن حلمي أصبح نافذة أطل منها على مستقبل أكثر إشراقا. قد يكون هناك الكثير من الألم، لكن هذا الألم هو ما علّمنا كيف نصنع الأمل".