على مدى عقود عرفت غانا انتشارا واسعا لأندية ومراكز بناء الأجسام، لكنها كانت على الدوام حكرا على الرجال، وبالأخص فئة الشباب، ممن يرومون أجساما متكاملة، والمنافسة على ألقاب البطولات التي تجرى هنالك بين الفينة والأخرى.

ويحدث ألا تغيب عن نظرك كثيرا وأنت تتجول في شوارع العاصمة أكرا، مظاهر معدات التدريب موزعة على مد الحدائق العامة، وغير بعيد منها تنتصب مراكز مختصة في ذلك.

وبشكل عام تمتلك غانا، سجلا حافلا في بطولات كمال الاجسام في القارة السمراء.

وفي الشهر الماضي، توج الغاني مارتنسون أمبادو الملقب بـ"صخرة أفريقيا) بلقب بطولة العالم لبناء الأجسام، التي استضافتها إندونيسيا، متوفقا على 45 متنافسا من جميع دول العالم، بحسب ما أكدت وكالة الأنباء الغانية الرسمية.

لكن، على مستوى السيدات كثيرا ما اعتبر الأمر بأنه ظاهرة دخيلة، تخالف أعراف مجتمع لا يزال يحن إلى قيم العشائر والقبائل، لتبدأ معانتهن الكبيرة مع ذلك.

في البداية كان نزوع الفتيات إلى هذه المراكز لا يتخطى (الأغراض الصحية) والحصول على قوام مناسب ورشيق، لكن من فكرن في المضي قدما أي احتراف رياضة كمال الأجسام، واجهن الكثير من الصعوبات النفسية.

المحكم السابق في الاتحاد الغاني لكمال الأجسام ومالك صالة جيودان المختصة في تدريبات بناء العضلات في منطقة تيما خارج العاصمة أكرا دانييل بيدو رأى أن الوضع اختلف كثيرا منذ السبعينات، التي لم يكن فيها أي تواجد للنساء في هذا المضمار، عكس الآن، حيث تحدت النساء كل التنميط السابق وتحملن الأضرار النفسية، من أجل تحقيق طموحاتهن باحتراف هذه الرياضة.

" في غانا كل شخص لديه تصور مختلف عن قيام المرأة ببناء عضلاتها، بالنسبة لي لقد كان الأمر مرهقا للغاية، لقد نشأت وأنا أشعر بالخوف من الأصدقاء، والانتقادات المستمرة حتى من قبل النساء لاهتمام أمثالنا ببناء عضلات بارزة"، هكذا سردت لاعبة كمال الأجسام الغانية السابقة فيكتوريا إجبايي التي تحولت الآن إلى رفع الأثقال معانتها النفسية لدويتشه فيلله.

ومن جهتها، أكدت ماري ناركو أومالي أنها كثيرا ما تتعرض للتنمر من جسدها: "أحدهم اقترب مني مرة وقال لي: إن شكلي مقزز مع كل تلك العضلات.. أخبرني بأنه متعاطف مع أمي التي أضاعت 9 أشهر من عمرها في لا شيء".

وأضاف أومالي في تصريحات لبي بي سي البريطانية: "هذا الأمر آلمني كثيرا.. لم أدرك سبب محاولة الانسان قتل الآخر باللسان.. لكن رغم ذلك لن أتوقف عن الاهتمام بجسدي".

شكل عام 2022 ذروة النجاح للمعركة الطويلة التي خاضتها النساء في غانا ضد ترهيبهن من ممارسة بناء الأجسام، وذلك عندما تم إطلاق أول بطولة علنية لأقوى أمرأه في غانا، وشهدت مشاركة لافتة من السيدات بما فيهن ماري ناركو أومالي وفيكتوريا إجبايي.

وتوجت بلقب البطولة الشابة دوريس نارتي، وهي التي دخلت إلى هذا المجال بعد دفع وتحفيز كبيرين من مدربها كوام، إذ كانت البطلة الحالية تخشى كثيرا من نظرة المجتمع لها، بعد شهرتها.

" بداية لم أكن مهتمة بما كان يقوله لي مدربي عن إمكاناتي وعن رياضة كمال الأجسام بشكل عام، لكنه أقنعي على مضض، حتى عندما بدأت العمل الجاد، كنت أتي إليه محبطة بسبب حديث الشارع عني، لكنه كان دائما يحفزني ويطالبني بالتركيز في داخل الصالة وليس فيما يحدث خارجها".

لم تصدق دوريس نارتي خبر حصولها على جائزة مالية معتبرة من البطولة، حتى راحت تركض لتسديد رسوم متأخرة ومستحقة على سنتها الدراسية الأخيرة في المدرسة التي تستعد حاليا للتخرج منها.

وبدورها، تركت فيكتوريا أجبايي قريتها في إقليم فولتا، واتجهت إلى العاصمة أكرا للمشاركة في بطولات مخصصة، والبحث عن جوائز مالية، من أجل سد متطلباتها المعيشية والتدريبية المرتفعة.

أما ماري ناركو الغانية من أصول نيجيرية فشكت من انعدام فرص الرعاية للاعبات كمال الأجسام، أكدت ان اللاعبات يقمن بتمويل أنشطتهن ذاتيا.

وأضافت: "إنه أمر ليس بالسهل، أنا بحاجة للمزيد من الرعاة من أجل تحويل أحلامي إلى واقع، أحلم بالحصول على الكثير من (التأشيرات) والمشاركة في أنشطة خارج غانا".

وفي ظل غياب الرعاة، تعقد بعض صالات التدريب صفقات خاصة مع داعمين، وذلك عندما يلاحظ العاملين في تلك الصالات بروز موهبة جديدة، ليطلبوا من المقتدرين ماليا تبنيها وتوفير بعض الاحتياجات البسيطة لها، على أن يخصم ذلك بعد حصدها لأول جائزة مالية.

الآن، تبدو أن لاعبات كمال الأجسام في غانا قد سجلن انتصارهن الأول، ضد نظرة المجتمع لهن، وهو انتصار جاء بعد انتظار زمني طويل، لكن تتبقى أمامهن معرفة انتزاع حقوق بطلاتهن إعلاميا وجذب انتباه الرعاة، وهي معركة لا تبدو سهلة، في بلد بذاك الثراء والتنوع الثقافي والعرقي، فهل ينجحن في مسعاهن؟