تجميل
.
مجرد فكرة طرأت برأسها، لكنها ظلت تقاومها، وفي تلك الأثناء كانت تحاول هبة إقناع أهلها أن تتخلص ابنتهم التي تسكن العاصمة الأردنية عمّان من تتحسسها من شكل صدرها حتى قررت إجراء عملية تجميل في الثدي عام ٢٠٢١.
عيب خلقي ورثته عن أسرتها جعلها لا تتقبل هذا الجزء تحديداً في جسدها، لكن بعد إجراء عملية تجميل تفاصيلها معقدة "غير إنسانية"، كما تقول، أصبحت تتحسس من النظر لجزئها العلوي الذي شوهته إبرة ومقص بيدي "أخصائي تجميل".
تقول هبة: "كنت بحلم أعمل العملية مشان ألبس فستان العرس وأنا مبسوطة ومرتاحة نفسياً".
في يوليو ٢٠٢١ قررت هبة أن تقوم بعملية تجميل لثدييها في إحدى مستشفيات العاصمة عمّان بعد أن حدد لها طبيب التجميل الذي زارته موعداً فيه، ولأنها غير متخصصة، لم تعرف هبة الإجراءات المفترض أن تقوم بها تباعاً قبل العملية، لكنها سألت سؤالاً "بريئاً" على حد تعبيرها قبل مرحلة التخدير.
سألت الطبيب: "ما بدكم تعملولي فحص دم شامل قبل العملية؟"، لكن طبيبها لم يقر بأن ما تقوله هبة صحيح وأكمل عمله دون أن يناقشها في هذه المسألة، بل أجابها بكلام قليل "لا ما في داعي"، وذلك حسبما أوضحت هبة لبلينكس.
وتوصف عمليات التجميل في الأردن بـ "السوق السوداء" وهو وصف قد يبدو قاسيا على مهنة يعرف عنها "الإنسانية". هذه التجاوزات جعلت من الدكتور صفوان العدوان وهو طبيب مرخّص في الأردن، أن يتبنى منصة توعوية تهدف إلى تمكين النساء، وتعزيز قراراتهن الواعية حول الجمال.
يحكي العدوان عن عمليات التجميل على أنها تحمل وجها آخر كله أذى واستغلال لا يراه الناس ولا يعرفونه دون الإبحار في قلب المسألة.
تعتبر الأردن، واحدة من وجهات السياحة الطبية المعروفة في العالم، وتشتهر بتوفر كفاءات طبية محترفة ومرخصة تلتزم بمعايير جودة عالية في مجال الجراحة التجميلية.
ومع ذلك، يبدي العدوان قلقه من زيادة عدد الممارسين غير المرخصين، والذين يقدمون أنفسهم كخبراء محترفين في مجال التجميل، وغالبا ما يفتقرون إلى المؤهلات الطبية أو حتى الشهادات المعترف بها.
نقابة الأطباء الأردنيين، أوضحت أنها لا تتعامل إلا مع شكاوى رسمية يقدمها المتضرر، ولا تتجاوز صلاحية النقابة إلا غرامات مالية على الأطباء، ويمكن أن تصل العقوبة إلى إيقافهم عن العمل في حال تسبب الطبيب في وفاة إحدى الحالات المرضية.
تَعتبر هبة ذلك "قصوراً في التعامل مع حقوق المواطنين" فهي التي عانت مع طبيب تجاهل كل مكالماتها بعد أن اكتشف أثناء المكالمة الأولى أنها تعاني من مضاعفات خطيرة بعد العملية.
هبة التي لم تحب شكل جسدها قبل العملية، أصبح جسدها لا يطاق "بالنسبة لها" بعد العملية، عدا الألم الذي أخذ يتضاعف يوماً بعد يوم وهي تتصل بطبيبها لكن لا أحد يرفع سماعة الهاتف ليجيب، حسبما تخبر بلينكس.
بعد أسبوعين من تاريخ الجراحة "حملت جسدها بصعوبة وجلست على درج عيادة طبيب التجميل وهي تربط الجزء العلوي بقطع من القماش، في محاولة منها لوقف النزيف الذي يتدفق من مكان الجرح في أسفل ثديها". وفي سؤالها عن لقائها بالطبيب هذه المرة، أجابت هبة: "خيطني، خيّط مكان الجرح بدون مخدر وأنا صاحية".
نقيب الأطباء الأردنيين زياد الزعبي، يصف ما حدث مع هبة بأنه "تعدٍ صارخ على تخصص التجميل من قبل التخصصات الأخرى".
ينوه الزعبي إلى أن مهنة الطب تشهد تعدياً آخر من غير متخصصين في كل مجالات الطب أصلاً، مرّجحاً أن يكون السبب هو الإقبال غير المدروس من قبل النساء والفتيات على عمليات التجميل، فيما يُلاحظ بدء إقبال الشباب أيضا على عمليات البوتوكس والفيلر في الآونة الأخيرة.
يصف النقيب الزعبي حالة الطب التجميلي في الأردن بـ "الفوضى"، لكن رئيس الجمعية الأردنية لجراحي التجميل والترميم الدكتور عمر الشوبكي يعتبر ذلك "ليس كافياً".
يردف الشوبكي أن إجراءات التحقيق التي تقوم بها نقابة الأطباء الأردنية طويلة ولا تصل العقوبات التي تفرضها النقابة حد الجريمة التي يرتكبها الطبيب، فنادراً ما توقف النقابة طبيباً عن العمل حسبما أوضح الشوبكي.
يرى رئيس الجمعية الأردنية لجراحي التجميل أنه بعد إيقاف بعض الأطباء عن العمل، فإنهم يعودون لممارسة عملهم دون التعرض لأي مساءلة وما زالوا يكررون أخطاءهم.
لكن لماذا لا يتدخل الشوبكي بحكم منصبه؟ يجيب "صلاحياتي لا تتضمن اتخاذ قرار أو إجراء قانوني بحق المخالفين"، لكن الجمعية التي يرأسها رفعت مقترحات وأوراق ثبوتية تحيل أطباء إلى الجهات المسؤولة.
يحمّل الشوبكي وزارة الصحة مسؤولية الرقابة على عمليات التجميل ومحاسبة كل من هو غير متخصص ويعمل في هذا المجال، وحمل الشوبكي مسؤولية إفلات الأطباء المخالفين من العقاب لمجلس النواب الأردني واللجنة الصحية فيه، كونه الجهة المسؤولة عن إقرار القوانين في المملكة.
ضعف الرقابة، والعقوبات غير الرادعة، وعدم وضوح تعريفات المصطلحات الطبية هي التي أدت إلى هذه "الكارثة" على حد تعبير الشوبكي، ولضمان حق الرد لوزارة الصحة الأردنية التي تردد اسمها كثيراً في النقابة وعلى لسان المتضررين، حاولت بلينكس التواصل مع الوزارة للحصول على رد منها بخصوص الأطباء غير المتخصصين وكيفية إقرار عقوباتهم، إلا أن الوزارة لم تتفاعل مع اتصالات بلينكس، أو مع البريد الإلكتروني المرسل بغية منحها حق الرد.
لم تكن هبة الضحية الوحيدة للسوق السوداء الجديدة في الأردن، فخلال رحلة التحقيق في الأردن، قابلت بلينكس طارق الساحوري الذي فقد شقيقته ماريان عقب جراحة شفط دهون أجريت لها في مستشفى غير مؤهل لاستقبال مثل هكذا عملية.
وتبين بعد وفاة ماريان أن الطبيب تركها وخرج لإجراء عملية أخرى فيما استمر مساعده في الجراحة، ما أدى إلى وفاتها نتيجة نزيف شديد دون تعويضها بالدم اللازم.
كذلك قابلت بلينكس شابة أردنية، فضلت عدم ذكر اسمها بعد خضوعها لجراحة في صالون تجميل، على يد سيدة، توصلنا في تحقيقنا إلى أنها غير طبيبة من الأساس.
ولم تعرف تلك الشابة طريقاً للحل لأنها خضعت للجراحة بمبلغ صغير، وأخفت ذلك عن أهلها ولا تستطيع إخبارهم بذلك أو المضي قدماً في إجراء قانوني دون علمهم.
استشاري أمراض الجلدية والتجميل والليزر، الدكتور صفوان العدوان، يعتقد أن الحل الوحيد لتجاوز هذه الأزمة يكمن في إجراء بحث دقيق قبل اتخاذ قرار بشأن عمليات التجميل، مشدداً على ضرورة التحقق من مؤهلات الأطباء، وشرعية العيادة، وسلامة المنتجات المستخدمة في العلاج.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة