مال وأعمال

عمليات نصب في قطاع غزة.. خراف ونعاج "عوائد" العملات الرقمية

نشر

.

Muhammad Shehada

"نسبة أرباحك عن الشهور الأربعة الماضية هي ٣ آلاف دولار"، هكذا أخبر موظف الاستعلامات الشاب الغزي فؤاد* عند سؤاله عن عائد استثمار مبلغ ٤ آلاف دولار في شركة محلية لتداول العملات الرقمية بقطاع غزة.

فؤاد لم يصدق أذنيه من شدة الفرح، دفع المبلغ، وبعد فترة ذهب للشركة لسحب الأرباح، والتأكد مما سمعه، وبالفعل أخذ صافي الربح "الموعود" بكل سهولة.

كان هذا هو الطُعم، عاود بعدها إيداع المزيد من المال لدى الشركة وانتظر متلهفاً عوائد الاستثمار المذهلة التي وُعِدَ بها.

"16 نعجة، وخروفا، وحصانا" هو كل ما صرفته شركة إيليت للخدمات المالية في شهر أبريل الجاري لأحد المستثمرين، عند مطالبته سحب عوائد استثماراته وأصوله المالية. الشركة أخبرت زبائنها بتجميد جميع حركات السحب والإيداع، بحسب ما أفاد به عدد من المصادر عند توجههم لسحب أموالهم، تحدثوا إلى بلينكس.

هذا الأمر فجر كيلاً من الادعاءات بالتعرض لـ "النصب"، على إثرها تشكلت لجنة حكومية لبحث الأزمة وإغلاق الشركة. فما القصة؟ ولماذا يلجأ الفلسطينيون في قطاع غزة المحاصر للعملات الرقمية؟

العمّ قيادي في "القسام"

"كنت على يقين بأنه استثمار مضمون. الرجل مشهود له بالتدين والأخلاق ويصلي الفجر في المسجد يومياً. عمه قيادي كبير في كتائب القسام، والكثيرون استثمروا لديه أموالهم بعوائد مجزية، حتى أن قيادات من حركة حماس وضعوا أموالهم عنده" هكذا شرح فؤاد سبب استثماره ٧ آلاف دولار لدى شركة إيليت.

يقول بأنه تمكن من استرداد ٣ آلاف فقط قبيل تجميد السحب بلحظات، بالإضافة لـ ٣ آلاف أخرى من الأرباح حصل عليها قبل بضعة أشهر. "أنا بحال أفضل من غيري. صديقي وضع 15 ألف دولار كوديعة لنصف عام ولم يسترد منها أي شيء".

"الحمد لله، الدرجة التي وصلنا لها من العلاقات لن توصلنا للحبس"، بهذه الجملة ظهر مدير شركة إيليت واثقاً من نفسه في لقاء عقده مع عدد من المودعين حول إمكانية تعرضه للمساءلة القانونية.

بحسب مصدرين منفصلين لبلينكس، فإن "م.ص. تربطه صلة قرابة بقائد الرقابة العسكرية وعضو قيادي في المجلس العسكري في كتائب القسام، ولديه شبكة علاقات مع جهات نافذة في حركة حماس، والذين استثمر بعضهم المال في شركته وحصلوا على الأرباح".

لكن الضغوط الشعبية الشديدة التي مارسها الأهالي في غزة، دفعت السلطات المحلية في غزة إلى إلقاء القبض على م.ص. صباح اليوم.

شركة ٥ نجوم وأرباح ١٢٠٪

مقر شركة إيليت يُدهش من يدخل إليه، بسبب الديكورات المنمقة والمكاتب الفارهة والموظفين الأنيقين في الملابس الرسمية وماكينة سحب رقم الانتظار وكرم الضيافة والفريق التسويقي. قد يتبادر إلى ذهن الشاب الضحية مشهد الشركات الناشئة في وادي السيليكون عند مشاهدة الرحلات الترفيهية للموظفين التي تنظمها الشركة.

"إيليت نحو القمة"، هكذا كُتب على لافتة ضخمة في أحد الميادين العامة في وسط غزة مع تهنئة بشهر رمضان. يقول مدير الشركة إنها كانت تدير أصولاً ماليةً بنحو ٣١ مليون دولار، وروّجت لنفسها بشكل كبير في قطاع غزة المحاصَر كفكرة عصرية جديدة وفرصة نادرة لكسب أرباح قياسية.

يقول بعض المودعين بأن تلك الأرباح المتقلبة وصلت في بعض الأحيان لنسبة 90% شهرياً بينما زعمت الشركة وصول الأرباح لـ 120% خلال ثلاثة أشهر.

لا تؤجل استثمار اليوم إلى الغد

"لا تحرم نفسك فرصة من دخل فوق الممتاز. لا تقل ليس لدي الوقت اليوم سأبدأ غداً. لو بدأت في الغد فلن تكون كمَن بدء اليوم"، بأسلوب التنمية البشرية هذا، خاطب مدير الشركة م.ص. طلاب جامعة الأقصى في لقاء ترويجي.

يعرّف م.ص. عن نفسه كخبير دولي في التداولات الرقمية والعمل عبر الإنترنت منذ العام 2002، وأنه يمتلك مهارات عالية وخبرة طويلة في تداول العملات الرقمية المشفرة مثل الدوجكوين، والتيثر، والدولار الرقمي، والبتكوين وغيرها.

"إيليت أكاديمي" مؤسسة تدريبية أنشأها م.ص. تأكيداً على نجاح تجربة شركته، قدّم من خلالها دورات تعليمية حول الاستثمار الإلكتروني والتكنولوجيا الحديثة، بالإضافة لمحاضرات ترويجية وورشات عمل في كبرى الجامعات المحلية كالجامعة الإسلامية وفلسطين.

حاملاً كعكة محلاة بالشوكولاتة، دخل أحد موظفي الشركة للاحتفاء بأحد الطلبة الذين دربهم على التسوق الإلكتروني، والذين ادعوا أنهم نجحوا في ربح 1200 دولار من مشروع واحد، قبل انتصاف الدورة التدريبية.

٤ آلاف في الفخّ

"تشير التحقيقات الأولية إلى ثبوت الادعاء "بالنصب والاحتيال". وعليه أغلقت الشركة وضبط وتحريز محتوياتها" صرح بذلك أحمد السوسي المتحدث باسم النيابة العامة في غزة.

الشركة كانت قد حصدت نحو ٤ آلاف مشترك وتنامى رأس مالها لمبالغ بعشرات الملايين في وقت قياسي، بحسب تصريح سابق لمديرها، لصحيفة الرسالة التابعة لحركة حماس، كما حصلت على رخصة رسمية كشركة مساهمة مخصوصة من وزارة الاقتصاد التابعة لحكومة حماس في غزة منذ تأسيسها.

ينفي م.ص. قيام شركته بأي نوع من التلاعب أو الغش. لكن امتناع الشركة عن رد أموال أصحابها منذ بدايات شهر أبريل جدد الاتهامات لأصحاب مشروعات التجارة الإلكترونية وشركات التداول الرقمية في غزة بشكل عام.

"لا توجد تجارة حلال تجني 50% من الأرباح في شهر، ولا حتى العملات الرقمية. لكنت أصبحت أنا مليونيراً"، هكذا صرح الدكتور رائد رشيد خبير التداول الرقمي وعضو اللجنة الحكومية لمتابعة أعمال الشركة، لصحيفة الرسالة.

يرى خبير الأمن الاقتصادي طارق المقادمة بأن "هذه العملية نصب واحتيال مكتملة الأركان. عبارة عن تلبيس طواقي دون تداول حقيقي".

.. وما الذي يدفع الضحية للذهاب إلى "النصاب"؟

"الشاب صار عمره ٣٥ سنة دون زواج أو ادخار. نعمل يومياً نظير 20-30 شيكل، أقل من 10 دولارات، فمَن يمكنه الاكتفاء بذلك إذا كان لديه عائلة؟" صرخ بهذه الكلمات أحد الشباب الغزيين مدافعا عن الشركة أمام حشد صغير في شهر مارس الماضي، وذلك بعد تحذير وزارة الاقتصاد المواطنين من التعامل مع مثل هذه الشركات.

بينما قال آخر بصوت مرتفع "اتركونا وحدنا، اتركونا نعيش. لماذا تلاحقوننا في كل شيء. وجدنا مكانا نضع فيه نقودنا. أنا بعت ذهب زوجتي لأضعه في هذه الشركة".

العملات الرقمية والعمل عن بعد عبر الإنترنت وفرا شريان حياة لبعض الشباب في قطاع غزة الذي أنهكه نحو 16 عاماً من الحصار والانقسام السياسي الداخلي.

مثل هذه الأنشطة تمّكن الشباب من تجاوز الأزمات والتشديدات على الاقتصاد في القطاع، لكن الغالبية من أهل غزة لا يمتلكون المهارات التكنولوجية والموارد اللازمة للقيام بمثل هذه الأعمال.، بالتالي توفر شركات الاستثمار في تداول العملات الرقمية أملاً وإن كان خادعاً في تأمين عيش كريم للشباب في قطاع غزة الذي بلغت نسبة البطالة في صفوفه 73.9% العام الماضي.

الخطورة تكمن الآن في أن بعض عملاء شركة إيليت باعوا ممتلكاتهم واستدانوا المال لاستثماره في أنشطة الشركة، ولا يملكون الآن ما يعينهم على سداد ديونهم ولا توجد فرص لإيجاد عمل يمكنهم من ذلك، ما يجعلهم عرضة للحبس.

الـ Bot بدلا من العقد

وكيل وزارة الاقتصاد المهندس عبد الفتاح الزريعي أصدر قراراً شهر أكتوبر من العام الماضي يقضي بإلغاء تسجيل شركة إيليت وإغلاق مقرها ووقف ممارسة عملها، إلا أن القرار لم يتم تنفيذه.

أعاد الزريعي إصدار قرار بإغلاق الشركة في مارس الماضي لكن دون جدوى. الوزارة طالبت م.ص. بإنهاء العقود ورد الأموال لأصحابها، لكن صاحب الشركة وجد منفذا للالتفاف على ذلك عبر إنشاء تطبيق إلكتروني يدعى "بوت" كنظام تعاقد بديلاً عن العقود الورقية الرسمية.

السلطة التنفيذية في وزارة الاقتصاد بغزة تقول إن يديها مقيدة قدرتها على حظر أنشطة شركات التداول الرقمية. وبحسب الدكتور أسامة نوفل مدير عام سياسات الوزارة لا توجد قوانين ضابطة، "أعطني قانونا وسأنفذه، ما أفعله الآن هو تطويق الأزمة".

نوفل نفسه كان قد حذر في مارس من أن "غياب الأنشطة الاقتصادية الفعلية بسبب الحصار" قد يدفع المواطنين للاستثمار في شركات التداول، منبهاً أن وزارته لم تعطِ أية رخصة لأية شركة في مجال تداول العملات الرقمية".

وزارة الاقتصاد اعتبرت رسمياً أن "تداول العملات بالفوركس، والتسويق الهرمي والشبكي، والتدريب غير المنضبط على تداول العملات الرقمية ظواهر سلبية، وتعتبر جزءاً من الاقتصاد الوهمي، ومدخل للنصب والاحتيال.

*"فؤاد" اسم غير حقيقي بطلب من المصدر المقيم في غزة، خوفاً على حياته.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة