مال وأعمال

لماذا عرقلت بريطانيا أكبر مشروع لتطوير قناة السويس المصرية؟

نشر

.

Muhammad Shehada

وصل إخبارية للسفير البريطاني في القاهرة خلال العام 1958 تفيد بعزم الحكومة المصرية التقدم بطلب قرض من البنك الدولي بقيمة 150-250 مليون دولار لإنشاء أحد أكبر مشروعات تطوير قناة السويس، الممر الملاحي العالمي. سرعان ما أرسلت السفارة برقيةً بالخبر للحكومة البريطانية، والتي مارست بدورها ضغوطاً مكثفة على البنك والدول الغربية لإجهاض المشروع رغم أن تطوير القناة كان "سيؤدي لزيادة العوائد، الأمر الذي من شأنه تعزيز الاقتصاد المصري"، وفقاً لوثائق سرية لوزارة الخارجية البريطانية كشفت عنها صحيفة البي بي سي الأربعاء. ونصت الوثائق بأنه "سيكون لقرض البنك الدولي وأي معونة غربية كبيرة لمصر أضرار سياسية هائلة للغاية".

قصة إجهاض القرض

"تطوير قناة السويس سيكون أكثر المشروعات جاذبية من وجهة نظر البنك الدولي"، هكذا قيم ممثل البنك الدولي أوغين بلاك الفكرة آنذاك. فخطة تطوير السويس المسماة "بمشروع ناصر" سعت لتعميق القناة وتوسيعها بقدر كبير، وحفر قناة موازية لتسهيل مرور سفن النقل في الاتجاهين في وقت واحد، ما كان من شأنه زيادة حركة السفن وبالتالي رفع عوائد العملة الصعبة لمصر. ما زاد من قلق لندن هو أن فكرة المشروع لاقت استحسان وتأييد الجنرال الأميركي ريموند ألبرت ويلر، القائد السابق لسلاح المهندسين في الجيش ومستشار البنك الدولي، وذلك بعد أن أبدت دراسة للبنك جدوى المشروع الاقتصادية.

السبب انتقامي؟

كانت بريطانيا شاركت لتوها في حرب عام 1956 ضد مصر، مع الجيشين الإسرائيلي والفرنسي، بعد قرار الرئيس المصري جمال عبد الناصر تأميم القناة. ولكن سبب رفضها الذي أبدته لحلفائها الغربيين حيال القرض لم يكن انتقامياً.

الحكومة البريطانية جادلت بأن تطوير القناة لن يكون له مردود اقتصادي هام لها ولدول الغرب، ولن يكون له أهمية عسكرية، لأنه في حال اندلاع أي حروب مع دول المنطقة فمن المحتمل أن يغلق ناصر القناة في وجه الجيش البريطاني، وفي حال نشوب حرب عالمية نووية، فلن يكون هناك حاجة للجيوش التقليدية والأساطيل البحرية.

وأضافت الخارجية بأن إعطاء قرض بهذا الحجم لمصر قد يثير غبطة ليبيا والسودان والعراق والأردن وسخطهم لعدم تلقي مساعدات بنفس القدر. علاوة على ذلك، رأت المملكة المتحدة تهديدا في أن يؤدي ازدهار وتوسع قناة السويس لزيادة اعتماد الغرب على نظام ناصر في ما يتعلق بنقل النفط عبر القناة.

لندن أيضاً عارضت توفير الولايات المتحدة حفارات وجرافات لمصر "بالمجان"، وطلبت أن تقوم الحكومة الأميركية بتحميلهم ثمن المعدات تلك. لكن في الوقت عينه، لم تعارض بريطانيا إمداد القاهرة "بتسهيلات مالية قليلة لتمكين المصريين من تنفيذ أعمال الصيانة الحالية للحفاظ على القناة بمستواها الحالي"، لكيلا تتعطل مصالح الغرب.

إجهاض المشروع

في نهاية المطاف، ساهمت الجهود البريطانية في إجهاض المشروع جزئياً. فقد أتمت مصر تعميق القناة من 35 إلى 40 قدم بحلول عام 1961، لكنها لم تقم بتوسعة السويس في حينه. وعلى مدار السنين، تم تطوير عمق القناة لتصل حالياً لنحو 66 قدم. وفي عام 2015، نجحت مصر في استكمال حفر ممر مواز بطول 35 كيلومترا شمال القناة البالغ طولها 193 كيلومترا بتكلفة وصلت لـ١٤ مليار دولار تقريباً.

اعرف أكثر

عن أهمية القناة

قناة السويس تعد أحد أهم الممرات المائية في العالم، حيث يعبر منها نحو 10% من مجمل التجارة البحرية العالمية. وبإمكان القناة استيعاب 61% من حمولات أسطول ناقلات النفط العالمي و92,7% من حمولات الأسطول العالمي لنقل البضائع. وتدر على الحكومة المصرية إيرادات سنوية تقدر بثمانية مليار دولار.

القناة حفرت بأيدي مصرية لعشرة أعوام بين 1859-1869 بعد أن أعطى الخديوي محمد سعيد باشا الموافقة للسياسي الفرنسي فرديناند دي لسبس على مشروح الحفر شريطة أن تحصل مصر على نسبة من الأرباح وأن تأول ملكية الشركة لمصر بعد 99 عاما. وفي عام 1956 أعلن الرئيس المصري تأميم القناة وجعلها تحت سيادة الحكومة المصرية، وهو ما أغضب بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ودفعهم لفرض عقوبات اقتصادية على مصر وشن حرب العدوان الثلاثي.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة