مال وأعمال
.
في ديسمبر 2016 وبعد ساعات من وصول الدولي الأرجنتيني كارلوس تيفيز إلى مطار شنغهاي للانضمام إلى فريق المدينة الصينية، ضجت وسائل الإعلام العالمية بالراتب الضخم لنجم التانغو، الذي بات الأعلى أجرا في العالم براتب سنوي 41 مليون دولار.
وقتها ظهرت إحصائية طريفة تشير إلى تقاضى تيفيز 37 ألف دولار عن كل 8 ساعات ينامها يوميا على فراشه الوثير في بلاد التنين، وهو المبلغ الذي يساوي تقريبا معدل الراتب السنوي للموظف في عموم بريطانيا.
وصول تيفيز، آنذاك، جاء تعزيزا لتنفيذ استراتيجية الرئيس الصيني تشي جين بينغ، التي أطلقها في 2011، بهدف تحويل بلاده إلى قوة كروية عظمى، قبل أن تتداعى الشركات على الاستحواذ على الأندية، وتبدأ في فتح خزائنها لجلب كبار اللاعبين في العالم.
بداية من يناير 2016، وفي ظرف عامين فقط، دفعت الأندية نحو 300 مليون دولار لشراء 10 لاعبين من الأندية الأوروبية، هذا غير اللاعبين القادمين مجانا، بخلاف قيمة رواتبهم، مثل تيفيز، وغيرهم من لاعبين تخطت رسوم انتقالاهم الـ20 مليون دولار.
وقتها تصدر البرازيلي أوسكار قائمة أغلى صفقة، عندما وصل في يناير 2016 قادما من تشيلسي مقابل 65 مليون دولار.
وفي خواتيم ذلك العام، بات الدوري الصيني على كل لسان، كما حذّر مدرب أرسنال وقتها الفرنسي أرسين فينغر من خطورة الدوري الصيني على كرة القدم، وبدوره، اتفق معه مدرب تشيلسي في ذلك الوقت الإيطالي أنطونيو كونتي، وحذر بدوره من مغبة الاستهتار بالدوري الصيني وقوته المالية.
لم يمض على السطوة الصينية في عالم الميركاتو أكثر من 3 أعوام، حتى بدأت الأمور في الانقلاب رأسا على عقب، وأطلقت أزمة كورونا 2020 رصاصة الرحمة على زمن التنين في اصطياد الأسماك الكبيرة في كرة القدم.
وفي 2021، دخلت غالبية الأندية في حالات إفلاس، أبرزها نادي جيانغسو صينيغ، بطل دوري السوبر الصيني وغوانزهو إيفرغراندي، نادي ووهان يانغتسي، نادي شينزن الصيني، وهيبي إضافة إلى 11 ناديا آخر، كما تم أيضا وضع سقف رواتب، لا يتخطى بموجبه الراتب السنوي لأي لاعب أو مدرب 3 ملايين دولار، لتُكتب بالتالي الحلقة الأخيرة في مسلسل الصعود الصيني في كرة القدم.
في الميركاتو الحالي، فاجأ الدوري السعودي العالم، باكتساحه الميركاتو الصيفي، وإكمال مسيرة ضم النجوم التي بدأها مع كريستيانو رونالدو في يناير الماضي. وضم بعدها كل من كريم بنزيمة، ونغولو كانتي، وخاليدو كوليبالي، وروبرتو فيرمينو، وإدوارد ميندي، وروبن نيفيز، وغيرهم للأندية الأربعة الكبيرة في الدوري، الهلال والنصر والاتحاد والأهلي، عقب استحواذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي عليها.
تدفع الأندية الأربعة رواتب مرتفعة للغاية لهؤلاء النجوم، إذ منح الاتحاد بنزيمة راتبا سنويا أكثر من 200 مليون دولار، فيما يحصل كانتي على نحو 100 مليون دولار.
على الصعيد العالمي، سيطرت حالة خاصة على الإعلام والمتابعين، تراوحت بين الإعجاب بالجرأة السعودية وخطط التوسع في كرة القدم، وبين نظرة متشائمة، لا ترى في ما يحدث في الدوري السعودي أكثر من مجرد تكرار لفقاعة الدوري الصيني، وأنها ستتبخر على المدى القريب، فإلى أي مدى هي محقة هذه التوقعات؟
التدقيق في التجربتين الصينية والسعودية، تتبدى بعضا من نقاط الشبه بينهما، والكثير من نقاط الاختلاف، وهي التي سترجح، فيما يبدو، الكفة لصالح استمرار التجربة السعودية ونجاحها.
من أبرز نقاط الشبه، هو تسارع الأحداث نحو اجتياح السوق في كلا الدوريين، إذ بدأت الشركات الصينية الاستحواذ على الأندية في 2015، واقتحمت في يناير السوق بمبالغ ضخمة.
وفي السعودية، سارت الأمور بشكل متسارع بعد ضم رونالدو في يناير الماضي، وتخصيص الشركات، واستحواذ صندوق الاستثمارات العامة على الأندية الكبرى، ودفعه الملايين للكبار.
النقطة الأخرى، هي حجم الأموال الكبير، وتحول أوروبا بدورياتها الكبيرة إلى متفرج، إذ تسيطر السعودية الآن على أضواء الميركاتو بصورة ساحقة، مثلما فعلت الصين في ميركاتو 2016.
في المقابل، تختلف التجربة السعودية عن نظيرتها الصينية التي بدأت استراتيجيتها بطريقة الهرم المقلوب: جلب النجوم، ثم البحث عن زيادة تنافسية الدوري. في المقابل فإن الدوري السعودي يتمتع بالفعل منذ سنوات بدرجة مرتفعة من التنافسية مع اهتمام بالمواهب الشابة تكلل بظهور مشرف في كأس العالم الأخيرة في قطر ٢٠٢٢.
الدوري السعودي، انطلق في 1976، وتحول إلى الاحترافية في 2007، ويعتبر واحدا من أنجح دوريات آسيا. ويعد الهلال الأكثر تتويجا آسيويا، بأربعة ألقاب في دوري الأبطال، يليه الاتحاد بلقبين، فيما توجت جميع الأندية الصينية طوال تاريخها بلقبين فقط.
كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى لدى السعوديين. أ ب
وعلى مستوى المنتخب، يعد المنتخب السعودي أحد أنجح المنتخبات في آسيا، إذ حقق كأس آسيا ثلاث مرات، 1984، و1988، و1996، وهو صاحب الرقم القياسي كأكثر منتخب وصولا لنهائي كأس آسيا 6 مرات، فيما تأهل إلى كأس العالم في ٦ مناسبات منذ الظهور الأول في كأس العالم 1994. وفي آخر نسخة في قطر 2022، نجح المنتخب السعودي في هزيمة نظيره المنتخب الأرجنتيني بقيادة نجمه ميسي، قبل أن يتوج الأخير باللقب.
أما المنتخب الصيني، فلم يتوج بكأس آسيا، وكانت أبرز نتائجه وصافة نسختي 1982 و2004، فيما تأهل إلى المونديال مرة وحيدة في 2002.
"إذا ذهبت لحضور مباريات كبيرة في جدة أو الرياض، سوف تدهشك الشعبية الكبيرة والشغف باللعبة، من الواضح أنها اللعبة الشعبية الأولى في المملكة، كما توجد ثقافة تشجيع لدى غالبية الجماهير، وهذا يظهر في شكل تفاعلاتهم على السوشيال ميديا"، كانت هذه إفادة سيمون شادويك الاقتصاد الجيوسياسي في مدرسة سكيما للعلوم الاقتصادية في باريس لموقع "ذا أثلتيك".
ويبدو أن هذا الأمر تضاعف بعد وصول رونالدو، وفي طريقه للارتفاع بعد انضمام كبار النجوم هذا الصيف. في حين تأتي شعبية كرة القدم الصينية في مرتبة متأخرة بعد كرة الريشة وتنس الطاولة، وإن استمرت من بين الألعاب الشعبية الأولى في الصين.
تولت ملكية غالبية الأندية الصينية شركات ذات خلفيات عقارية، أو استثمارية بحتة، مثل إيفرغراند عملاق العقارات، التي تمتلك فريق غوانزهو، وهي شركات ليست لديها خبرات كافية في مجال الرياضة، بينما في السعودية، يمتلك صندوق الاستثمارات العامة، تجربة ناجحة في نيوكاسل الإنكليزي الذي اشتراه في 2021 مقابل 310 مليون دولار، وحقق نجاحات جاذبة في موسمين عندما وصل هذا العام إلى دوري الأبطال لأول مرة بعد 20 عاما، كما ارتفعت قيمته السوقية إلى 800 مليون دولار في فترة قصيرة للغاية.
وهنالك أيضا نجاحات في الغولف، بعد تأسيس الصندوق بطولة "ليف" للغولف، قبل دمجها مؤخرا مع بطولتي الرابطة العالمية والرابطة الأوروبية لكرة الصولجان.
رغم فوارق الإنفاق على النجوم، حيث دفعت السعودية مبالغ أكثر، فإن هذا الأمر يبدو مبررا، نظرا لحجم ونوعية هؤلاء اللاعبين.
نجوم صف أول: كانتي وباقي النجوم المنضمين لدوري روشن. أ ب
في الصين، كان أكثر النجوم بريقا، هما البرازيليين هالك وأوسكار، وبعدهم تيفيز، والبلجيكي كراسكو، بيد أنهم جميعهم لا يعتبرون من نجوم النخبة لحظة تسجيلهم في الدوري. وبمقارنتهم مع المنضمين إلى الدوري السعودي، تبدو الفوارق شاسعة، إذ جاء بنزيمة متوجا بالكرة الذهبية في آخر نسخة، فيما امتلك رونالدو 5 كرات منها، وتوج مع منتخب بلاده ببطولة يورو 2016.
أما نغولو كانتي، فمتوّج بلقب المونديال مع فرنسا 2018 مع أدوار كبيرة ساعدت الديوك في الفوز باللقب. ومع كانتي يأتي كاليدو كوليبالي وإدوارد ميندي اللذان ساعدا السنغال للفوز بأمم أفريقيا مؤخرا.
هناك أمور أخرى ستعود نفعا على السعودية من ضمها لهؤلاء النجوم، ومن أبرزها، الترويج لسياحتها عبر صورة كل من رونالدو وبنزيمة، ونيمار حال وصوله. فعلى سبيل المثال، يتابع رونالدو على حسابه في انستاغرام 581 مليوناً، وعلى تويتر 108 مليون متابع، إلى جانب 163 مليون متابع على فيسبوك.
هنالك أمر آخر يتعلق بالرابطة الوجدانية بين النجوم المسلمين مثل كوليبالي وكانتي وبنزيمة، والمكان، وهو أمر يُتوقع أن يأتي بفائدة أكبر على شكل العلاقة بينهم وبين الجماهير، لتنعكس على التأثير في المواهب الشابة ودعمها أكثر، إلى جانب أيضا تقديمهم مردودا فنيا أكبر للبطولة من واقع اندماجهم السريع في هذه البيئة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة