مال وأعمال

العراقيون يحاصرون المركزي والدولار يعمق خسائر الدينار

نشر

.

Muhammad Shehada

عشرات العراقيين تجمعوا الأربعاء أمام البنك المركزي لتنظيم وقفة تظاهرية لحراك ثوار تشرين، والسبب هو محاصرة الدولار الأميركي للعملة العراقية بشكل متزايد. فقد تدنت قيمة الدينار بشكل كبير في الأيام الأخيرة خاصة بعد فرض الولايات المتحدة عقوبات على ثلث بنوك القطاع الخاص العراقي ومنعهم من التعامل بالدولار، بحسب وكالة أسوشيتد برس.

المفارقة العجيبة هي أن الاحتياط النقدي الأجنبي العراقي كان قد قفز لمستويات عالية قياسية وصلت لأكثر من مئة مليار دولار هذا العام بفضل ارتفاع أسعار النفط عالمياً. فلماذا يواصل الدينار انخفاضه على الرغم من ذلك؟ وما علاقة إيران وسوريا والصين؟

بداية القصة.. المصارف

أعلنت وزارة الخزانة الأميركية الأسبوع الماضي فرض عقوبات على 14 بنك عراقي خاص تمنعهم من استخدام الدولار الأميركي في تعاملاتهم. يضاف هذا الرقم لثمانية بنوك أخرى لاقت نفس العقوبات مؤخراً، وهو ما يعني أن ما يقارب ثلث البنوك العراقية الخاصة خاضعة لهذه العقوبات (22 بنك من أصل 72).

الولايات المتحدة تقول إن تلك البنوك تم استهدافها بسبب معاملات مالية مثيرة للريبة وشكوك تتعلق بغسيل الأموال لتهريب الدولار الأميركي لإيران أو لشركات خاضعة لعقوبات أميركية مشددة. لكن أصحاب تلك البنوك ينفون هذه التهم ويقولون إنهم مستعدون للخضوع لفحص شامل لتدقيق الحسابات بحسب وكالة رويترز.

سعر الصرف

سعر الدولار الأميركي السوقي ارتفع خلال يومين في العراق بنسبة عالية قاربت 7% على إثر قرار الحكومة الأميركية، حيث قفز من 1470 دينار لكل دولار ليصل 1570 دينار لكل دولار (البنك المركزي العراقي يثبت سعر الصرف الرسمي عند 1310 دينار لكل دولار، لكن تلك القيمة تختلف في الأسواق).

لذلك، حذر حيدر الشمة، وهو صاحب بنك خاص في العراق، من أن العقوبات الأميركية سيكون لها آثار سلبية على قيمة الدينار العراقي بالإضافة للاستثمارات الأجنبية الواردة للبلاد. وأضاف فيه مؤتمر صحفي أن تلك البنوك ليس لها علاقة بالتوترات السياسية وإنما هي مؤسسات مالية مستقلة، مطالبا الحكومة العراقية باتخاذ إجراءات عاجلة لحل هذه الأزمة وفقاً لما نقلت رويترز.

البنك المركزي العراقي يبدو أنه سعى لتخفيف حدة القلق حيال هذه التطورات الأخيرة بالقول إن البنوك الخاضعة للعقوبات تمثل 8٪ فقط من التحويلات الخارجية، حيث قال محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق يوم الأربعاء إن المؤسسة تتابع الأمر وأنه ليس لديه ما يشير إلى أن الولايات المتحدة ستعاقب المزيد من البنوك العراقية. علاوة على ذلك، تستطيع البنوك المستهدفة الاستمرار بالعمل بالعملة العراقية أو عملات أجنبية أخرى دون الدولار.

أين الدولار؟

حمودي إسماعيل، هو مدرب لياقة شخصي في بغداد في السابعة والعشرين من عمره ولديه مشكلة بحسب صحيفة فاينانشال تايمز. جاء موعد دفع إيجار منزله، وجمع بالفعل المال اللازم لذلك بالعملة المحلية، لكن صاحب المنزل يرفض استلام الإيجار بالدينار العراقي نظراً لتذبذب سعره في السوق، ويريد ذلك المبلغ بالدولار. لذلك، حمودي كافح بصعوبة للعثور على بنك أو مكتب صرافة للعثور على 4300 دولار للإيجار ومدفوعات عمله.

السؤال هنا هو أنه كيف يمكن أن يكون الوضع هكذا من حيث ندرة الدولار وصعوبة العثور عليه على الرغم من جني العراق أرباحاً طائلة في ظل ارتفاع أسعار النفط عالمياً ووصول احتياط العراق النقدي الأجنبي لأكثر من 100 مليار دولار.

احتياطي النقد العراقي في جيب أميركا

بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، سارعت الولايات المتحدة لتمرير قرار في مجلس الأمن برقم 1483 ينص على أن تودع 95% من عوائد النفط العراقي في حساب مصرفي في فرع البنك الفدرالي الأميركي في راذرفورد نيويورك لإنشاء ما سمي في حينه "بصندوق تنمية العراق". كانت سلطة الإتلاف المؤقتة المنبثقة عن الاحتلال الأميركي-البريطاني الجهة المسؤولة عن هذا الصندوق والمخولة بإنفاقه على احتياجات الشعب العراقي بعد اسقاط النظام الحاكم.

وعلى الرغم من إغلاق هذا الصندوق رسمياً في عام 2010، بعد فضائح فساد مالي عملاقة بالمليارات من القائمين عليه، إلا أن الفدرالي الأميركي في راذرفورد ما زال حتى اليوم مستحوذاً على أموال الاحتياط النقدي الأجنبي العراقي. أحد الأسباب المعلنة لهذا الحال هو حماية العائدات النفطية في حال نشوب دعوة قضائية ضد الحكومة العراقية على سبيل المثال بسبب غزو الكويت أو قصف إسرائيل في تسعينات القرن الماضي. هذا الأمر يمنح الأميركيين سيطرة كبيرة على إمدادات العراق من الدولارات.

كيف تحصل العراق عادةً على تلك الدولارات؟

تخيل نفسك رجل أعمال في بغداد تريد شراء بضاعة من تركيا. العملة المستعملة عادةً في تلك المعاملات هي الدولار الأميركي. لتوفير تلك العملة الصعبة سيكون لديك أحد خيارين، إما شرائها من السوق السوداء أو من البنوك العراقي الرسمية.

البنك المركزي سيوفر عليك ما يقارب 210 دينار لكل دولار مقارنة بالسوق السوداء. لذلك، تصطحب معك الوثائق الثبوتية وفاتورة شراء البضاعة وتذهب لبنك رسمي لطلب تبديل العملة. البنك المركزي بدوره، يقوم بطلب دولارات من بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ثم يبيع تلك الدولارات للبنوك الرسمية التجارية ومراكز الصرافة بالسعر الرسمي المثبت عند 1310 دينار لكل دولار.

هكذا كانت الآلية في تلك المعاملات المالية حتى وقت قريب، حيث تجاوزت طلبات المركزي العراقي للدولار من الفدرالي نحو 200 مليون دولار يومياً. لكن الحكومتين الأميركية والعراقية تقولان إن هذا النظام أصبح من السهل التلاعب به واختراقه.

التلاعب بالمنظومة المالية

أحد الطرق المستخدمة في الحصول على الدولار الأميركي وتسريبه للسوق السوداء هو ما يسمى "بالسوق الرمادية". حيث تقوم شركة باستخدام فواتير مزورة أو متلاعب بها لبضائع تقول إنها تريد استيرادها، ويتم تضخيم أسعار تلك البضائع بشكل كبير على الورق، ومن ثم استخدام الفائض من تلك الأموال لبيعه في السوق السوداء وتحقيق أرباح عالية سهلة وسريعة.

خروج الدولارات تلك من منظومة التداولات الرسمية يعني إمكانية تهريبها لدول خاضعة للعقوبات الأميركية مثل إيران وسوريا، بالإضافة للميليشيات المسلحة المصنفة أميركياً كحركات إرهابية. وقد يتم تهريب تلك الأموال إما عبر أسلوب الفواتير المزورة أو المتلاعب بها لنقل الأموال لجهات في دول مجاورة ومن ثم للدول الخاضعة للعقوبات، أو بالتهريب عبر الحدود البرية بالتعاون مع أحد الجماعات المحلية المسلحة ذات النفوذ.

إجراءات أكثر صرامة

في شهر نوفمبر الماضي، فرض بنك الاحتياطي الفيدرالي إجراءات أكثر صرامة فيما يتعلق بحصول العراق على دولاراتها العالقة في أميركيا. من بين تلك الإجراءات هو إلزام البنك المركزي العراقي باستخدام نظام إلكتروني للتحويلات يتطلب إدخال معلومات مفصلة عن المتلقي النهائي للدولارات المطلوبة والهدف منه.

الفدرالي قام بتدريب مئة موظف من البنك المركزي العراقي على هذا النظام الجديد الهادف لمنع التلاعب وتسريب الدولارات للسوق السوداء أو تهريبها للخارج لدول محظورة.

لكن أحد مشاكل هذا النظام هو التشديد الكبير في طلبات العملاء. حيث تم رفض حوالي 80% من المعاملات في فبراير الماضي، وانخفضت قيمة الدولارات الواردة للمركزي العراقي من الفدرالي لحوالي 69.6 مليون يومياً في نهاية شهر يناير، بعد أن كانت قد وصلت لنحو 257.8 مليون دولار قبل ستة أشهر. يضاف إلى ذلك أن تلك الإجراءات البيروقراطية أطالت من مدة الموافقة على المعاملات حيث وصلت لنحو 15 يوم بدلاً من يومين أو ثلاثة. هذا الأمر أثر بشكل سلبي كبير على واردات العراق من الخارج، والتي انخفضت لحوالي 34٪ من 90٪، بحسب وكالة أسوشيتد برس.

إجراءات مضادة للحكومة

في شهر فبراير الماضي، أقرت الحكومة العراقية استخدام اليوان الصيني في التعاملات التجارية مع جمهورية الصين الشعبية عوضاً عن الدولار الأميركي لتجنب التشديدات الأميركية على الاقتصاد العراقي. ثم تبع ذلك منع الحكومة العراقية استعمال الدولار في المعاملات التجارية والشخصية المحلية داخل العراق بهدف تدعيم الدينار العراقي، حيث قالت وزارة الداخلية في شهر مايو إنها ستقوم بفرض غرامات مالية قد تصل لنحو مليون دينار عراقي (تقريباً 680 دولار) على المخالفين، وفي حال تكرار المخالفة، فقد يتطور الأمر للعقوبة بالسجن لمدة قد تصل لعام واحد.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة