إعادة تدوير علب المشروبات الغازية في مصر.. حلم مراهق بالثراء

"علبة الكانز دي مستقبلي" يقول مؤمن، الذي يصف رحلة بحثه عن عبوات المياه المعدنية الفارغة، بالشاقة والمربحة.

فالمشقّة في رحلته لجمع العبوات تنبع من طبيعة المواقع التي يجمع منها العلب والتي تشمل حاويات القمامة أمام البنايات وفي الشوارع الرئيسية، إلا أن ما يُهوّن مشقة العمل، فهي الأرباح التي يحصل عليها مؤمن في نهاية كل أسبوع.

يقول مؤمن لبلينكس، إن متوسط دخله من هذا النشاط يصل إلى نحو 1000 جنيه أسبوعياً، مقابل 20 كيلو من العلب الفارغة التي يبلغ متوسط سعر الكيلو منه 50 جنيهاً.

يدخر مؤمن أغلب المبلغ ليراكم رأس مال يمكنه من العمل لحسابه الشخصي في نفس النشاط. ويقول "بحوش الفلوس علشان يبقى عندي مخزن ومصنع زي المعلم بتاعي، لما أخلص تعليم".

مؤمن، هو الحلقة الأولى في نشاط اقتصادي اتسعت رقعته مؤخراً في مصر، ولكن بشكل غير مُقنن، وهو ما يبرر عدم وجود أرقام رسمية عن حجم النشاط، ولكن اتساع رقعة هذا النشاط يمكن أن تراها في الارتفاع المستمر لأسعار علب المشروبات الغازية.

فقد سجل هذا القطاع ارتفاعا بنحو 200% خلال عامين نتيجة لزيادة الطلب على العبوات الفارغة لإعادة تدويرها، ويمكن أن نراها أيضاً في الاعلانات المتدفقة لبيع وشراء الخردة من هذه العبوات.

بالإضافة إلى المزادات التي يتم إجراؤها لصالح الكميات الكبيرة التي يعتبر مؤمن، وأمثاله، أول يد في عملية إعادة تدويرها، لتأتي بعد ذلك أياد أخرى تضخ رؤوس أموال لإتمام مرحلة التجميع وفي هذه المرحلة يظهر أحمد صلاح.

صلاح ابن المطرية (32 سنة) ويحمل شهادة في التجارة والمحاسبة، قرر ترك عمله كمحاسب منذ 6 سنوات ليتفرغ للتجارة بـ "الكانز" أي عبوات المياه الغازية الفارغة.

"كده أحسن يعني أقدر أقول حياتي اتغيرت" يقول صلاح عن دخله من تجارة "الكانز" التي بدأها برأسمال قدره 5 آلاف جنيه قبل ست سنوات، وهي الآن تتجاوز المليون.

ولفت إلى أنه الحلقة الوسيطة بين مصادر التجميع الصغيرة -مثل مؤمن- والكبيرة مثل المطاعم وقاعات الأفراح والكافيهات، وبين أصحاب المسابك الذين يقومون بصهر العلب الفارغة وتحويلها إلى قوالب من معدن الألومينيوم وبيعها للمصانع التي تستخدمه في منتجاتها بالسعر العالمي للخام.

يشتري صلاح طن "الكانز" بمتوسط يبلغ 50 ألف جنيه يقوم بغسله وتنظيفه وكبسه، ومن ثم بيعه للمسابك بهامش ربح 20/ 30% حسب درجة نظافة ونقاء "الكانز"، وهو الهامش الذي يراكم الثروة المستقبلية التي يحلم بها المراهق مؤمن، في ظل ارتفاع أسعار المعادن التي سجلت متوسط بلغ 100 ألف.

المكاسب المتحققة من إعادة تدوير علب المياه المعدنية الفارغة، تتجاوز الثروات التي قد يراكمها العاملون في النشاط، لمكاسب أوسع نطاقاً تشمل البيئة والاقتصاد.

وفقاً لتقرير صادر عن وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA)، تسهم عمليات تدوير المخلفات المعدنية في خفض مخلفات التعدين بنسبة %97، وتوفير المواد الخام بنسبة %90، إلى جانب، خفض تلوث الهواء بنسبة %86.وكذلك خفض تلوث الماء بنسبة %76، بالإضافة إلى توفير الطاقة بنسبة %74، وخفض استهلاك الماء بنسبة %40.

هذه المكاسب يتم تحقيقها حال يكون النشاط مدرج ضمن المنظومة الرسمية للاقتصاد وبالتالي يخضع لمعايير رقابية صارمة لعمليات إعادة التدوير، وهو الأمر غير المتحقق في نشاط إعادة تدوير علب المياه المعدنية الفارغة في مصر، بحسب محمد عبدالحميد، أحد العاملين بهذا النشاط.

عبدالحميد أوضح لبلينكس، أن أغلب العاملين في النشاط غير مشمولين في الاقتصاد الرسمي، وبالتالي فهم خارج نطاق الرقابة الصحية البيئية.

ويبرر عبدالحميد وجود النشاط خارج المنظومة الرسمية بما يصفه بـ"طبيعة النشاط" قائلًا "بنجيب البضاعة من الشارع ومن صناديق القمامة".

"وجود النشاط خارج منظومة الرقابة البيئية والصحية قد يكون مميتاً"، تقول فاطمة موسى، خبيرة العلوم البيئية.

وتشير الخبيرة إلى مخاطر إعادة تدوير علب المياه الغازية دون التحقق من اشتراطات السلامة والصحة البيئية، بدءاً من التجميع من صناديق القمامة، وانتهاءً بعملية الصهر في المسابك.

وأوضحت "يلجأ العاملون في جمع العلب لنبش صناديق القمامة دون أقنعة أو قفازات، وهو ما قد يتسبب في إصابتهم بأمراض جلدية وتنفسية متنوعة، إلى جانب نشر البكتيريا والفطريات في محيط الصندوق على نطاق واسع".

وقالت "بينما يتم صهر العلب بعد تجميعها في أفران مفتوحة نظراً لعدم وجود رقابة على المسابك"، فإن ذلك ينتج غازات سامة مليئة بالجزيئات الثقيلة التي يسبب التعرض المستمر لها، بأمراض سرطانية في الرئة والجلد والعينين، وفق قولها.