الضمان الاجتماعي في العراق.. مصير مجهول ينتظر أبو مريم ومحمد

داخل محله الصغير في سوق الشورجة وسط العاصمة بغداد، يجلس أبو مريم (70 سنة) متأملاً أدوات الحلاقة التي قضى معها أكثر من أربعة عقود، انتهت بمرض الصدفية الذي أصاب كلتا يديه، وأجبره على تحويل محله إلى مرافق صحية (دورة مياه)، بعد أن يئس من الحصول على الضمان أو البديل الذي يوفر لعائلته قوت العيش.

ينظر أبو مريم إلى أدوات الحلاقة بحسرة على ذكريات الأمس، وقلق من مستقبل مجهول ينتظر بناته الـ٤، بعد أن بلغ سناً متقدمة ونخر المرض جسده.

تكاد الدموع أن تملأ عينيه وهو يتحدث قائلا "أنا لا أخشى على نفسي، فأنا أعيش آخر أيام حياتي بين المرض والحسرة على محلي وأدوات الحلاقة التي صدئت. للأسف بعد أربعين عاماً من العمل في أغنى بلدان العالم النفطية، لم أجد أي ضمان استند عليه اليوم، أو أموت فيه وأنا مرتاح لما سيحل ببناتي الأربعة وزوجتي من بعد. أتساءل من لهن بعدي في حال مت".

أبو مريم وملايين العمال في أرجاء العراق تجمعهم هواجس الخوف من المستقبل المجهول ذاتها بسبب العمل لسنوات طويلة أحياناً، من دون حقوق أو ضمان اجتماعي يوفر لهم لقمة عيش كريمة في الشيخوخة أو عند تعرضهم للحوادث.

الشاب ريبر أحمد محمود، وجد نفسه حبيس جدران غرفة بسيطة بعد تعرضه لصعقة كهربائية أثناء العمل، فقد إثرها يده اليسرى وأصابع يده اليمنى، فضلاً عن الحروق التي توزعت في جسده.

لا يستطيع ريبر توفير أساسيات العيش لأسرته أو دفع إيجار منزله.

"لا أعلم كيف أعيش الآن أو أوفر لعائلتي قوت العيش" يقول ريبر متأسفاً إنه بعد 15 سنة من العمل انتهى به الأمر جليس المنزل دول معيل.

ويضيف "حياتي انتهت، أنا بين هذه الجدران الأربعة طول اليوم، ولن أقوى على العمل بعد اليوم، ولا أعلم من أناشد. فأنا بعد كل تلك السنوات خرجت دون ضمان أو معيل ومصيري ومصير عائلتي مجهول".

لا توجد إحصائيات رسمية لعدد العمال في العراق نتيجة عدم تسجيلهم جميعاً ضمن قواعد بيانات الوزارات الحكومية أو صندوق الضمان، لكن الأرقام تتراوح وفقاً لتقديرات عدد من النقابات العمالية، بين 5 إلى 6 ملايين عامل موزعين على القطاع الخاص والحكومي.

إلا أنه لم يسجل منهم في صندوق الضمان الاجتماعي التابع لوزارة العمل سوى 570 ألف عامل فقط، وفقاً لبيانات سابقة صدرت عن وزارة العمل، وأظهرت معها تحرك الوزارة لزيادة عدد المشمولين بالضمان لترتفع من 250 ألفاً إلى 570 ألف بعد تنشيط دور الفرق واللجان التفتيشية التابعة للوزارة.

ولكن رغم تحركات الوزارة، لا تتجاوز نسبة العمال المسجلين حتى اليوم 10% من مجموع العمال، نتيجة لعوامل عدة أبرزها سطوة أصحاب العمل الذين لا يريدون دفع 12% من أجور العامل لصندوق الضمان.

ويشير رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال العراق، علي رحيم الساعدي، إلى أن العمال أنفسهم يتحملون جزءاً من المسؤولية بسبب غياب الوعي لديهم حول إيجابيات الضمان، وانعكاساته الإيجابية على مستقبل العامل وعائلته في حال تعرضه للإصابة.

وأضاف الساعدي أن الجزء الآخر من المسؤولية يقع على عاتق أرباب العمل الذين لا يتعاونون فيما يتعلق بدفع مبالغ الضمان للعامل.

في مايو الماضي، صوّت البرلمان العراقي على قانون الضمان الاجتماعي والتقاعد الذي يهدف إلى إنهاء الفوارق بين العاملين في القطاع العام والخاص، ويوفّر بيئة جيدة للنهوض بذلك القطاع والعاملين فيه، حسب أعضاء في مجلس النواب ممن وصفوا القانون بالمهم لتطوير الاقتصاد العراقي.

يوضح أمير المعموري، عضو لجنة العمل والشؤون الاجتماعية في مجلس النواب العراقي أن القانون المصوّت عليه، سيُجبر أصحاب الشركات والمؤسسات الخاصة على تضمين العاملين لديهم، كما أنه يتيح الخيار لأصحاب المهن الحرة تضمين أنفسهم على أن تدفع الحكومة عنهم نسبة الاستقطاع الخاص برب العمل، كما أنه سيوفر جملة من الامتيازات التي تنصف عمال العراق، بحسب لجنة العمل والشؤون الاجتماعية في مجلس النواب.

وبيّن المعموري أن القانون يشمل احتساب الخدمة للعاملين في القطاع الخاص في حال انتقالهم للقطاع العام، مؤكداً أن أقل أجر تقاعدي للعامل في القطاع الخاص ضمن القانون، هو 350 ألف دينار عراقي، أي ما يعادل 250 دولار تقريباً.

ورغم الأمل المعقود في القانون، إلا أنه لم يطبّق بشكل فعلي رغم مرور أكثر من ستة أشهر على تشريعه في مجلس النواب، حيث لم يزل معظم العاملين في القطاع الخاص غير منضمين إلى صندوق الضمان في وزارة العمل، بسبب رفض تسجيلهم من قبل أصحاب العمل وتحمل تكاليف شهرية يدفعونها للوزارة.

ويقر رئيس الاتحاد العراقي لنقابات العمال وليد نعمة، أن هناك عدم اهتمام من قبل الطبقة السياسية المتحكمة بالقرار بسوق العمل العراقية، وأن الفوضى السياسية وتدخّل أصحاب القرار بالأمور النقابية، أدى إلى فوضى عارمة في سوق العمل العراقي.