بعد الدولار.. سوق سوداء للسكر والسجائر في مصر

بدأت أزمة السوق السوداء للسجائر بمصر في مارس الماضي، مع الإعلان عن زيادة أسعار منتجات التبغ المختلفة، حيث بدأ بعض التجار في تخزين المنتجات والبيع بأسعار أعلى من الأسعار الرسمية استعداداً للزيادة السنوية "لضريبة الجدول" على القيمة المضافة، التي تعلنها الحكومة المصرية مع بداية كل عام مالي في يوليو.

زيادات الأسعار التي خلقتها السوق السوداء، دفعت المنتجين لزيادة رسمية جديدة في أبريل أملاً في المقاربة بين السعرين الرسمي والموازي، وهو ما لم يحدث إذ أدى تأخر وزارة المالية في الإعلان عن تطبيق الزيادة الضريبية على السجائر، لاستمرار التجار والموزعين في تخزين المنتجات بسعرها، قبل الزيادة في الضريبة للإستفادة من فارق السعر بعد زيادة الضريبة.

عمليات التخزين خلقت نقصاً في المعروض، وارتفع السعر بأكثر من 50% لمختلف الأنواع بحسب أحمد جلال، الذي قال لبلينكس "على الحال ده بقالنا 8 شهور وأكتر، السعر الرسمي اترفع أكتر من مرة لكن الأزمة مكملة".

وكان مجلس النواب قد أرجأ تعديل قيم الضريبة حتى نهاية عطلة المجلس والتي انتهت في أكتوبر الماضي، حيث تهدف موازنة العام المالي الحالي 2024/2023 إلى تحصيل 87 مليار جنيه كإيرادات ضريبية من صناعة السجائر، بزيادة 6 مليارات جنيه على موازنة العام الماضي.

وبالرغم من إقرار الزيادة الضريبية المنتظرة بنسب تتراوح بين 12% و 13% في نوفمبر الجاري، إلا أن السوق السوداء استكملت مسيرة سيطرتها على السجائر التي تضاعف سعرها مجدداً بعد زيادة الضرائب بحسب جلال، الذي قال "النوع اللي سعره الرسمي بـ 42 جنيه موجود في السوق السوداء بـ 80 جنيه".

المسافة التي يقطعها أحمد من أجل الحصول على سجائره بالسعر الرسمي من إحدى محطات الوقود، تقطع ضعفها جيهان (52 سنة)، بالتردد على المجمعات الاستهلاكية (منافذ بيع حكومية) للحصول على سكر بسعره الرسمي والعادل، بعد أن ارتفع سعره بالسوق السوداء للضعف، مسجلًا 50 جنيهاً في مقابل 27 جنيهاً بالسعر الرسمي.

"سكر التموين مدعوم صحيح لكن مبيكفيش فبضطر اشتري من السوبرماركت لكن الفترة الأخيرة السعر زاد يوم بعد التاني، لحد ما وصل 50 جنيه، فبضطر كل يومين تلاته اعدي على المجمع الاستهلاكي بيبيع أرخص".

جيهان ربة أسرة من الـ 60% من الأسر المصرية التي تحصل على السكر عبر "البطاقات التموينية"، وبالرغم من ذلك تضطر للجوء للسوق السوداء لتكملة باقي احتياجات أسرتها منها، حيث يصل سعر كيلو السكر المدعّم "على البطاقات التموينية" 12.6 جنيهاً، بينما تكلفته الحقيقية بالنسبة للدولة تصل إلى 25 جنيهاً.

وتنتج مصر 2.8 مليون طن سكر سنوياً، بما يعادل 90 % من استهلاكها البالغ 3.2 مليون طن، وهو ما يجعل الأزمة غير مبررة نظراً لعدم ارتباطها بشكل قوي ومباشر بسعر الدولار الذي أدى ارتفاع سعره في مواجهة الجنيه المصري، لزيادات ضخمة في أسعار السلع المستوردة.

في الوقت الذي أرجعت فيه وزارة التموين نشأة السوق السوداء للسكر لعمليات التخزين التي يقوم بها كل من التجار ومصنعي المنتجات الغذائية استعداداً لشهر رمضان.

هذه الممارسات أدت لنقص المعروض في السوق وارتفاع السعر في السوق السوداء، فقامت الوزارة باستيراد السكر نيابة عن القطاع الخاص لزيادة المعروض وسد الفجوة.

فقد استوردت الوزارة 150 ألف طن مؤخراً، بالإضافة لـ 100 ألف طن خلال الأيام المقبلة، و50 ألف طن يتم استيرادها خلال شهر يناير، وتقوم الوزارة بتكريرها وتعبئتها وتغليفها وبيعها للقطاع الخاص، أملًا في ضبط السوق، والتخفيف من مشقة جيهان في التردد على المجمعات الاستهلاكية.

المسافات التي يقطعها أحمد وجيهان للحصول على سلعهم المنشودة بأسعار عادلة، لا يمكن للسيدة مي قطعها للحصول على أدويتها من الصيدليات لدواعٍ صحية تحول بينها وبين الحركة المفرطة.

وبسبب هذا الوضع تكتفي مي بعشرات الاتصالات الهاتفية شبه اليومية لعقد صفقات مع الصيدليات للحصول على دوائها بسعر مناسب، بالرغم من خضوع الأدوية لتسعيرة جبرية من قبل الحكومة المصرية بإشراف من وزارة الصحة.

"الدوا بتاع حضرتك مستورد واحنا بنوفر الدولار بسعر السوق السوداء فطبيعي أبيع الدوا بسعر السوق السوداء يا كده يا هخسر" هكذا رد الصيدلي الذي يوفر للسيدة مي دواءها الشهري كما أوضحت.

"الأكل والشرب مقدور عليهم إنما الأدوية هنعمل فيها ايه، المحلي شاحح علشان مفيش دولار نستورد المواد الفعالة والمستورد غالي علشان الدولار رفع فاللي معاه فلوس بس هو اللي هيتعالج" تقول مي التي أصيبت بجلطة قبل عامين تركت آثارها على أعصاب يدها وقدمها اليسرى.

إلى جانب كون "الدولار" سبباً رئيسياً في خلق أسواقٍ موازية لبعض السلع الاستراتيجية نظراً لارتفاع قيمته أمام العملة المحلية وعدم وفرته، إلا أنه خلق لنفسه سوقاً سوداء باعتباره سلعة تخضع لقوانين العرض والطلب، وبحسب النشاط والحاجة للدولار، يتحدد سعر الدولار في سوقه السوداء.

فتجار الذهب يتعاملون بالدولار بسعر 49 جنيهاً، بينما يتعامل به تجّار السيارات بسعر يتراوح بين 51 لـ 53 جنيهاً، أما مستوردو الأجهزة المنزلية فيحسبون سعر الدولار من خلال حساب متوسط سعر المخزون ومتوسط سعر البضائع الجديدة، للوصول لسعر يسهّل عملية بيع الجديد والقديم بنفس السعر تفادياً لتآكل رأس المال، وهو بالفعل سعر يتجاوز السعر الرسمي بكثير.

المشاهدات من داخل السوق السوداء للدولار بغض النظر عن النشاط المستخدم فيه، تؤكد أن الفجوة بين السوقين الرسمي والموازي تتجاوز 60 %.

"الإجابة على السؤال تكمن في معرفة الأسباب"، تقول منى مصطفى، المحلل المالي، حيث تعدد أسباب تفشي السوق السوداء لسلع عديدة في مصر.

وتقول "إنها دائرة مغلقة، حيث إن شحّ العملة الأجنبية أدى إلى ارتفاع الأسعار ونقص المعروض منها، سواء بفعل احتكارات التجار، أو عدم القدرة على توفير العملة نفسها، وارتفاع الأسعار أو نقص المعروض أو كلاهما معاً، يخلق السوق السوداء تلقائياً"، بحسب مصطفى.

لذا فمواجهة السوق السوداء في مصر، يتطلب تشديد الرقابة من قبل الجهات المعنية بالأسواق والسعي لزيادة الموارد "الدولارية" وزيادة المعروض منها، وهو الأمر الذي قد يستغرق وقتاً لتحقيقه في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.