مال وأعمال
.
لم تتوقع شيماء أن يتحول فستان خطبتها الذي حلمت طويلا بارتدائه، إلى كابوس يدمر فرحتها بعد تعرضها لعملية احتيال من إحدى شركات البيع الإلكتروني.
حال شيماء، كحال عدد كبير من التونسيين الذين تعجّ صفحات فيسبوك بشكواهم لفضح ممارسات بعض مَن يستغلون التجارة الإلكترونية مدخلا للنصب والكسب السريع.. فكيف وقع هؤلاء التونسيون في فخ شركات البيع عن بُعد؟
فستان وردي أنيق يوحي بإطلالة فاخرة، بمجرد أن لمحته شيماء الطرودي، 28 سنة، أثناء تصفحها إحدى الصفحات على تطبيق فيسبوك، استقرّ رأيها على شرائه لحفل خطوبتها.
وبعد مراسلة الموقع والاستفسار عن سعر الفستان وتكاليف التوصيل، وتأكيد الشركة بأنها تستطيع فتح الطرد المرسل والتحقق من الجودة قبل التسلم والدفع. ثمن الثوب كان 225 دينارا (75 دولارا)، زائد كلفة التوصيل بـ7 دنانير.
صورة تعبيرية لسيدة تتسوق إلكترونيا. Getty Images
وبعد مواصلة شيماء إجراءات الطلبية، إلا أن أسبوعا مرّ دون الحصول على الفستان في حين أن الشركة أكدت تسليمه في غضون 48 ساعة. وبعد إلحاح منها وصل عامل التوصيل، لكنه أخبرها أنه لن يسمح بفتح الظرف لأن الشركة لا تتيح خدمة الاسترجاع أو التغيير، وأنه سيضطر لدفع ثمن البضاعة في حال عدم رضا الزبون.
وافقت شيماء على مضض لأن موعد حفلها قد اقترب ولم يعد لديها خيارات أخرى، لكنها تفاجأت بأنها دفعت نحو 80 دولار مقابل بقايا أقمشة مدسوسة بعناية داخل علبة كرتونية لتبدو بحجم فستان سهرة.
تونسيون في أحد شوارع العاصمة. Getty Images
تقول شيماء إنها حاولت الاتصال بالرقم الموجود على صفحة الشركة دون رد، فأرسلت طلبا لاسترجاع أموالها أو الحصول على فستان ينقذ سهرة خطوبتها، فقوبلت بالحظر.
تجربة مماثلة عاشتها صابرين التي اقتنت بدورها من إحدى الصفحات الإلكترونية مجفف ملابس أعجبها من خلال الصور ومقاطع الفيديو المنشورة عنه، لكنها لم تحصل سوى على نصف أجزائه، فالبقية وصلت مكسورة.
تؤكد صبرين أن الشركة رفضت تغييره، متعللة أن الشاب الذي قام بالشحن والتوصيل مسؤول عن تلف المجفف، ثم حظرتها من صفحاتها على السوشيال ميديا.
توضح ثريا التابسي، نائبة رئيس المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك، وهي مؤسسة حكومية، أن مكاتب المنظمة الموزعة على محافظات البلاد الـ 24 تستقبل يوميا شكاوى زبائن تعرضوا لتجارب تسوّق إلكتروني فاشلة، غير أنه لم يتم إحصاء هذه الشكاوى بسبب المآلات المختلفة لهذه القضايا، مشيرة إلى أنها تقدّر بالآلاف.
تضيف المسؤولة خلال حديثها مع بلينكس أن أخطر عمليات الغش التي كشفتها المنظمة، تتعلق ببيع مكملات غذائية مهرّبة لا تخضع لمواصفات السلامة الصحية، إلى جانب مستحضرات تنظيف مجهولة المصدر، وتسببت لزبائن في أضرار جسدية فادحة.
وتقول إن هذا السوق يستغل تدهور القدرة الشرائية للتونسيين وغياب ثقافة التجارة الإلكترونية، في ظل استحالة وصولهم لمواقع البيع العالمية، على خلفية منع الدفع الإلكتروني باستعمال عملات أجنبية.
وتوضح التابسي أن فرق المراقبة الاقتصادية التابعة لوزارة التجارة يمكنها التدخل في بعض الحالات لبسط القانون على شركات البيع الموازية، لكن نشاطها ظل متواضعا بالتوازي مع ازدياد أعداد هذه المتاجر على الشبكة العنكبوتية.
من جهته، يؤكد رئيس الغرفة الوطنية للتجارة الإلكترونية والبيع عن بعد، خليل الطالبي، لبلينكس أن نحو 70٪ من المعاملات في هذا المجال تتم بالسوق الموازية، فحجم المعاملات المالية للتجارة الإلكترونية في تونس يقدر بـ200 مليون دينار، نحو 70 مليون دولار، منها حوالي 20 مليون دولار فقط ضمن التجارة المنظمة، ما يعني "تسرب" نحو 50 مليون دولار إلى قطاع الاقتصاد الموازي.
ووفق دراسة لوزارة التجارة تعود للعام 2021 فإن 80٪ من المعاملات تتم نقدا من خلال الدفع عند التسليم، وبالتالي لا تخضع لرقابة السلطات الجمركية ومصالح الضرائب.
وتتقاطع هذه المعطيات مع أرقام البنك الدولي الصادرة سنة 2023، والتي تشير إلى أن خسائر الاقتصاد التونسي تقدّر بـ2 مليون دولار سنويا بسبب ضعف مواكبة المؤسسات التونسية لمعايير التجارة الإلكترونية، إذ يمارس 70٪ من هذا النشاط على مواقع التواصل الاجتماعي.
في مايو 2024، طرح 88 نائبا بمجلس نواب الشعب مشروع قانون لتنظيم ممارسة نشاط التسويق والترويج على المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، بهدف "وضع ضوابط صارمة لحماية البائع والمشتري من عمليات النصب الإلكتروني وإيقاف النزيف المستمر للعملة النقدية، وذلك من خلال إحداث وحدة للأبحاث الإلكترونية".
كما اقترح نواب البرلمان فرض عقوبة على المخالفين بتغريمهم بمبالغ تتراوح بين 1000 و5000 دينار، وحجب الصفحة الإلكترونية بصورة مؤقتة جزئيا أو كليا.
وعلى الرغم من أهمية هذا المشروع، إلا أنه ظل حبيس اجتماعات اللجان ولم يصل إلى مرحلة التداول والتصويت بالجلسة العامة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة