بين الأمل والاستثمار.. ما الذي تعنيه عودة "سويفت" للسوريين؟
بعد أيام فقط من سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر، جلس المهاجر السوري راسين قطّا في مساءٍ بارد في شقته بألمانيا يتفقد هاتفه حين تلقى اتصالاً من دمشق. على الطرف الآخر كان شريكه السابق في مصنع الأدوية يقول له بحماس: "راسين، سنبدأ العمل من جديد… يمكننا الآن البدء في إعداد المصنع!".
كانت تلك المكالمة أول إشارة فعلية على عودة الأمل بعد سنوات من التوقف والعزلة. فحتى وقت قريب، كانت الحوالة المالية إلى سوريا أشبه بمهمة مستحيلة، تتطلب وسطاء وسوقاً سوداء وعمولات تنهك المرسل والمتلقي.
لكن ذلك الأمل ازداد وضوحاً بعد إعلان الولايات المتحدة رفع بعض العقوبات الاقتصادية الشهر الماضي، تلاه تصريح رسمي حديث من حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر حصريه، الذي أكد في مقابلة مع صحيفة
فايننشال تايمز أن سوريا ستُعاد ربطها بالكامل بنظام "سويفت" المالي العالمي خلال أسابيع قليلة، في خطوة مفصلية تعيد فتح الأبواب أمام التجارة والاستثمار وتحويل الأموال بصورة قانونية وآمنة، بعد سنوات من العزلة المالية والاقتصادية.
وتأتي هذه التطورات بعد أكثر من 14 عاماً من قطع سوريا عن الأسواق العالمية، بدءاً من عام 2011، حين فرضت الولايات المتحدة سلسلة من العقوبات على عشرات الكيانات والأفراد بموجب "قانون قيصر"، وهو ما شمل حظر تعامل البنوك العامة والخاصة في سوريا، بقيادة مصرف سوريا المركزي، مع شبكة "سويفت" العالمية للمدفوعات، وفقاً ل
معهد واشنطن.
ما الذي تخطط له الحكومة الجديدة؟
في مقابلة مع فايننشال تايمز، كشف حصريه عن خارطة طريق لإعادة هيكلة النظام المالي والنقدي في البلاد، تشمل إصلاح القوانين المصرفية، وتحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر، وتطبيع سعر صرف الليرة السورية، وإعادة الثقة بين البنوك والمواطنين.
وأشار إلى أن عودة "سويفت" ستقلّص تكاليف الاستيراد وتُسهّل التصدير، كما ستُغني البلاد عن الاعتماد على شبكات التحويل غير الرسمية التي كانت تأخذ نحو 40 سنتاً من كل دولار يدخل سوريا. وأضاف: "الخطة الآن أن تمرّ كل التجارة الخارجية عبر القطاع المصرفي الرسمي" كوسيط بين الأفراد والشركات.
ما الذي سيتغير في حياة السوريين؟
في منتدى
Reddit، عبّر عدد من السوريين عن آمالهم بالقدرة على القيام بأبسط المعاملات المالية، مثل شحن الألعاب عبر الإنترنت أو تحويل الأموال لعائلاتهم.
كتب المستخدم "ANASYASR" مازحاً: "يعني خلاص صرت بقدر أحقق حلمي واشحن جواهر بكلاش أوف كلانس؟"، في إشارة إلى لعبة الفيديو Clans of Clash، في حين تساءل "Appropriate_Handle71": "وأنا بدي اعرف إذا صار فيني اشحن ببجي؟"
وردّ عليهم المستخدم "Ram_5383" قائلاً: "بس يتفعل نظام سويفت، نعم وبشكل طبيعي مثل أي دولة أخرى"، كما أضاف "xMajessticc" تعليقه قائلا: "بنوك سوريا بتصير متل بنك أي دولة وبتوصل جميع البنوك ببعضها. يعني قريباً بصير فيك تبعت مصاري إلى سوريا وإلى خارج سوريا". فيما عبّر "Basherker" عن اندهاشه من سرعة التطورات قائلاً: "كل شيء يصير أسرع مما توقعت".
تُسهّل عودة سوريا إلى "سويفت" عملية تحويل أموال المستثمرين المغتربين بأمان وسلاسة إلى داخل البلاد، مما يُشجّعهم على إطلاق مشاريع جديدة ويُقلّص بشكل كبير من كلفة الحوالات المالية التي تعتمد عليها آلاف العائلات السورية، وفقاً لما نقله موقع
عنب بلدي عن الدكتور علي كنعان، عميد كلية الاقتصاد في جامعة دمشق.
بحسب تقرير نشرته صحيفة
نيويورك تايمز، بدأ رجال أعمال سوريون مغتربون بالفعل في وضع خطط للعودة، مثل عفيف أبو دان، الذي زار سوريا مؤخراً، ويخطط لإعادة تشغيل مصنعه وتوظيف نحو 200 عامل، قائلاً: "علينا أن نفكر جدياً في العودة… نحن متفائلون جداً".
أما راسين قطّا، الذي يملك مصنعاً للأدوية في حلب، فأكد أنه بدأ بإعداد خطط لاستئناف نشاطه الصناعي بمجرد تحسّن بيئة الأعمال. وقال: "استعادة الاقتصاد ستقود إلى تحسّن الوضع الأمني، فغياب الوظائف هو سبب رئيس في انعدام الاستقرار".
تحديات ما بعد الربط.. ما الذي ينتظر سوريا؟
رغم هذا الإنجاز، أقرّ حاكم المصرف بأنّ "السياسات الحالية لا تزال بحاجة إلى تحول شامل". وأضاف: "حتى الآن، ما زلنا في مرحلة إصدار التراخيص ورفع العقوبات الانتقائي. نحتاج إلى تنفيذ شامل ومنظّم".
يقف الاقتصاد السوري على عتبة مرحلة جديدة، مدعومة بمحادثات جارية مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إضافة إلى اتفاقيات مبدئية مع شركات خليجية لتنفيذ مشاريع بنية تحتية وطاقة، ودعم مالي لتسديد ديون متأخرة ودفع رواتب القطاع العام.