مال وأعمال

هل يحميك الفيدرالي الأميركي من التضخم أم يُغرقك في الديون؟

نشر
Camil Bou Rouphael
رغم تباطؤ التضخم في الولايات المتحدة خلال الأشهر الأخيرة، لا يزال الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بقيادة جيروم باول يرفض خفض أسعار الفائدة، متمسكًا بسياسة "الانتظار والترقّب"، وسط حالة من الجدل الاقتصادي والسياسي المتصاعدة.
على طاولة البنك المركزي، لم تعد الأرقام وحدها من يحكم، بل أيضًا المخاوف غير الملموسة لما يُعرف بـ"توقعات التضخم"، وتأثير الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.
وبينما يبدو الفيدرالي قلقًا من موجة تضخم جديدة لم تحدث بعد، يتحمّل ملايين الأميركيين اليوم كلفة هذه السياسة الصارمة: قروض باهظة، مدخرات مجمّدة، أسواق مضطربة، ووظائف مهددة.
وتزداد الضغوط على جيروم باول من أعلى المستويات، من البيت الأبيض نفسه، في وقت لا تزال عيون الأسواق والمستثمرين تترقب خطوة خفض الفائدة التي طال انتظارها.
فماذا يعني هذا التريّث للمستهلك على صعيد راتبه، وبطاقته الائتمانية، وفي خططه المهنية، وحتى في فرص استقراره المالي؟

اعرف أكثر

التضخم تراجع.. فلماذا لا يتراجع الفيدرالي؟

رغم تراجع التضخم في الولايات المتحدة خلال الأشهر الـ3 الأخيرة، يستعدّ مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي الأميركي للإبقاء على أسعار الفائدة من دون تغيير في اجتماعهم هذا الأسبوع، متمسكين بسياسة "الترقّب" نتيجة ما يعتبرونه تهديداً قادماً من توقعات التضخم، لا من الواقع الراهن، وفق ما أفادت وول ستريت جورنال.
وترى الصحيفة أن الفيدرالي يوازن بين خطرين:
  • أن ترتفع توقعات التضخم بشكل يزعزع استقرار الأسعار
  • أو أن يتباطأ سوق العمل
هذه التوقعات، رغم صعوبة قياسها، تلعب دورًا حاسمًا، لأن اعتقاد المستهلكين والشركات بارتفاع الأسعار يجعلهم يتصرفون بناءً عليه، فيرفعون أسعارهم أو يطالبون بأجور أعلى.
ويشرح اقتصادي بنك UBS، ألان دتميستر، أنه "إذا توقّع الجميع أن التضخم سيرتفع، فسيرتفع فعلاً. وهذا ما يخشاه الفيدرالي".
الفيدرالي يدرس تأثير الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب منذ مارس، والتي يرى أنها قد ترفع التكاليف وتغذّي تلك التوقعات.
ووفق وول ستريت جورنال، فإن مسؤوليه يقيّمون توازنًا صعبًا بين الاستجابة لانخفاض التضخم، وبين الخوف من فقدان السيطرة على الصورة المستقبلية.
ويشير استطلاع جامعة ميشيغان إلى ارتفاع غير معتاد في توقعات التضخم، فيما أظهر استطلاع الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك ارتفاعًا طفيفًا.
أما الأسواق، فتتوقع تضخمًا أعلى قليلًا على المدى القصير، لكن ليس بعد ذلك، حسب وول ستريت جورنال.
وبينما تختلف الآراء داخل الفيدرالي، يظل القرار معلّقًا بحالة من الحذر: فخفض الفائدة اليوم قد يمنح الأميركيين متنفسًا، لكنه قد يعيد إشعال التضخم ويضطر البنك لاحقًا إلى قرارات أشد إيلامًا.

ترامب يضغط.. والفيدرالي يتشبث بالاستقلالية

في مقابل هذا التريث، تتصاعد ضغوط سياسية غير مسبوقة على جيروم باول من الرئيس دونالد ترامب، الذي لا يتوانى عن انتقاد الفيدرالي علنًا، ويطالب بتخفيض الفائدة بشكل عاجل، حسب رويترز.
بل إنّ ترامب ذهب مؤخرًا إلى حدّ القول في فعالية أقيمت بالبيت الأبيض: "أود أن أجعل هذا الرجل (باول) يخفض الفائدة، لأننا إن لم نفعل، فسندفع الثمن"، مشيرًا إلى أنّ الخفض قد يوفر مئات المليارات من الدولارات من كلفة خدمة الدين، كما أفادت بلومبرغ.
ويخشى الفيدرالي أن يُفهم أي خفض للفائدة في هذا التوقيت على أنّه خضوع للبيت الأبيض، وهو ما قد يزعزع ثقة الأسواق والشركات بقدرته على ضبط التضخم.
فقد سبق أن استدعى ترامب باول إلى اجتماع خاص، وطالبه بخفض الفائدة، ما دفع الفيدرالي إلى إصدار بيان عاجل يؤكد فيه استقلاليته، بحسب رويترز.
وتُظهر بيانات بلومبرغ أن أحد دوافع ترامب هو كلفة الدين المتزايدة: فقد دفعت الحكومة نحو 776 مليار دولار كفوائد على الدين العام خلال ثمانية أشهر فقط، وهو رقم تجاوز الإنفاق الدفاعي الأميركي. ويرى ترامب أن خفض الفائدة بمقدار نقطتين قد يوفّر ما يصل إلى 600 مليار دولار سنويًا.
لكن، حذّر اقتصاديون، مثل مايكل فيرولي من "جي بي مورغان"، من أن خفض الفائدة في ظروف غير مناسبة سيزيد التضخم، وقد يؤدّي إلى ارتفاع أكبر لاحقًا في أسعار الفائدة، ما يعكس المشكلة بدل أن يحلّها.
ولإثبات استقلاليته، قد يضطر الفيدرالي، وفق بعض المراقبين، إلى "الجلوس مكتوف اليدين" لفترة أطول مما كان سيُفعل في الظروف العادية، بحسب مقال الكاتب، مايك دولان، في رويترز.

الفائدة لا تنخفض.. لكن، ماذا عن قدرتك المالية؟

في وقت ينتظر كثير من الأميركيين أي إشارة لتراجع أسعار الفائدة، تواصل السياسة النقدية الحذرة التي يتبعها الفيدرالي الأميركي الضغط على الحياة المالية اليومية، من القروض إلى المدخرات وحتى فرص العمل، وفق ما يشرح موقع Bankrate.
ارتفاع الفائدة يؤثر بشكل مباشر على تكلفة القروض الشخصية، وقروض السيارات، وبطاقات الائتمان، خاصةً إذا كانت ذات معدّل فائدة متغير.
وفي حين يظنّ البعض أن معدلات الرهن العقاري مرتبطة بسعر الفائدة الأساسي للفيدرالي، إلّا أنها في الواقع تتأثر بعوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات، ما يربطها بتوقعات التضخم والنمو الاقتصادي.
وبحسب Bankrate، فإن أسعار الفائدة المرتفعة أدت إلى تراجع فرص الحصول على تمويل جديد، إذ تمّ رفض 48% من طلبات القروض أو المنتجات المالية في العام الممتد حتى ديسمبر 2024.
كما ساهم هذا التشدد في تراجع النشاط في سوق الأسهم، حيث يُعيد المستثمرون التوازن إلى محافظهم بعيدًا عن الأصول ذات المخاطر العالية، خاصة عندما تتضاءل توقعات خفض الفائدة.
وحتى مع تسجيل ارتفاعات في عوائد حسابات التوفير، إلا أنّ الفوائد الحقيقية للمستهلك باتت أقلّ مما تبدو، بسبب تباطؤ في رفع العوائد لدى البنوك التقليدية، وضعف القوة الشرائية الناجم عن ارتفاع الأسعار، وفق Bankrate.
أمّا سوق العمل، فليس بمنأى عن هذا الضغط. إذ أشار التقرير إلى أنّ معدلات البطالة ارتفعت من 3.4% في أبريل 2023 إلى 4.2% في مايو 2024، في حين انخفض عدد الوظائف المتاحة من 12 مليونًا إلى 7.4 ملايين.
وأبلغ 21% من العاملين عن تدهور أوضاعهم المهنية منذ بدء سياسة الفائدة المرتفعة، بينما سجّلت تسريحات الحكومة أعلى مستوياتها منذ 2009، باستثناء عام الجائحة.
أما TradingView، فيشير إلى أن سياسة "الانتظار والترقّب" التي يعتمدها الفيدرالي أحبطت آمال المستهلكين والمستثمرين، بعدما شهدوا 3 تخفيضات طفيفة في نهاية 2024.
واليوم، لم يعد خفض الفائدة متوقعًا قبل سبتمبر، وربما بعده، ما يعني أن القروض ستظل مرتفعة، والأسواق مضطربة، فيما تتراجع فرص التوظيف تدريجيًا.

الخبراء يحذّرون: الانتظار قد يكلفنا الركود

في مواجهة هذا التريث، تبرز أصوات اقتصادية تحذر من أن التأخير في خفض أسعار الفائدة قد يكون مكلفًا، ليس على مستوى الأسواق فحسب، بل على مستوى الاستقرار الاقتصادي ككل، حسب بيزنيس إنسايدر.
نيل دوتا، رئيس قسم الاقتصاد في "رينيسانس ماكرو ريسيرش"، يرى أن الخطر الحقيقي يكمن في سوق العمل، لا في التضخم. فمعدلات البطالة تتزايد، والتوظيف يتباطأ، والأجور لا ترتفع.
ويعتبر أن "الفيدرالي يبرمج نفسه ليكون متأخرا عن الحدث"، في إشارة إلى احتمال تكرار ما حدث في سبتمبر الماضي، عندما اعتبر البعض أن خفض الفائدة آنذاك كان "تعويضًا متأخرًا".
بدورها، تؤكد سيمونا موكوتا من "State Street Global Advisors" أن الوضع الحالي يشبه مرحلة تردد الفيدرالي العام الماضي، والتي انتهت بخفض كبير في سبتمبر 2024.
وترى أن تجنّب الركود يتطلب إنفاقًا قويًا من المستهلكين، وهو مرتبط بسوق عمل قوي، وهذا ما يتعرض للتهديد في ظلّ الفائدة المرتفعة.
وتضيف أن "القبول بتضخم فوق الهدف أفضل من الدخول في ركود اقتصادي"، في وقت لم يعد الاقتصاد بحاجة إلى تشدد إضافي.
الخبيران إميلي رولاند ومات ميسكن من "مانولايف جون هانكوك"، يشيران إلى أن الضبابية المرتبطة بالحرب التجارية تزيد من تعقيد المشهد، لكن البيانات لا تبرر بعد هذا القدر من الحذر. ويخشيان من أن يؤدي تجاهل هذه المؤشرات إلى اتخاذ الفيدرالي قرارات متأخرة، كما حدث في مرات سابقة.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة