بغداد بين نار الصيف والغاز الإيراني.. ما خيارات الطاقة المتاحة؟
في ظل أزمة كهرباء خانقة تضرب العراق، وسط درجات حرارة تتجاوز الخمسين في بعض المناطق، ومعاناة إيرانية داخلية من نقص المياه وانقطاعات الكهرباء، تعود أزمة الغاز بين طهران وبغداد إلى الواجهة.
وبينما تؤكد إيران قرب التوصل إلى تسوية مع العراق بشأن الإمدادات والمتأخرات، تبرز تساؤلات ملحة حول مدى قدرة طهران على الوفاء بالتزاماتها، خاصة في ظل ضغوط داخلية خانقة.
في المقابل، تحاول بغداد تفادي انهيار شبكة الكهرباء في الصيف عبر استكشاف بدائل من بينها الغاز المسال المستورد ومشاريع الربط الإقليمي، في وقت تراقب واشنطن المشهد عن كثب، وتستخدم الإعفاءات من العقوبات كورقة ضغط مرنة لإعادة تشكيل خريطة الطاقة في العراق بعيدًا عن إيران.
ما خلفية النزاع الإيراني-العراقي حول الغاز؟ وما فرص التسوية؟
قال وزير النفط الإيراني، محسن باكنجاد، إن بلاده تقترب من حلّ الخلافات المتعلقة بتصدير الغاز إلى العراق، وتشمل تلك الخلافات انقطاعات الإمدادات والمتأخرات غير المدفوعة من بغداد، وفق ما نقلته وكالة "إيريب" الرسمية بعد لقائه وزير الكهرباء العراقي زياد فاضل في طهران، في الثاني من أغسطس، وفق بلومبرغ.
من جهته، أكد تافاكولي، رئيس شركة الغاز الوطنية الإيرانية، أن إيران بدأت بحرق المازوت لتلبية الطلب المحلي، ما قد يتيح تصدير كميات أكبر من الغاز.
ورغم امتلاك إيران ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم، إلا أن تلبية احتياجاتها الداخلية مع الحفاظ على الصادرات باتت مهمة معقدة، خاصة في ظل بند ضمن الاتفاق السابق يتيح تقلبات موسمية للصادرات، وفق ما ذكرته وكالة "شانا" الإيرانية.
وأفادت وكالة مهر أن اللقاء بين الوزيرين تناول حجم الغاز المصدر عبر معبري شلمجة ونفط شاهَر، وأن الطرفين توصلا إلى توافق، لا سيما بشأن المدفوعات المستحقة من العراق، وسط أجواء وُصفت بالإيجابية.
ما دوافع الولايات المتحدة في وقف إعفاء الكهرباء ومواصلة استثناء الغاز؟
قال مستشار رئيس الوزراء العراقي فرهاد علاء الدين إن واشنطن أبقت على إعفاء الغاز الإيراني لكنها ألغت استثناء الكهرباء، رغم أن نحو 43% من الكهرباء في العراق يُولد باستخدام الغاز الإيراني، وفق تقرير رويترز في ١٢ مارس.
ووفق ما نقلته وكالة رويترز، فإن إدارة ترامب ألغت إعفاء الكهرباء ضمن حملة "الضغط الأقصى" على طهران، بينما أبقت على الغاز بسبب حجمه الكبير وأثره المباشر على استقرار العراق.
تحليل المجلس الأطلسي في أبريل الماضي أوضح أن الغاز يُمثل أكثر من 40% من إجمالي الإمدادات، بينما لا تتجاوز الكهرباء المستوردة من إيران 2% فقط، مما يفسر الإبقاء على الإعفاء الغازي كأداة ضغط مرن لتشجيع بغداد على تنويع مصادرها من دون التسبب بأزمة طارئة.
وأكد الخبير الأميركي، أنتوني بفّاف، أن هذه الخطوة تعكس استراتيجية تراعي الاستقرار عبر تقليص الاعتماد على إيران تدريجيًا، بما يسمح للعراق بالبحث عن شركاء جدد من دون التعرّض لهزات فورية، حسب أتلانتيك كاونسيل.
كيف تؤثر الأزمات الداخلية في إيران على صادراتها من الطاقة؟
تواجه إيران أزمة خانقة في المياه والكهرباء. ووفقا لوكالة أسوشيتد برس، أُغلقت المراحيض العامة في طهران بسبب شحّ المياه، في وقت تسجل فيه درجات الحرارة ما بين 40 و50 درجة مئوية، مع انقطاع الكهرباء لفترات طويلة تجعل المكيفات غير صالحة للاستخدام.
كما حذّر الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، من أن البلاد قد تواجه نقصًا حادًا في المياه بحلول سبتمبر، في ظل تراجع هطول الأمطار بنسبة 40% على مدى ٤ أشهر، وسوء إدارة الموارد المائية، وفق ما نقلته وكالة تسنيم ووسائل إعلام حكومية أخرى.
وأضاف أن 70% من سكان طهران يستهلكون أكثر من الحد القياسي اليومي، في ظل اعتماد الزراعة على نحو 80% من المياه، ما يجعل الأزمة بنيوية وعميقة، وفق رويترز.
ما البدائل التي تبحث عنها بغداد لتأمين الكهرباء هذا الصيف؟
تتلقى بغداد حاليًا ما يصل إلى 50 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا من إيران، وتدفع ما بين 4 إلى 5 مليارات دولار سنويًا مقابل ذلك، حسب مسؤولين عراقيين.
وفي حال توقف الإمدادات، قد ينخفض إنتاج الكهرباء في العراق، البالغ حاليًا 27,000 ميغاواط، بنسبة الثلث، بحسب ما صرّح به وزير الكهرباء العراقي، وورد بتقرير رويترز في ١٢ مارس.
ولتفادي ذلك، كشف رئيس شركة غاز الجنوب حمزة عبد الباقي أن الحكومة تعتزم استئجار محطة غاز طبيعي مسال عائمة، وطلبت من وزارة النفط إيجاد بدائل.
كما أشار تحليل المجلس الأطلسي إلى أن العراق يسعى لتوسيع مشاريع الغاز المحلية، وصفقات مع تركمانستان، والربط الكهربائي مع دول الجوار، ووجود جماعات مدعومة من إيران تهدد هذه الخطط من خلال تهريب النفط، حسب أتلانتيك كاونسيل.
رغم طموح بغداد المعلن، إلا أن اعتمادها الكبير على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات، وتراجع الأسعار، زاد من الإنفاق على الرواتب والمعاشات على حساب الاستثمارات البنيوية، ما يعقّد جهودها في التنويع، ويثني بعض المستثمرين عن الدخول في مشاريع طويلة الأجل، حسب أتلانتيك كاونسيل.