تكدّس أموال وجدار سيولة يحاصران الأسواق.. ماذا يحصل؟
تتكدّس في الولايات المتحدة سيولة غير مسبوقة داخل صناديق أسواق المال، فيما يراهن جزء كبير من وول ستريت على مسار خفض أسرع للفائدة مما تظهره توقعات الاحتياطي الفدرالي.
في الخلفية، أقدم البنك المركزي على خفض ربع نقطة مئوية إلى نطاق 4%–4.25%، بينما يتباطأ التضخم الأساسي عند مستوى سنوي ما زال مرتفعاً نسبياً يبلغ 2.9% وتتبدّى برودة في سوق العمل.
المفارقة أن العائد المغري على النقد يُبقي كثيرين على الهامش، في وقت تحسّن فيه رهانات الخفض شروط الاقتراض وتغري بالعودة إلى المخاطرة.
سيولة قياسية.. وعائد يُغري بالانتظار
بلغت أصول صناديق أسواق المال مستوى قياسياً عند نحو 7.7 تريليونات دولار، مع تدفّق فاق 60 مليار دولار خلال الأيام الـ٤ الأولى من الشهر، بحسب وول ستريت جورنال.
بدأ هذا الزخم منذ 2022 مع دورة رفع الفائدة، إذ منحت هذه الصناديق، المستثمِرة في ديون حكومية قصيرة الأجل، عوائد أعلى بكثير مما اعتاده المستثمرون في العقد الماضي.
حتى بعد بدء الخفض، ظلّ العائد السنوي الصافي لـ٧ أيّام قريباً من 4.1%، مقابل 0.6% فقط في حسابات التوفير، وفق الصحيفة نفسها.
لهذه الأسباب يحتفظ كثيرون بجزء معتبر من محافظهم في هذه الأدوات انتظاراً لهبوط أسعار الأسهم، بعضهم تصل مخصصاته النقدية إلى 40%، فيما يرى آخرون أنها وسادة أمان أكثر منها رهاناً بديلاً على العائد.
وفي المقابل، خفّض فريق استراتيجي لدى بنك فرنسي توصيته بالنقد إلى 5% بدلاً من 10% لصالح زيادة الانكشاف على الأسهم، كما أوردت وول ستريت جورنال.
ويتوقع رئيس شركة أبحاث متخصصة في هذه السوق أن تتجاوز الأصول سقف 8 تريليونات دولار بحلول 2026 مع قوة موسمية معتادة في نوفمبر وديسمبر، وفقاً للمصدر نفسه.
رهانات السوق.. الفائدة دون 3% العام المقبل
تسعير العقود الآجلة يشير إلى أنّ سعر فائدة الفدرالي القياسي قصير الأجل قد يهبط إلى ما دون 3% بنهاية العام المقبل، نزولاً من مستوى أعلى بقليل من 4% حالياً، بحسب وول ستريت جورنال.
هذا التصور أدنى من التوقع الوسيط لمسؤولي الفدرالي حول 3.4%، أيّ ما يعادل تخفيضين ربع نقطة أقل مما يسعّره المستثمرون.
وتجربة العام الماضي لا تغيب عن المشهد: العائد على السندات لأجل ١٠ سنوات قفز إلى 4.8% في يناير بعدما كان 3.6% في سبتمبر، رغم أن الفائدة المعيارية خُفّضت تراكميّاً بنقطة مئوية، قبل أن يستقر أخيراً عند نحو 4.14% ارتفاعاً من 4.01% في بداية الشهر، وفق وول ستريت جورنال.
لهذا يحذّر مديرو محافظ دخل ثابت من حماس زائد قد يرتد على تكاليف الاقتراض إذا مضى الفدرالي بوتيرة أبطأ من توقعات السوق، كما نقلت الصحيفة، بينما يرى مدير محافظ بارز في مؤسسة استثمارية كبرى أنّ أي انعكاس صعودي في عوائد الفائدة محتمل لكن حجمه سيكون أقلّ بكثير من العام الماضي.
وفي الخلفية السياسية، حضر حاكم جديد أول اجتماعاته بعد تعيينه المؤقت، إلى جانب مساعٍ لإجراء تغييرات في تركيبة مجلس المحافظين.
ورغم ذلك، لا توحي مقاييس السوق بأنّ قرارات الخفض مدفوعة بدوافع سياسية، كما أفادت وول ستريت جورنال.
قرار الفدرالي.. خفض بـ25 نقطة أساس ورسائل مختلطة
أعلن الاحتياطي الفدرالي خفضاً بربع نقطة مئوية إلى نطاق 4%- 4.25%، ووصف جيروم باول الخطوة بأنها "إدارة للمخاطر"، وفق سي إن بي سي.
وأظهر "مخطط النقاط" لدى اللجنة توقع خفضين إضافيين هذا العام، ثم خفضاً في 2026 وآخر في 2027 للهبوط نحو 3%، من دون خفض في 2028.
الأسواق تذبذبت على وقع هذه الإشارات: داو جونز أغلق على ارتفاع يقارب 260 نقطة، فيما خسر مؤشرا ستاندرد آند بورز وناسداك، بينما تراجعت العوائد القصيرة وارتفعت الطويلة، خليط قد يعقّد مهمة تفادي الركود التضخمي، بحسب سي إن بي سي.
داخل اللجنة، كان الحاكم الجديد المعارض الوحيد مُفضِّلاً خفضاً بنصف نقطة، فيما حسم مؤيدو خفضين هذا العام نتيجة التصويت بفارق ضئيل ١٠ أصوات مقابل ٩، وفق القناة ذاتها.
وفي قراءات من مديري أصول وخبراء اقتصاد نقلتهم سي إن بي سي، يلوح أنّ التحدي الأكبر للفدرالي في السنوات المقبلة قد ينتقل تدريجاً من استقرار الأسعار إلى الحفاظ على التوظيف الكامل، مع الدعوة للتعامل بحذر مع "النقاط" في ضوء تغييرات مرتقبة في تركيبة المجلس.
التضخم يتباطأ.. والإنفاق يهدأ
على صعيد الأسعار، تتوقع بلومبرغ أن يُظهر تقرير، الجمعة، تباطؤ مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي إلى 0.2% شهرياً في أغسطس بعد 0.3% في يوليو، مع ثبات سنوي عند 2.9%، وهو مستوى ما يزال مرتفعاً نسبياً.
هذا التطور يمنح صانعي السياسة فسحة محدودة لمعالجة إشارات التباطؤ في سوق العمل، بحسب بلومبرغ.
في المقابل، يبدو إنفاق المستهلك الحقيقي أكثر هدوءاً، فيما ستخضع بيانات الدخل الشخصي للتدقيق لقياس قدرة الاستهلاك على الاستمرار.
ويستعدّ عدد من مسؤولي الفدرالي، بينهم باول، لإلقاء كلمات خلال الأسبوع المقبل لتوضيح المسار، وفق بلومبرغ.
المشهد حاليا يتراوح بين عائد نقدي جذّاب يُشجّع على الترقب، ورهانات سوقية تسبق الفدرالي بخطوة أو اثنتين في تسعير الخفض.
إذا جاءت وتيرة التخفيضات أقرب إلى توقعات المستثمرين، قد تنتقل كتلة من هذه السيولة نحو المخاطرة تدريجياً.
أمّا إذا ظلّ الفدرالي حذراً مع تضخم لا يزال أعلى من الهدف وسوق عمل يبرد، فقد يبقى "جدار السيولة" مُشيداً لفترة أطول.