ترامب يستغل الفوضى؟.. إغلاق حكومي يربك الأسواق ويهدد الموظفين
دخلت واشنطن فجر الأربعاء في إغلاق حكومي شامل هو الأول منذ ٧ سنوات، ليفتح الباب أمام شلل مؤسسات فدرالية أساسية ويفرض إجازات قسرية على مئات آلاف الموظفين.
الصراع الحزبي بين الجمهوريين والديمقراطيين حول تمويل الحكومة والرعاية الصحية تحوّل إلى معركة مفتوحة على أبواب الكونغرس، بينما يسعى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لاستغلال الأزمة في إعادة رسم صلاحيات الرئاسة، ملوّحًا بتسريحات جماعية قد تغيّر ملامح الجهاز الإداري الفدرالي.
في الخلفية، يتصاعد القلق من خسائر اقتصادية متراكمة وارتباك في سوق العمل والبيانات الرسمية، بالتوازي مع فجوات خطيرة في برامج الاستعداد للكوارث والتأمين ضدّ الفيضانات.
ترامب يلوّح بالتسريحات ويعيد رسم صلاحيات الرئاسة
أغلقت الحكومة الفدرالية عند الساعة 12:01 من صباح الأربعاء بعد فشل الديمقراطيين والجمهوريين في تمرير تمويل مؤقت.
وحذّر ترامب من أنّه سيستخدم الإغلاق لتقليص حجم الجهاز الإداري وقطع موارد "لا رجعة عنها"، فيما أصدر مدير الميزانية في البيت الأبيض، راسل فوت، تعليمات بدراسة تسريح جماعي للموظفين بدل الاكتفاء بإجازات غير مدفوعة.
التعليمات شملت إعادة كتابة اللوائح المرتبطة بالمنح الفدرالية والطعن في سلطة الكونغرس الدستورية على الإنفاق.
واستندت الوكالات إلى "موازنة ترامب" غير الملزمة قانونيًا بدل قوانين الإنفاق النافذة، ما أثار غضب الديمقراطيين وبعض الجمهوريين، بينما أكّدت هيئة المحاسبة الحكومية أنّ هذه الممارسات غير قانونية.
البيت الأبيض أبقى مصلحة الضرائب مفتوحة بتمويل سابق، وأبقى الانتشار العسكري والتشديد على الهجرة والترحيل قائمين، في حين أُغلقت وزارات ومؤسسات كبرى مثل وزارة العمل ومعاهد الصحة الوطنية والـCDC والـEPA، وأُقفلت متاحف "سميثسونيان" وحديقة الحيوان الوطنية، حسب واشنطن بوست.
المعركة في الكونغرس.. رعاية صحية مقابل تمويل مؤقت
فشل مجلس الشيوخ في تمرير خطة تمويل قصيرة الأمد كان الجمهوريون قد اقترحوها لـ٧ أسابيع، معتبرين أنّها تمنح وقتًا إضافيًا للتفاوض، فيما رفضها الديمقراطيون مصرّين على إدراج تمويل دائم لدعم التأمين الصحي ضمن "أوباماكير".
ترامب اتهم خصومه بأنّهم "يريدون إغلاق الحكومة"، بينما تبادل الحزبان الاتهامات عبر بيانات وتصريحات متلفزة.
الديمقراطيون رأوا أنّ تمرير تمويل مؤقت بلا ضمانات يعني ترك ترامب يستخدم سياسة حجب الأموال متى شاء، وهو ما اعتبروه إلغاءً لدورهم التشريعي.
في المقابل، شدّد الجمهوريون على أنّ رفض المعارضة للتمديد هو السبب المباشر للفوضى، حسب وول ستريت جورنال وفايننشال تايمز.
موظفون بلا رواتب.. والإجازات القسرية تطال مئات الآلاف
توقّع مكتب الموازنة في الكونغرس أن يتأثر أكثر من 750 ألف موظف فدرالي بالإجازات القسرية، فيما يستمرّ العسكريون وضباط الأمن بالعمل بلا رواتب حتى انتهاء الإغلاق.
إدارة ترامب لمّحت إلى تسريحات دائمة بدل الإجازات المؤقتة، ما أثار موجة طعون قضائية من نقابات العمال.
خلال الإغلاق الأخير في 2018-2019، جرى تسريح 340 ألف موظف، لكنّ الوضع الحالي يبدو أشدّ قسوة، مع احتمال تجاوز الرقم 800 ألف موظف.
تقارير أشارت إلى أنّ أكثر من 200 ألف موظف غادروا بالفعل الخدمة هذا العام بعد عروض إنهاء خدمة وتسريحات، فيما اضطر موظفون كثر لتقليص مساهماتهم في التقاعد لتوفير سيولة استعدادًا للأزمة، وفق وول ستريت جورنال ونيويورك تايمز.
الاقتصاد تحت الضغط.. تقارير متوقفة وخسائر متراكمة
أدّى الإغلاق إلى توقف مكتب إحصاءات العمل عن جمع أو نشر بيانات اقتصادية، ما عطّل تقرير الوظائف الشهري المقرر صدوره الجمعة، إضافة إلى احتمال تأجيل تقرير التضخم منتصف أكتوبر.
غياب هذه البيانات يترك صنّاع السياسة النقدية في الاحتياطي الفدرالي بلا أدوات دقيقة، رغم وجود بدائل من القطاع الخاص. الشركات الخاصة بدأت تشعر بالضغط، إذ إنّ شركات متعاقدة مع الحكومة مثل "لوكهيد مارتن" كانت قد سرّحت آلاف الموظفين خلال إغلاق سابق عام 2013.
شركات صغيرة تعتمد على تصاريح أو قروض حكومية تواجه الآن ركودًا مؤقتًا.
جمعية السفر الأميركية حذّرت من خسائر تصل إلى مليار دولار أسبوعيًا في قطاع السياحة، فيما أظهر إغلاق 2013 أن النمو الاقتصادي تراجع بنسبة 0.6% سنويًا، وفق وول ستريت جورنال.
الفيضانات والكوارث بلا غطاء.. فجوة تمويل تهدد ملايين الأميركيين
الإغلاق تزامن مع توقف برنامج التأمين الوطني ضدّ الفيضانات (NFIP)، الذي يوفّر تغطية بأكثر من تريليون دولار لنحو 4.5 ملايين صاحب منزل ومستأجر وشركة.
التوقف يمنع تجديد الوثائق القائمة أو إصدار جديدة، ما يهدد بتجميد آلاف الصفقات العقارية ويترك أصحاب المنازل عرضة للخطر مع تزايد الفيضانات المرتبطة بالتغير المناخي.
صندوق الإغاثة من الكوارث التابع لـFEMA انخفض رصيده إلى 2.3 مليار دولار فقط، ما يعني الاكتفاء بتمويل الأنشطة "المنقذة للحياة".
بينما يبقى نحو 84% من موظفي الوكالة مستثنين من الإجازات، فإنّ فجوة التمويل تهدد الاستجابة للكوارث المقبلة. مقترحات تشريعية لإصلاح البرنامج لا تزال معلقة، فيما يتجاوز دينه 20 مليار دولار، وفق نيويورك تايمز.
المواجهة السياسية.. لا أحد يريد الاستسلام
الديمقراطيون هذه المرّة لا يبدون مستعدين لتكرار تراجعهم السريع كما حصل عام 2018، إذ انزاح الحزب نحو اليسار ويعتبر أن التمسك بملف الرعاية الصحية يمنحه ورقة ضغط أساسية.
الجمهوريون من جهتهم ازدادوا محافظة مع قيادة ترامب، ويرون أن لا مبرر لأي صفقة.
السيناتور تشاك شومر قال إن أي اتفاق بلا ضمانات جدية سيُلغى عبر اقتطاعات أو حجب تمويل، ما يجرد الديمقراطيين من دورهم.
في المقابل، يرى الجمهوريون فرصة لتحميل المعارضة تهمة الإغلاق.
لكنّ التجارب السابقة تشير إلى أنّ الرأي العام لا يرى رابحين في مثل هذه المواجهات. السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، لخّص الموقف بالقول: "هذا لا يخدم أحدًا"، حسب نيويورك تايمز.