حسابات تتضخم والفقر يزداد.. "أزمة ثراء" تهدد أميركا
كشف تقرير جديد صادر عن منظمة "أوكسفام" أن أغنى 10 مليارديرات أميركيين في العالم أضافوا 698 مليار دولار إلى صافي ثرواتهم في العام الماضي.
يأتي التقرير فيما دخل فيه الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة يومه الـ36 ليصبح الأطول في تاريخ البلاد، مع تخطيه مدة شلل العام 2019 خلال ولاية دونالد ترامب الرئاسية الأولى.
ولا يتمكن الجمهوريون والديموقراطيون في الكونغرس منذ انتهاء الميزانية السابقة للدولة الفدرالية في الأول من أكتوبر، من التوصل إلى اتفاق يسمح بتخطي هذا الشلل الذي أدى إلى تجميد إعانات اجتماعية (SNAP) وأحال مئات آلاف الموظفين الحكوميين على البطالة التقنية، وارتفاع تكاليف السكن، والتسريحات الجماعية من العمل، وبلبلة وصلت حتى حركة الملاحة الجوية.
وبحسب تقرير لمجلة "فورتشن" فربما ستشهد أميركا في السنوات القادمة ظهور أول تريليونير في العالم: إيلون ماسك.
بموازاة ذلك، نبّهت مجموعة من الاقتصاديين والأكاديميين، إلى أن التفاوت في الثروة يُشكّل أزمة عالمية تُهدد الديمقراطية والتماسك الاجتماعي، داعين قادة مجموعة العشرين في اجتماعها المقبل، إلى إيلاء هذه المسألة الأهمية نفسها التي يتعاملون بها مع حال الطوارئ المناخية.
ولاحظ تقرير أُعِدّ بإشراف حامل جائزة نوبل في الاقتصاد جوزيف ستيغليتز أن "أزمة انعدام المساواة" هذه تُفاقم أزمة الجوع التي تفتك بمليارات البشر، وقد تشتد أكثر في ظل سياسات إدارة الرئيس ترامب، وخصوصا التجارية منها.
وأكّد التقرير وجود رابط بين التفاوت الاقتصادي و"تآكل الديمقراطية وصعود الاستبداد".
وفق "فورتشن" تتألف نخبة الأثرياء بشكل شبه كامل من قادة التكنولوجيا الذين يستفيدون من الازدهار الكبير في قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، بمن فيهم:
- المؤسس المشارك لشركة أوراكل لاري إليسون
- مؤسس أمازون جيف بيزوس
- المؤسسان المشاركان لشركة غوغل لاري بيج وسيرجي برين،
- الرئيس التنفيذي لشركة ميتا مارك زوكربيرغ
- الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا جنسن هوانغ
- الرئيس التنفيذي السابق لشركة مايكروسوفت ستيف بالمر
- مؤسس شركة ديل مايكل ديل.
في المتوسط، كسب كل شخص في قائمة أغنى 10 أشخاص في أميركا 69.8 مليار دولار خلال العام الماضي، أي ما يعادل 833.631 ضعف ما يكسبه متوسط الأسرة الأميركية.
وبينما يدافع ماسك عن حزمة رواتبه الخيالية التي تبلغ تريليون دولار، لم يتجاوز متوسط دخل الأسرة الأميركية 83.730 دولارًا في العام الماضي، وفقًا لبيانات مكتب الإحصاء الأميركي.

يافطة تطالب بإعانات غذائية في واشنطن. AP
في المقابل، تقول أوكسفام إن 40% من الأسر الأميركية "فقيرة".
وبينما يزداد الأثرياء ثراءً، يكافح الأميركيون لتغطية نفقاتهم برواتبهم الضئيلة.
ويعتبر أكثر من 40% من سكان الولايات المتحدة، بمن فيهم ما يقرب من 50% من الأطفال، فقراء أو من ذوي الدخل المنخفض، وفقًا للتقرير.
والأسوأ من ذلك، فإن التقرير يحذر من أن فجوة الثروة في أميركا من المتوقع أن تتسع أكثر، وذلك بفضل مشروع قانون إدارة ترامب الضخم، وندرة فرص العمل، والركود الاقتصادي الوشيك.
وبالنظر إلى الاتجاهات خلال العقود القليلة الماضية، يصبح التفاوت المتزايد في الثروة أكثر وضوحًا، وفق تقرير "فورتشن". فبين 1989 و2022، كسبت الأسرة الأميركية الغنية في الشريحة المئوية 99 (أو أعلى 1%) ثروة أكبر بـ101 مرة من متوسط دخل الأسرة.
في الواقع، يمتلك أغنى 0.1% من الأميركيين اليوم 12.6% من الأصول و24% من سوق الأوراق المالية.
في المقابل، يمتلك النصف الأدنى من سكان الولايات المتحدة 1.1% فقط من سوق الأوراق المالية.
وقد تضررت النساء والأشخاص الملونون بشدة من تفاقم عدم المساواة، فقد كسبت الأسرة التي يرأسها رجل أربعة أضعاف الثروة مقارنة بالأسرة التي ترأسها امرأة.
وتعززت ثروات الأسر البيضاء بمقدار 7.2 مرة أكثر من متوسط ثروة الأسرة السوداء، و6.7 مرة أعلى من متوسط ثروة الأسرة من أصل إسباني/لاتيني.
وعلى الرغم من أن الأسر السوداء والأسر من أصل إسباني/لاتيني تشكل ثلث سكان الولايات المتحدة، إلا أنها لا تمتلك سوى 5.8% من ثروة البلاد.
لماذا يتفاقم عدم المساواة في الثروة في أميركا؟
يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، فالأغنى 0.0001% يسيطرون على حصة أكبر من الثروة مما كانت عليه في العصر الذهبي، وفقًا للتقرير. لقد أصبح المليارديرات شخصيات نافذة في أميركا، والإدارة الجديدة تُصدر تشريعات لحماية ثرواتهم.
ويشير تقرير أوكسفام إلى أن "إدارة ترامب تُخاطر بتسريع بعض أسوأ الاتجاهات في السنوات الـ45 الماضية بشكل كبير"، بعد أن أشرفت في أقل من عام على إصلاح ضريبي تراجعي للغاية، وتخفيضات كبيرة في شبكة الأمان الاجتماعي، وتراجعات كبيرة في حقوق العمال.
وأقر الرئيس ترامب مشروعه الضخم في يوليو الماضي، والذي ينطوي على خفض الضرائب على أعلى 0.1% من أصحاب الدخل في البلاد.
بحلول عام 2027، من المتوقع أن يُخفض هذا القانون 311 ألف دولار من تكاليف الضرائب على الأثرياء، بينما سيُجبر أفقر الأميركيين، الذين يقل دخلهم السنوي عن 15 ألف دولار، على دفع المزيد من الضرائب.
ومن بين أكبر 10 اقتصادات في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، تحتل الولايات المتحدة المرتبة قبل الأخيرة في استخدام نظامها الضريبي والتحويلات المالية لمكافحة عدم المساواة. في هذه المجموعة، تسجل أميركا أيضًا أعلى معدل للفقر النسبي.
بينما تُعد أميركا موطنًا لأكبر عدد من المليارديرات في العالم، إلا أن المواطن الأميركي العادي لا يحصل على نصيب من هذا النجاح الاقتصادي الهائل.
تقرير G20 يحذر من التفاوت في الثروة كتهديد للديمقراطية
بموازاة تقرير "أوكسفام"، نبّهت مجموعة من الاقتصاديين والأكاديميين الثلاثاء إلى أن التفاوت في الثروة يُشكّل أزمة عالمية تُهدد الديمقراطية والتماسك الاجتماعي، داعين قادة مجموعة العشرين إلى إيلاء هذه المسألة الأهمية نفسها التي يتعاملون بها مع حال الطوارئ المناخية.
ولاحظ تقرير أُعِدّ بإشراف حامل جائزة نوبل في الاقتصاد جوزيف ستيغليتز أن "أزمة انعدام المساواة" هذه تُفاقم أزمة الجوع التي تفتك بمليارات البشر، وقد تشتد أكثر في ظل سياسات إدارة الرئيس ترامب، وخصوصا التجارية منها.
وأفاد التقرير الذي طلبت جنوب إفريقيا إعداده بصفتها الرئيسة الحالية لمجموعة العشرين قبل قمتها في 22 و23 نوفمبر في جوهانسبرغ بمشاركة الدول ذات الاقتصادات الأكبر في العالم بأن "واحدا من كل أربعة أشخاص في مختلف أنحاء العالم بات يفوّت كل يوم وجبة طعام، في حين وصلت الثروات المتراكمة لاصحاب المليارات إلى مستويات خيالية".
وشدّد ستيغليتز خلال المؤتمر الصحافي الرسمي عن نتائج التقرير أمام رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا الثلاثاء، على أن "التفاوت خيار. إنه أمر يُمكن تغييره".
وأبرزَ التقرير أن "41 في المئة من إجمالي الثروات الجديدة تركّزت بين عامي 2000 و2024 في ايدي نسبة الواحد في المئة الأغنى من سكان العالم، بينما لم يحصل أفقر 50 في المئة إلا على واحد في المئة".
وأشار المعدّون إلى أن "ألفا من أصحاب المليارات سيتركون لورثتهم في السنوات الثلاثين المقبلة أكثر من 5.200 مليار دولار، معظمها معفى من الضرائب، مما يُديم عدم المساواة من جيل إلى جيل".
وأوصى ستيغليتز والخبراء الخمسة الآخرون بإنشاء لجنة دولية معنية بعدم المساواة في مرحلة أولى، تتولى تحليل آلياته كافة، كأساليب التهرب الضريبي. ومن شأن هذه التحليلات أن تُسهم في تطوير السياسات العامة.
وأعربوا كذلك عن قلقهم من أن سياسات إدارة ترامب، وخصوصا فرض رسوم جمركية إضافية، ستؤدي إلى تفاقم انعدام المساواة في العالم.
وحذّر ستيغليتز من أن "هذا العالم الجديد الذي يخالف فيه القوي القواعد من دون أن يُحاسَب، والذي يُبعدنا عن النظام الدولي القائم على قواعد ويدفعنا نحو شريعة الغاب، قد يؤدي إلى تثبيت أنماط غير متكافئة في التجارة والاستثمار والتكنولوجيا".
وأكّد التقرير وجود رابط بين التفاوت الاقتصادي و"تآكل الديمقراطية وصعود الاستبداد".
وأمل ستيغليتز في أن تدعم غالبية الدول فكرة إنشاء لجنة معنية بعدم المساواة، متوقعا ألاّ تكون الولايات المتحدة مؤيدة لها.
وتُعَدّ جنوب إفريقيا أول دولة إفريقية تتولى رئاسة مجموعة العشرين. وتضم المجموعة 19 دولة، بالإضافة إلى الاتحادين الإفريقي والأوروبي، تمثل 85 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للعالم وثلثَي سكانه.
وشهدت العلاقات بين جنوب إفريقيا والولايات المتحدة توترا منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وسبق للرئيس الأميركي أن أعلن أنه لن يحضر قمة نوفمبر.