عام السندات.. بين طفرة السوق وتحركات ترامب المالية

يعيش سوق السندات الأميركي عاما غير اعتيادي، تُعاد فيه كتابة قواعد العائد والمخاطرة معا.

فبين خفض أسعار الفائدة وتراجع الضغوط التضخمية، تتقدّم السندات نحو أفضل أداء لها منذ 2020، بينما تتزاحم المخاوف المرتبطة بالعجز والتقييمات الائتمانية على هامش المشهد.

وفي موازاة هذا المسار، تكشف الإفصاحات المالية الرسمية عن موجة واسعة من مشتريات السندات للرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال أسابيع قليلة، توزّعت بين سندات بلدية وشركات كبرى في قطاعات تستفيد من سياسات إدارته.

بهذا التزامن، يقدّم عام 2025 صورة مركّبة لسوق يتحرك صعوداً بثقة، ولاعب سياسي يستثمر بكثافة داخله، في سياق مالي تتسارع فيه القراءات والتوقعات.

تشير البيانات إلى أن العوامل الأساسية العاملة في السوق تصبّ في صالح السندات خلال 2025. فمجلس الاحتياطي الفيدرالي يواصل خفض أسعار الفائدة، بينما يتباطأ نمو الوظائف وإنفاق المستهلكين بالقدر الذي يبقي فرص الخفض اللاحق قائمة، من دون أن تظهر مؤشرات على ركود يهدد ميزانيات الشركات.

في المقابل، تستمر الضغوط التضخمية في الاعتدال، رغم المخاوف من تأثير التعريفات التجارية المفروضة على الأسعار، حسب وول ستريت جورنال.

في هذا السياق، حقق مؤشر بلومبرغ الأميركي الشامل للسندات عائداً يقارب 6.7%، آخذاً في الاعتبار تغيّر الأسعار ومدفوعات الفائدة، وهو ما يجعله على مسار أفضل أداء سنوي له منذ 2020.

هذا التطور يأتي بعد سنوات صعبة، إذ كانت السوق قد تعرضت لضربات قاسية خلال حملة الفيدرالي لكبح التضخم، خاصة في عام 2022 الذي شهد واحدا من أسوأ أعوام السندات في التاريخ الحديث.

توضح البيانات أن السندات استعادت جزءا كبيرا من قوتها تدريجياً.

ففي 2023 سجل المؤشر عائدا بنسبة 5.5%، بينما تباطأ الأداء في 2024 قبل أن يعود للارتفاع بقوة هذا العام.

ويرى المستثمرون أن 2025 يختلف عن الأعوام السابقة، إذ تفوقت عوائد المؤشر بسهولة على أذون الخزانة القصيرة الأجل، ما دفع كثيرين إلى إعادة توجيه محافظهم نحو السندات المتوسطة والطويلة.

ورغم تراجع عوائد السندات الحكومية وسندات الشركات مع ارتفاع أسعارها، فإن مستويات العائد الحالية لا تزال أعلى بكثير من المستويات التي سادت معظم العقد الماضي.

وبالنسبة للمستثمرين الذين يبحثون عن الاستفادة من هذه المستويات قبل أن تتراجع مجددا، تُعد الفترة الراهنة فرصة مواتية.

تشير الأرقام إلى أن عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات انخفض بنحو نصف نقطة مئوية منذ بداية العام، ليستقر عند 4.147%، مستفيداً من خفضي الفائدة اللذين أُقرا هذا العام، ومن توقعات بخفض محتمل إضافي.

غير أن مسار الفائدة ما زال محاطا بالغموض، في ضوء التباينات داخل الاحتياطي الفيدرالي. فقد خفّض بعض المسؤولين توقعاتهم لخفض ديسمبر، بينما حذّر رئيس الفيدرالي جيروم باول من أن البنك "بعيد" عن اتخاذ قرار فوري بخفض جديد.

تعكس الأسواق هذه الضبابية، إذ تشير بيانات "سي إم إي غروب" إلى أن احتمال خفض الفائدة في ديسمبر بلغ نحو 46%، مقارنة بـ67% قبل أسبوع واحد فقط.

كما تبقى المخاطر الائتمانية حاضرة، خاصة مع انخفاض الفارق بين عوائد سندات الشركات ذات الدرجة الاستثمارية وسندات الخزانة إلى مستويات تُعد الأدنى منذ أواخر التسعينيات، قبل ارتفاعه الطفيف في سبتمبر.

وتبرز أيضا مخاوف مرتبطة بالعجز الأميركي الذي بلغ 1.8 تريليون دولار في السنة المالية 2025، إذ يعني ذلك مزيدا من الإصدارات الحكومية لجذب التمويل بعوائد أعلى.

ويحذّر متخصصون من أن استمرار هذا الاتجاه قد يضغط على السوق لاحقاً، حتى لو بقيت الظروف الحالية داعمة في المدى القريب، وفق وول ستريت جورنال

ورغم ذلك، يرى عدد من مديري الأصول أن الاتجاه الإيجابي يمكن أن يستمر، خصوصاً في حال استمرار تباطؤ التوظيف من دون انهيار اقتصادي، وهو ما يعتبرونه عاملاً يسمح للفيدرالي بمواصلة خفض الفائدة تدريجياً.

تكشف الإفصاحات المالية الرسمية الصادرة حديثا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اشترى ما لا يقل عن 82 مليون دولار من السندات بين أواخر أغسطس وأوائل أكتوبر، من خلال أكثر من 175 عملية شراء مالية، حسب رويترز.

وتشير الإقرارات إلى أن القيمة القصوى لهذه المشتريات قد تتجاوز 337 مليون دولار، رغم أن الإفصاحات لا تورد الأرقام الدقيقة لكل عملية شراء.

تتوزع هذه المشتريات على سندات بلدية وسندات شركات، بما يشمل إصدارات لبلديات وولايات ومقاطعات ومناطق تعليمية، إضافة إلى سندات شركات كبرى، وفق رويترز.

وتشمل الحافظة الجديدة شركات في قطاع الرقائق مثل برودكوم وكوالكوم، وشركات تكنولوجية مثل ميتا بلاتفورمز، ومتاجر تجزئة مثل هوم ديبو وسي في إس هيلث، ومصارف وول ستريت مثل غولدمان ساكس ومورغان ستانلي. كما اشترى ترامب سندات جي بي مورغان في أواخر أغسطس.

وتورد الإفصاحات كذلك شراء سندات إنتل بعد أن استحوذت الحكومة الأميركية، بتوجيه منه، على حصة في الشركة.

تؤكد البيانات أن إدارة ترامب تواصل تقديم الإفصاحات المالية الإلزامية. وتشير الإدارة إلى أن الرئيس وأفراد عائلته لا يديرون المحفظة الاستثمارية مباشرة، بل تتولى إدارتها مؤسسة مالية مستقلة، في حين توضع شركاته في صندوق ائتماني يديره أبناؤه.

وتُظهر إفصاحات سابقة أن ترامب اشترى أكثر من 100 مليون دولار من السندات منذ عودته للرئاسة في يناير. كما جاء في إفصاح يونيو السنوي أنه حقق أكثر من 600 مليون دولار من العملات المشفرة ومنشآت الغولف وصفقات الترخيص، وأن قيمة أصوله لا تقل عن 1.6 مليار دولار، وفق حسابات أجرتها رويترز.