مال وأعمال

رسوم ترامب ومداهمة جورجيا.. كيف تهز ثقة هيونداي بأميركا؟

نشر
blinx
بين أرقام قياسية في مبيعات السيارات الهجينة، ورسوم جمركية متقلّبة، ومداهمة دراماتيكية لمصنع بطاريات في جورجيا، تجد هيونداي نفسها في قلب معادلة جديدة في عهد ترامب، استثمارات كورية بمئات مليارات الدولارات في الولايات المتحدة من جهة، وتصدّع في الثقة مع الحلفاء من كندا إلى الهند من جهة أخرى.

من 25٪ إلى 15٪.. رسوم أقل، لكن الفاتورة ما زالت ثقيلة

بحسب CNBC، فرض الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الربيع رسوما جمركية بنسبة 25٪ على السيارات المستوردة من كوريا الجنوبية، ما كبّد هيونداي وجنرال موتورز، وهما أكبر مستورِدَين للسيارات الكورية إلى السوق الأميركية، "مليارات الدولارات" من الرسوم منذ بداية العام.
هيونداي وحدها قدّرت الكلفة في الربع الثالث بـ1.8 تريليون وون (1.2 مليار دولار)، ارتفاعا من 828 مليار وون في الربع السابق، فيما توقعت جنرال موتورز أن يتراوح أثر الرسوم عليها بين 3.5 و4.5 مليارات دولار في 2025، مع أمل بخفضه إلى نحو مليار دولار أو أقلّ في 2026.
الاتفاق التجاري الذي توصلت إليه إدارة ترامب مع سيول خفّض الرسوم إلى 15٪ على الواردات من كوريا الجنوبية، وفق إشعار نُشر في الـFederal Register، كما تذكر CNBC، المدير المالي لجنرال موتورز، بول جاكوبسون، وصف الخفض بأنّه "رياح مؤاتية" للعام المقبل، فيما قال رئيس هيونداي أميركا الشمالية، راندي باركر، في مقابلة مع الشبكة نفسها إن الوصول إلى 15٪ "محطة مهمة" بعد "رحلة طويلة للغاية"، لكنه ذكّر بأن "15٪ لا تزال 15٪".
في الخلفية، قدّمت كوريا الجنوبية تشريعا في برلمانها لتنفيذ تعهّد استثمار 350 مليار دولار في الولايات المتحدة على مدى سنوات عدّة، وهو تعهّد أشاد به وزير التجارة الأميركي على منصة إكس، معتبرا أنّه يعزز الشراكة الاقتصادية والوظائف والصناعة المحلية، بحسب CNBC.
في الوقت نفسه، تسعى هيونداي إلى رفع نسبة مبيعاتها المنتَجة محليا في السوق الأميركية من نحو 40٪ حاليا إلى أكثر من 80٪ بحلول 2030، بينما تشير بيانات GlobalData التي تنقلها CNBC إلى أن السيارات المستوردة من كوريا تمثّل نحو 8.6٪ من المبيعات الأميركية هذا العام.

مداهمة جورجيا.. "فرط التركّز" يكشف هشاشة الحليف

لكن تخفيض الرسوم لم يمنع اختبارا قاسيا للعلاقة. ففي الأسبوع الأول من سبتمبر 2025، نفّذت وحدة الهجرة والجمارك الأميركية (ICE) عملية إنفاذ واسعة في مصنع بطاريات مشترك بقيمة 4.3 مليارات دولار بين مجموعة هيونداي موتور و"إل جي إنرجي سولوشن" في ولاية جورجيا، وفق تحليل EastAsiaForum.
الموقع يوضح أن العملية شملت نحو 500 عنصر "ملثّم ومسلّح" واحتجاز 475 شخصا، بينهم 300 كوري جنوبي. ورغم السماح لاحقا للعمال بالمغادرة، أثارت طريقة التعامل المتشددة غضباً واسعاً في كوريا الجنوبية، حيث قال وزير العمل إن "أسرى الحرب أنفسهم لا يُعامَلون على هذا النحو"، بحسب EastAsiaForum.
التحليل نفسه يشير إلى أن هذه المداهمة صدمت الشركات الكورية المتعددة الجنسيات وغيرها من الشركات الأجنبية، وسط توقعات، نقلتها صحف مثل "ذا جابان تايمز" و"نيكاي آسيا"، بأن تقلّ جاذبية الولايات المتحدة لاستثمارات هذه الشركات.
ويضيف أن هيونداي أخّرت أعمال بناء مصنع بطاريات للسيارات الكهربائية في الولايات المتحدة، مع تداول ادعاءات حول تأجيل مشاريع أخرى مثل مصنع للصلب وتوسعة "الميتابلانت" ومصنع روبوتات.
مع ذلك، ينقل EastAsiaForum عن رئيس هيونداي أن الولايات المتحدة تظل "أكثر أسواق الشركة ربحية"، وأن المجموعة ستزيد "مساهمتها" هناك.
لكنه يحذّر من مشكلة "فرط التركّز"، فالكثير من الشركات الكورية حوّلت استثماراتها من الصين إلى الولايات المتحدة، ما زاد اعتمادها على سوق واحدة، في وقت يعتمد فيه الاقتصاد الكوري نفسه على التجارة والتحالف الأمني مع واشنطن.
هذا التركّز، بحسب التحليل، يمنح الدولة المضيفة قدرة أكبر على فرض مطالب تتعلق بالتصنيع المحلي والأهداف الاجتماعية ونقل المعرفة، ويتقاطع مع تصريحات إدارة ترامب عن "استخراج" المهارات الكورية الجنوبية.

تحالفات مُتعبة.. من أوتاوا إلى سيول ونيودلهي

مجلة Time تضع هذه الوقائع في سياق أوسع لعلاقة واشنطن بحلفائها. تستعيد المجلة من رسالة استقالة وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس عام 2018 قوله إن قوة الولايات المتحدة ترتبط بقوة نظام تحالفاتها، قبل أن تشير إلى أن "نسخة ترامب 2.0" قلبت بعضاً من أقوى هذه الصداقات رأساً على عقب بمقاربة "صفقية" باسم "أميركا أولاً".
في كندا، نقلت Time عن رئيس الوزراء مارك كارني وصفه ما يجري بأنه "قطيعة"، مع استطلاع لـIpsos يُظهر أن 60٪ من الكنديين لم يعودوا يثقون بالولايات المتحدة، و82٪ يقولون إنهم سيواصلون تجنّب السلع الأميركية حتى بعد انتهاء الأزمة، وسط تحرّك كندي- مكسيكي للحدّ من الاعتماد التجاري على السوق الأميركية.
في كوريا الجنوبية، تربط المجلة بين لقاء الرئيس لي جاي ميونغ بترامب وتعهد استثمارات بقيمة 350 مليار دولار، وبين مداهمة مصنع هيونداي في جورجيا واحتجاز 317 عاملا كوريا جنوبيا مكبّلين بالأصفاد، ما أثار غضبا واسعا وصحفا تحدّثت عن "خرق في الثقة" وطرحت سؤالا واحدا: "هل هكذا تعاملون حليفاً؟".
وتشير Time إلى أن سيول جمّدت استثمارات مستقبلية، وحذّر مسؤولون من تداعيات أمنية في بلد يستضيف 28 ألف جندي أميركي.
أما في الهند، فتذكر Time أن الشراكة الاقتصادية والعسكرية الجديدة التي أُعلن عنها في بداية العام تحولت سريعا إلى أزمة، بعدما فرضت إدارة ترامب رسوماً بنسبة 25٪ ثم 50٪ على دلهي، ووصفت اقتصادها بأنه "ميّت"، بالتوازي مع عرض شروط تفضيلية على باكستان.
وردّ رئيس الوزراء ناريندرا مودي بخطاب قومي دعا إلى سياسة "سوادِشي" لتشجيع شراء السلع المصنوعة في الهند، رافقتها حملات لمقاطعة العلامات الأميركية وزيارات إلى الصين وروسيا لتعزيز العلاقات معهما، وفق المجلة.
في خلاصة ما تنقله Time، تبيّن هذه الأمثلة أن إدارة ترامب تُبدِي استعدادا للمخاطرة بتحالفات راسخة مقابل مكاسب اقتصادية غير محسومة، فيما يبدأ الحلفاء، ومنهم كوريا الجنوبية التي تستثمر عبر هيونداي، بالبحث عن بدائل اقتصادية وتجارية، وربما أمنية، في عالم تزداد فيه تعقيدات الرسوم، والاستثمارات، ومصانع الهجائن.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة