سينما
.
لم تكن الطفلة قد تخطت الـ١٢ من العمر بعد، حين ذهبت للقاء منتج موسيقي في مكتبه الخاص. لا نعرف ما إذا كانت الفتاة مرتاعة أم متحمسة في تلك اللحظة، لكننا نعرف أن المنتج قدّم للفتاة قلم رصاص، وحثها على الغناء أمامه "ها هو مكبر الصوت، غني وكأنك في مسرح ممتلئ بالمستمعين".
خلال سنوات قلائل تحققت نبوءة المنتج، وأصبحت الطفلة الكندية سيلين ديون، نجمة عالمية استثنائية، تشدو على أكبر المسارح العالمية، وتحصد الجوائز العالمية وتُسمع أغنياتها في شتى البلدان.
بعد عقود من الغناء والنجاحات واللحظات التاريخية، قد تتوقف ديون عن تقديم الجديد، في ظل إصابتها بمتلازمة تدعى "الشخص المتيبس" مما دفعها مؤخرا لإلغاء ما يزيد عن ٤٠ حفل غنائي كان لها أن تقدمه حتى إبريل من العام المقبل.
آلام المرض، ليست العقبة الوحيدة في مسيرة النجمة العالمية، إذ تذوقت سيلين من قبل آلام الفقد والفقر والمعاناة، وتمكنت من النهوض مجددًا وإحكام قبضتها على الميكروفون.
لم تكن البداية شديدة الرغد والنعومة، فالمطربة العالمية ولدت لأسرة فقيرة، في قرية صغيرة تبتعد حوالي ٥٠ كيلومتر من مدينة مونتريال، وإضافة لضيق ذات اليد، تكونت الأسرة من أب وأم و١٤ طفلا وطفلة، سيلين أصغرهم وإن لم تكن أقلهم حظا.
في حين اضطرت الأم لتحويل أحد أدراج الملابس إلى فراش كي تنام فيه سيلين صغيرة، بعد بضعة سنوات، بدأت موهبة الطفلة في الظهور، الأمر الذي لفت أنظار الأسرة المُحبة للموسيقى بطبعها، بل ودفعها إلى تسجيل شريط كاسيت بصوت الطفلة وإرساله للمنتج، رينيه أنجيليل.
في مكتب أنجيليل، بدأت أقدار سيلين ديون في التشكل؛ فخلال فترة وجيزة سوف تغني لأول مرة على شاشة التليفزيون المحلي، بالتحديد في يونيو من العام١٩٨١ وفقًا لموقع ديون الرسمي، أما ألبومها الغنائي الأول فسوف يتطلب من منتجها رهن منزله، قبل أن يصدر للجمهور.
خلال سنوات عدة، لن يصبح أنجيليل محض منتج مغامر في حياة ديون، بل زوجها.
قبل أن تخترق ساحة الغناء الأميركية، كانت ديون قد أصدرت بالفعل ٩ ألبومات باللغة الفرنسية وحصدت عددا من جوائز Juno الكندية، وفازت في منافسات the Eurovision Song في أيرلندا، وقدمت حفلات غنائية في اليابان وأستراليا والشرق الأوسط وفقًا لموقع Biography.
إلا أن النجاح الساحق جاء بعد أن تعاونت مع شركة والت ديزني لإنتاج إحدى أغنيات فيلم الرسوم المتحركة الجميلة والوحش أوائل التسعينيات، وحصدت خلالها أول جوائز غرامي، التي حصدت منها لاحقا ٦ جوائز، من بينها أفضل ألبوم العام عن Falling into You وأغنية العام عن My Heart Will Go On التي صدرت خلال فيلم تايتنيك للمخرج جايمس كاميرون وهي الأغنية الفائزة أيضًا بجائزة أوسكار.
خلال مشوارها الفني أيضًا، كانت ديون أول مطربة يتثنى لها الغناء مرتين خلال إحدى حفلات توزيع جوائز الأوسكار، كما غنت أمام الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في العام ١٩٩٣، كما غنت خلال حفلات افتتاح الألعاب الأولمبية.
النجاح الساحق لم يجنب المطربة متاعب الحياة، ففي أواخر التسعينيات كان زوجها، ومكتشفها الأول، شُخص بالسرطان، وبدأ رحلة علاج طويلة رافقته خلالها ديون، واختارت الابتعاد عن عملها لرعايته.
في حين أنجبت المطربة طفلها الأول في يناير من العام ٢٠٠١، كان الأمر قد تطلب جهدا مسبقا، وقرارا بالابتعاد عن الفن في العام ٢٠٠٠، لإجراء جراحتين لتدعيم فرصها في الإنجاب بعد أن فشلت في محاولات سابقة، وبعد قرابة عشرة أعوام، أنجبت ديون مرة أخرى توأمين.
الحظ لم يظل مبتسمًا لديون، إذ عاود السرطان زوجها في أواخر العام ٢٠١٣ لذا فضلت أن تحتجب عن المسرح والغناء مرة مجددا لتبقى إلى جواره، إلى حين وفاته في يناير من العام ٢٠١٦ قدمت المطربة عروضا محدودة بناء على طلب زوجها ومكتشف موهبتها الفنية.
رغم وفاة زوجها، لم تُسقط ديون الميكروفون من يدها، واستمرت في تقديم الجولات والحفلات وأطلقت ألبوما غنائيا جديدا باللغة الإنجليزية في العام ٢٠١٩ إلى أن بدأ المرض يرسم ملامح الفصل الجديد من حياة أيقونة الغناء الكندية.
ما تزال متلازمة الشخص المتيبس، تشكل لغزا أمام الباحثين والأطباء إذ لا يمكن التعرف على سبب مباشر للإصابة بها، فيما يرى الباحثون أنها غالبا ما ترتبط بأمراض المناعة الذاتية مثل البهاق والتهاب الغدة الدرقية والسكري من النوع الأول.
تعتبر المتلازمة أحد الاضطرابات العصبية النادرة، والتي عادة ما تتصاعد أعراضها بالتدريج ما بين تصلب عضلات الجذع والذراعين والساقين، مرورا بانحناءات الظهر أو حالات العجز عن الحركة. وتصيب شخصا واحدا من بين مليون شخص في العالم.
تؤدي الإصابة أيضًا بتحسس المرضى تجاه بعض المثيرات الحسية كالأصوات وحتى حاسة اللمس والتأثيرات العاطفية الشديدة، التي من شأنها أن تُسبب نوبات من التشنجات العضلية لدى المصابين، ووفقًا للمعهد الوطني للاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية بالولايات المتحدة، يخشى بعض المصابين بالمتلازمة الخروج من المنزل والتعرض للضجة وأضواء السيارات التي من الممكن أن تحفز نوبات تشنجية.
تشير المنظمة الوطنية للأمراض النادرة، وهي مؤسسة غير ربحية تمثل الأفراد والأسر المتضررة من الأمراض النادرة، إلى أن متلازمة الشخص المتيبس، تعتبر اضطرابا نادرا للغاية وما تزال معدلات انتشارها غير معروفة بشكل دقيق.
وبالرغم من أن أعراض الإصابة تتنوع بين الشباب والكبار في المرحلة العمرية بين ٣٠ و٦٠ عامًا، إلا قد تم تسجيل بعض الحالات بين الأطفال وكبار السن.
وفي ضوء غموض المحرك الرئيسي للإصابة بالمرض، يستهدف علاج المتلازمة التحكم في الأعراض، وتحسين قدرة المصابين على الحركة مع الخضوع للعلاج المناعي وفقَا لموقع Cleveland Clinic.
سيلين ديون تأتي في ختام قائمة طويلة من مشاهير تعرضت مسيرتهم المهنية لاهتزازات بعد الحصول على تشخيص طبي مفاجئ، ففي عالم الغناء والتمثيل وحتى الرياضة، لطالما اختُصرت أحلام عريضة أمام أمراض تؤثر على قدرات أصحابها ومهاراتهم الحركية والعقلية على حد سواء.
في ثمانينيات القرن الماضي، لمع نجم الممثل الأميركي مايكل ج. فوكس الحائز على ٥ جوائز إيمي وبطل سلسلة أفلام Back To The Future، لكن فوكس تنحى عن الشاشات بشكل مبكر، إذ شُخص بالإصابة بالشلل الرعاش في عمر ٢٩ عامًا فقط وذلك في العام ١٩٩١، وعلى مدار أعوام حاول فوكس إخفاء إصابته بالمرض و إتمام التزاماته على الشاشة.
في مطلع الألفية لم يعد فوكس قادرا على رسم صورة النجم المُعافى، واعتزل التمثيل بشكل شبه كلي، وأسس منظمة خاصة لأبحاث الشلل الرعاش وفقًا لموقعه الإلكتروني.
أما الجوكر الكلاسيكي، النجم جاك نيكلسون، البالغ من العمر ٨٦ عامًا، فتوقف عن العمل بشكل كلي منذ العام ٢٠١٠، حين قدم آخر أفلامه How Do You Know، بعد مسيرة فنية اقتنص خلالها ٣ جوائز أوسكار.
في العام ٢٠١٣ كان تقرير لصحيفة الجارديان البريطانية قد أشار لوقوف مشكلات الذاكرة خلف انسحاب نيكلسون من أمام الكاميرا، حيث لم يعد النجم قادرًا على تذكر الحوار في نصوص الأفلام، فيما ما يزال النجم راغبًا في أن يكون جزء من الفضاء العام، بل فقط التوقف عن العمل وأشارت إحدى المصادر دون كشف هويتها حينها عن النجم:"أنه سعيد بالانضمام لنادي المتقاعدين مع شون كونري".
غادر كذلك الممثل بروس ويليس دائرة الضوء في العام الماضي إثر إصابته بـ "الحبسة"، وهو مرض يؤثر على قدرة الأفراد على الحديث وفهم اللغة المنطوقة والمكتوبة على حد سواء، وذلك وفقًا لمايو كلينك. غير أن تشخيص النجم الحاصل على جائزتي إيمي وبطل كلًا من Die Hard وPulp Fiction، تطور خلال عام واحد، لتعلن أسرته بحسب CNN في فبراير من العام الجاري، إصابته بالخرف الجبهي الصدغي.
في العام ٢٠٢٠ ابتعد كذلك لاعب كرة القدم المصري مؤمن زكريا عن أرض المعلب وفقًا لصحيفة الشروق المصرية، إذ أصيب بوعكة صحية عصية على التشخيص، أفقدته القدرة على الحركة بشكل طبيعي، وأنهت مسيرته مع النادي الأهلي المصري، الأمر الذي أثار تعاطف وقلق جمهور على مدار الأعوام الماضية.
في العام الماضي، صرحت زوجة زكريا لبرنامج تليفزيوني أن الأسرة ما تزال تجهل تشخيص حالة اللاعب النهائية، حتى بعد خوض رحلات علاجية في عواصم مختلفة حول العالم، بيد أن هناك اشتباه في إصابته بالتصلب الجانبي الضموري.
ويصف موقع المعهد الوطني للاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية بالولايات المتحدة "التصلب الجانبي الضموري" كمرض عصبي نادر، يؤثر على الخلايا العصبية الحركية في الدماغ والحبل الشوكي، والتي تتحكم بشكل رئيسي في حركة العضلات الإرادية ومن ثم العديد من الأنشطة اليومية، المشي والحديث وحتى المضغ. ويؤكد المعهد أن أعراض المرض تزداد بشكل تدريجي، ولا توجد وسيلة لإيقاف تفاقم الأعراض أو علاج المرض.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة