"صوت هند رجب" هزَّ فينيسيا وهو في طريقه إلى الأوسكار
في مهرجان فينيسيا السينمائي هذا العام، لم يثر أي فيلم جدلاً وتأثراً بقدر العمل الجديد للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، "صوت هند رجب"، الذي يروي القصة المفجعة لطفلة فلسطينية في السادسة قتلها الجيش الإسرائيلي بقذيفة دبابة في غزة.
الفيلم نال تصفيقًا متواصلاً استمر 23 دقيقة في سابقة تاريخية، قبل إعلان فوزه مساء السبت بجائزة الهرم الفضي للمهرجان، وسط توقعات قوية بوصوله إلى سباق الأوسكار لفئة أفضل فيلم دولي، بحسب تقرير
لهيئة الإذاعة البريطانية.
"لا يمكن للسينما إعادة هند للحياة"
وعقب فوز الفيلم، قالت مخرجة العمل كوثر بن هنية "لا يمكن للسينما أن تعيد هند للحياة، ولا يمكنها أن تمحو الفظائع التي ارتكبت بحقها. لا شيء يمكنه أن يعيد ما سُلب منها، لكن السينما يمكنها أن تحافظ على صوتها وتجعل صداه يتردد عبر الحدود".
وأضافت "سيظل صوتها يتردد إلى أن تتحقق المساءلة الحقيقية وإلى أن تتحقق العدالة".
عند عرضه أمام الصحفيين والعاملين في صناعة السينما، لم تكن ردود الفعل عادية؛ إذ ترددت أصوات البكاء داخل القاعة، بعض الحضور كانوا ينتحبون، آخرون بعيون دامعة، بينما خيّم الصمت على الغالبية من شدة التأثر. المشهد تكرر في العرض الرسمي حيث وقف جمهور مهرجان فينيسيا مصفقًا لمدة تجاوزت 23 دقيقة، وهو ما وصفته منصة "ديدلاين" بأنه قد يمثل رقمًا استثنائيًا في تاريخ المهرجانات العالمية.
كوثر بن هنية تعرف طريق الأوسكار جيدا
بن هنية، التي تنافست مرتين سابقًا على الأوسكار، أولاً بفيلم "الرجل الذي باع ظهره" عام 2020، ثم بفيلم "بنات ألفة" عام 2024، تعود
هذه المرة بمشروع يُتوقع أن يترك وقعًا أعظم بكثير.
ويرجع ذلك ليس فقط لعمقه الإنساني، وإنما أيضًا لمشاركة أسماء بارزة من هوليوود بين المنتجين التنفيذيين مثل براد بيت، يواكين فينيكس، روني مارا، جوناثان غليزر وألفونسو كوارون.

مخرجة الفيلم كوثر بن هنية. أ ب
الفيلم يمزج بين الدراما والوثائقي، مستندًا إلى تسجيلات صوتية حقيقية لهند رجب، الطفلة الفلسطينية التي نجت وحيدة من هجوم استهدف سيارتها في حي تل الهوى بغزة في يناير 2024، قبل أن تبقى محاصرة لساعات وسط الحطام إلى جوار جثث أسرتها.
"تعالوا خذوني.. أنا خائفة"
التسجيلات التي أجرتها مع متطوعي الهلال الأحمر الفلسطيني، وانتشرت لاحقًا على وسائل التواصل، مثّلت العمود الفقري للفيلم. يسمع المشاهد صوت هند الحقيقي، لا بديل تمثيلي، وهي ترجّو قائلة "تعالوا خذوني.. أنا خائفة".
داخل مكاتب مركز طوارئ للهلال الأحمر يبعد 52 ميلاً عن غزة، يؤدي ممثلون أدوار المتطوعين الذين تواصلوا معها.
المأساة كما يصورها الفيلم تكمن في أن سيارة إسعاف كانت على بعد 8 دقائق فقط من موقع هند، لكنها لم تتحرك نتيجة رفض الجيش الإسرائيلي وساطة الصليب الأحمر لإنقاذ الطفلة.
لا يظهر الفيلم مشاهد مقتل الطفلة ولا يطلق أحكامًا سياسية مباشرة، بل يسلط الضوء على عجز المتطوعين وألمهم إزاء واقع يتجاوز إرادتهم.
ومع تعاظم اللحظات، يحاول المتطوعون تجربة كل السبل الممكنة، يتواصلون مع مختلف الجهات، يتشاورون في خطط بديلة، ويعيشون توتراً يراوح بين دعم بعضهم والخلافات الداخلية.
ورغم كل ذلك، تبقى مهمتهم الأهم إبقاء الطفلة على الخط. ومن خلال حديثها البريء تكشف ما في قلبها: اسم صفها الدراسي "الفراشة"، واسم مدرستها "الطفولة السعيدة"، وتبوح بأن دبابة تقف إلى جوار السيارة وتقترب تدريجياً. الفيلم يمزج بين الوثائقي والتجسيد الدرامي في صورة موجعة تضع المشاهد في عمق مأساة إنسانية لا تطاق.
"صوت هند رجب" ليس مجرد فيلم يُعرض في مهرجان دولي، بل شهادة إنسانية هزت جمهور البندقية بعمق، بحسب تقرير هيئة الإذاعة البريطانية.