صراعات
.
مأساة الهروب من دارفور يرويها سودانيون بغصة بعد أن شهدوا على فظائع من اغتصاب، وقتل دهسا بالأقدام، ورمي بالرصاص، وغيرها الكثير. إبراهيم، أحد السكان الذين وصلوا إلى بلدة أدري التشادية على بعد نحو 27 كيلومترا من الجنينة، قال إن ميليشيات داهمتهم فجأة وأطلقت الرصاص عليهم، مضيفا أنهم أُخذوا على غرة وأن هناك من لاقوا حتفهم دهسا بالأقدام أثناء محاولات الفرار، بحسب ما أخبر وكالة رويترز عبر الهاتف.
قرار الهروب جاء بعد مقتل والي غرب دارفور، خميس عبد الله أبكر، في 14 يونيو، بعد ساعات من اتهامه لقوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها بارتكاب "إبادة جماعية" في مقابلة تلفزيونية، حسب إبراهيم "الناس بعد أن علموا بخطف الوالي وقتله قرروا مغادرة المدينة". واكتشف في ما بعد أن ثمانية من أفراد عائلته لقوا حتفهم من بينهم جدته، وأن والدته تعرضت للضرب.
قرار الهروب جاء بعد مقتل والي غرب دارفور خميس عبد الله أبكر. أ ف ب
ويعد التنافس على الأرض من دوافع الصراع في دارفور منذ زمن بعيد. وقال إبراهيم إن القرى الواقعة على الطريق من الجنينة إلى أدري كانت للمساليت لكن القبائل العربية استوطنت بها منذ 2003. وأوضح عدد من الشهود من الجنينة، التي تشهد انقطاعا للاتصالات على نطاق كبير منذ أسابيع، إن غير العرب من ذوي البشرة الداكنة، يطلق عليهم محليا اسم المساليت، يتعرضون للاستهداف.
عبد الناصر عبد الله، الذي وصل إلى تشاد في 15 يونيو، شرح كيف إن منزله كان واحدا من منازل كثيرة في حيه تعرضت للاقتحام وأن ابن عمه قتل بينما كان يختبئ فوق السطح. وأضاف أنهم لا يبحثون فقط عن المساليت ولكن عن أي شخص أسود، مشيرا إلى أن الجثث تملأ شوارع المدينة، ومنها جثث نساء وأطفال.
"واجهت العديد من المشكلات خلال رحلتي سيرا على الأقدام إلى تشاد، تعرضت للضرب وإطلاق النار والإهانة"، وفق عبدالناصر الذي أشار إلى أن من يفعلون ذلك ينتمون لقوات الجنجويد بعضهم يرتدون زي قوات الدعم السريع وآخرون في ملابس مدنية وأن جميعهم يضعون اللثام على وجوههم".
"رأينا حالات اغتصاب، والعديد من الأشخاص الذين أُصيبوا بالرصاص لدى محاولتهم الفرار من الجنينة في السودان"، هذا ما رواه شهود ومنظمة أطباء بلا حدود لرويترز التي تحدثت عن "رصاص الميليشيات" الموجه على الهاربين سيرا على الأقدام إلى تشاد منذ منتصف الأسبوع الماضي.
مليشيات من قبائل البدو العربية إلى جانب أفراد من قوات الدعم السريع التي تخوض صراعا على السلطة مع الجيش السوداني في العاصمة الخرطوم كانت وراء أعمال العنف في الجنينة على مدى الشهرين الماضيين، حسب الشهود. وحاول عدد كبير من الأشخاص التماس الحماية بالقرب من مقر للجيش في الجنينة في 14 يونيو.
ثلاثة شهود أصيبوا بطلقات نارية أثناء محاولتهم الهرب من الجنينة، وأكثر من عشرة شهود آخرين قالوا لرويترز إنهم شاهدوا أعمال عنف على الطريق من المدينة. ولم يتضح عدد الأشخاص الذين قتلوا في الأيام القليلة الماضية أثناء المغادرة.
منظمة أطباء بلا حدود أشارت، الإثنين، إلى أن نحو 15 ألف شخص فروا من غرب دارفور على مدى الأيام الأربعة السابقة، وروى أحد السكان لأطباء بلا حدود من تشاد أن "سكان الجنينة اتخذوا قرارا جماعيا بالرحيل" وإن معظمهم فروا سيرا على الأقدام صوب الشمال الشرقي من الجنينة، لكن كثيرين منهم قُتلوا على الطريق.
بيانات للأمم المتحدة تقول إن الحرب التي اندلعت في أبريل تسببت في نزوح نحو 2.2 مليون شخص، معظمهم من العاصمة ومن دارفور التي عانت بالفعل من الصراع والنزوح الجماعي على مدى عقدين.
وتفيد البيانات أن أكثر من 600 ألف عبروا الحدود إلى البلدان المجاورة، من بينهم أكثر من 115 ألفا فروا من دارفور إلى تشاد. وأدى وقف إطلاق نار، مدته 72 ساعة بوساطة السعودية والولايات المتحدة ومن المقرر أن ينتهي في وقت مبكر من صباح الأربعاء، إلى هدوء القتال في الخرطوم لكن السكان أفادوا بانتشار أعمال النهب.
لم يتضح عدد الأشخاص الذين قتلوا في الأيام القليلة الماضية أثناء المغادرة. أ ف ب
شهود من سكان المنطقة، قالوا إن الاضطرابات في دارفور تصاعدت، مع احتدام الحرب في العاصمة، واتخذت طابعا عرقيا على نحو أكثر وضوحا حيث يستهدف المهاجمون السكان غير العرب مستدلين عليهم بلون بشرتهم. وأثار العنف تحذيرات من تكرار الفظائع التي شهدتها دارفور بعد عام 2003 حين ساعدت ميليشيات "الجنجويد" التي انبثقت منها لاحقا قوات الدعم السريع الحكومة في سحق تمرد جماعات معظمها من غير العرب في دارفور.
فظائع دارفور أودت بحياة أكثر من 300 ألف شخص وأدت إلى نزوح 2.5 مليون، وفق الأمم المتحدة. وقال زعيم قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، الثلاثاء، إن قواته ستحقق في أحداث الجنينة. واتهم الجيش بإذكاء الاضطرابات من خلال تسليحه القبائل، بينما وجه الجيش الاتهام لقوات الدعم السريع بقتل والي غرب دارفور وأعمال عنف أخرى في المنطقة.
أحد سكان الجنينة الذين غادروها يوم الأحد، يقول لرويترز إن فصائل مسلحة عربية وقوات الدعم السريع عززت وجودها في المدينة منذ مقتل الوالي، مضيفا أن الجماعات العربية تسيطر على الطريق المؤدي إلى تشاد. وأضاف، متحدثا شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب مخاوف على سلامته، أن "شهودا أبلغوا عن حالات اغتصاب وقتل واختفاء قسري على هذا الطريق".
قوات الدعم السريع عززت وجودها في المدينة منذ مقتل الوالي. أ ف ب
شرّدت الحرب المستعرة منذ شهرين في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع أكثر من 2,5 مليون سوداني، بين نازح ولاجئ، ولاسيّما في دارفور حيث الشوارع مليئة بالجثث، بحسب ما قالت الأمم المتّحدة الثلاثاء. وأوقعت المعارك الدائرة أكثر من ألفي قتيل، وفقا لتقديرات يرى خبراء أنّها أقلّ بكثير من الواقع.
وحذّرت الأمم المتّحدة والاتّحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد من أنّ النزاع "اكتسب الآن بُعداً عرقيا" مع "هجمات على الهوية".
كذلك فإنّ الأمم المتّحدة تتحدّث عن احتمال وقوع "جرائم ضدّ الإنسانية". وفي مختلف أنحاء السودان، بلغ عدد النازحين "مليوني شخص"، وفقا للمفوضية العليا للاجئين.
من جهتها أحصت المنظمة الدولية للهجرة أكثر من نصف مليون لاجئ سوداني. وقالت إن "550 ألف شخص فرّوا إلى الدول المجاورة". وكان المجتمع الدولي تعهّد خلال اجتماع عقد في جنيف الإثنين تقديم 1.5 مليار دولار من المساعدات، وهو نصف ما تحتاجه المنظمات الإنسانية وفقاً لتقديراتها الميدانية.
يعتمد 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكان السودان، على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة في بلد يغرق في الدمار والعنف بسرعة "غير مسبوقة"، وفق تعبير الأمم المتّحدة.
وحذّر مدير برنامج الأغذية العالمي في السودان إدي راو، الثلاثاء، من أنّ "الاحتياجات الإنسانية بلغت مستويات قياسية في وقت لا تبدو فيه أيّ مؤشّرات على نهاية للنزاع". وفي بداية الحرب، قالت المنظمات الإنسانية إنّها لم تحصل سوى على 15% من الأموال اللازمة لعملياتها. وإذا ما تمّ الالتزام بتعهّدات جنيف فستحصل هذه المنظّمات على نصف ما تطلبه.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة