صراعات
النشوة بدت واضحة في نبرة صوت وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت أثناء حديثه في مؤتمر الكريبتو الثالث للمكتب الوطني لمكافحة تمويل الإرهاب في إسرائيل يوم الثلاثاء الماضي: "هذا أول حدث بهذا الحجم يتم فيه إفشال بنية تحتية تابعة لحزب الله وفيلق القدس الايراني نقلت ملايين الدولارات لاستخدامها من قبل العناصر الارهابية".
تفاخر الوزير بوضع إسرائيل يدها على عشرات محافظ العملات الرقمية ومصادرة مبلغ وصل لحوالي 1.7 مليون دولار من العملات المشفرة USDT على شبكة TRON وادعى بأن ذلك يعد علامة فارقة لتطوير المنظومة الأمنية الإسرائيلية أدوات وتقنيات يمكنها تتبع صفقات blockchain وتحديد المتورطين فيها.
فيلق القدس الإيراني وحزب الله اللبناني كلاهما محجوب عن المنظومة المالية العالمية نظراً لإدراجهما في قوائم الإرهاب الأميركية وفرض العقوبات عليهما وحظر تمويلهما أو التبرع لأي منهما أو التجارة معهما. يضع هذا الأمر المنظمتين تحت مراقبة صارمة حول العالم من قبل أقسام مكافحة تمويل الإرهاب في الدول المختلفة للتأكد من عدم وصول أي أموال إليهما بالطرق التقليدية ومعاقبة أي جهة تتورط في خرق العقوبات.
هذا الأمر يدفع الدول والجماعات الواقعة تحت العقوبات الأميركية للاتجاه لمنظومة العملات الرقمية المشفرة التي تتيح لحاملها والمتداولين فيها قدراً معيناً من السرية والتخفي وتجنب المنظومة المالية العالمية. وتعد إيران وكوريا الشمالية أحد أبرز الأنظمة المتهمة باستعمال العملات المشفرة للالتفاف على العقوبات وتخطي العزلة الدولية، حيث أعلنت السلطات الأميركية في شهر سبتمبر الماضي تمكنها من الوصول والاستيلاء على نحو 30 مليون دولار من البتكوين التي جمعها محترفو الاختراق الكوريون.
وفي عام 2019، دعت حركة حماس في قطاع غزة داعميها حول العالم لإرسال التبرعات لها عبر العملات المشفرة لتجنب المراقبة الدولية والعقوبات، بينما أشارت تقديرات في العام 2020 أن حزب الله لجأ أيضاً لاستخدام البتكوين على نحو أوسع.
إسرائيل تقول إن الأموال المصادرة نهاية شهر يوليو مصدرها الرئيسي إيران، وأنه جرى تحويلها بدايةً عبر خدمات الحوالة والوسطاء خارج البورصة، ثم إلى عناوين العملات الرقمية التي يسيطر عليها حزب الله. ويضيف الوزير غالانت بأن الوصول إلى تلك المحافظ الرقمية ومصادرة الأموال اعتمد على جهد وتعاون بين أجهزة أمنية مختلفة منها جهاز التجسس الإسرائيلي الموساد ومكتب المخابرات العسكرية والشرطة. المرجح أن إسرائيل استولت على تلك العملات عبر اختراق أجهزة حامليها.
في شهر مايو الماضي، أعلنت السلطات الإسرائيلية مصادرة نحو 190 محفظة رقمية على منصة باينانس منذ عام 2021 ادعت بأن أصحابها تربطهم صلات بحماس أو تنظيم داعش.
أحد الأسباب الرئيسية لرواج العملات الرقمية هو سريتها وإمكانية إخفاء هوية وعنوان حاملها وهو ما خلق انطباعاً أن الأمر أشبه بالغابة بلا قوانين. لكن الحكومات الغربية وعلى رأسهم الولايات المتحدة كثفوا نشاطهم في تتبع تداولات العملات المشفرة للاستيلاء على بعضها في حال كان مصدر تلك العملات أنشطة إجرامية مختلفة كالاختراق أو فايروس الفدية Ransomware.
لذلك، يلجأ بعض المتداولون لعدة طرق للتواري عن أعين السلطات، أحدهما تسمى Peel Chain وتعتمد على نقل العملة المشفرة في عدد كبير من عمليات التحويل للتعتيم على مصدرها وحاملها النهائي، والأخرى تسمى Cryptocurrency Mixer أي "خلاطات العملات المشفرة" وتعتمد على الحصول على معاملة من شخص ومن ثم الدفع لمحافظ مختلفة أو بعملات رقمية مختلفة في محاولة لفصل الإيداعات عن السحوبات.
الوقت والتكنولوجيا المتطورة عاملان مهمان للسلطات لتعقب ورصد العملات المشفرة قبل أن تتيه ويختفي أثرها. أحد أبرز المنتجات لتتبع معاملات العملة المشفرة هو TRM Forensics، الذي تستعمله الحكومة الأميركية لتتبع 26 سلسلة بلوكشين مختلفة. حيث يقوم البرنامج بإنتاج رسم بياني لتدفق الأموال وتحديد المحافظ التي وصلت إليها العملات الرقمية. بالإضافة لبرنامج Chainalysis Reactor الذي يعمل على مراقبة مستمرة لأصول مختلفة للعملات المشفرة بحيث يمكن المستخدم من معرفة ما إذا كانت محفظة معينة تنتمي إلى سوق مظلم، أو لتبادل عملة مشفرة عالي الخطورة، أو لكازينو عبر الإنترنت، بحسب نشرة التكنولوجيا لجامعة MIT الأميركية.
أكبر عملية مصادرة لعملات رقمية حصلت العام الماضي عندما ألقت السلطات الأميركية القبض على مواطنين في مدينة منهاتن والوصول لنحو 3.6 مليار دولار من العملات المشفرة التي تمت سرقتها عام 2016 من اختراق موقع Bitfinex للتداول الرقمي. المسألة ببساطة اعتمدت على الوصول لهوية صاحب المحفظة واعتقالهم ومصادرة أجهزتهم الشخصية ومن ثم العثور على ملف مشفر يحتوي على عناوين ورموز الوصول الشخصية. وفي بعض الحالات تقوم الأجهزة الأمنية بالحصول على رموز الوصول للعملات المشفرة من بعض المشتبه بهم ضمن صفقات لتخفيف الحكم.
وفي حالات أخرى، تقوم السلطات بالتقدم بطلب مباشر لمواقع تداول العملات المشفرة مثل موقع بينانس لتجميد بعض الأصول أو نقلها لمحفظة رقمية تابعة للحكومة. ويتوجب على تلك الشركات التعاون مع السلطات المحلية لتجنب فرض العقوبات أو منع أنشطة الشركة في الدولة المعنية، وفقاً لنشرة MIT.
أما الطريقة الثالثة فتعتمد على اختراق حامل العملة أو المحفظة الرقمية المستهدفة عبر اختراق خادم الشبكة "السيرفر" الذي يوصلهم بالإنترنت أو اختراق أجهزتهم الشخصية كالهاتف أو الحاسوب أو تجنيد مخبرين من محيطهم.
© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة