صراعات
.
جان مسيحة، خبير اقتصادي فرنسي من أصول مصرية، ولد بالقاهرة عام 1970 وانتقل مع عائلته للعيش في فرنسا في سن الثامنة. يروي مسيحة ليومية الليبيراسيون الفرنسية أنه حط رحاله بفرنسا وهو"لا يتقن كلمة باللغة المحلية". كانت معلمته بمدينة ميلوز شرقي البلاد تُجلسه بجانبها لتلقينه اللغة بينما تُدرّس هي باقي التلاميذ في الصف.
في عام 1990، حصل مسيحة على الجنسية الفرنسية وغيّر اسمه الشخصي من حسام بطرس إلى جان.
بالنسبة لمسيحة، لا مجال للتشكيك في هويته الفرنسية لأنه يرى نفسه فرنسيا أكثر من الفرنسيين أنفسهم. لكن صحفيين فرنسيين فاجأوه عام 2017 عندما وصفوه بـ "المهاجر" بالرغم من حصوله على الجنسية الفرنسية.
في خضم تلك "الصدمة"، حسب وصف مسيحة، اكتشف أن تعريف "المهاجر" بحسب المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية ينطبق على أي فرد ولد ببلد أجنبي، وهو وصف دائم يبقى مدى الحياة ولا يتغير مع الحصول على الجنسية الفرنسية.
كان مسيحة قد حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد وشغل مناصب حكومية في وزارة الدفاع، ثم انضم كمستشار لزعيمة حزب التجمع الوطني اليميني مارين لوبان ومنسق لحملاتها الانتخابية بين سنتي 2014 و2020.
تولى مسيحة رئاسة مؤسسة أبولو الفكرية منذ عام 2020 وفي 2022 شغل منصب المتحدث باسم المرشح الرئاسي إيريك زمور المنتمي إلى حزب أقصى اليمين.
المرشح الرئاسي السابق إيريك زمور المنتمي إلى حزب أقصى اليمين. أ ف ب
بالرغم من أن مسيحة ينحدر من عائلة مهاجرة ويُعتبر مهاجرا بحسب التعريف الرسمي للكلمة، إلا أنه يتبنى مواقف معادية للهجرة والمهاجرين.
في كثير من إطلالاته الإعلامية وفي تغريداته على التويتر، يُعبر عن رفضه لاستقبال فرنسا مزيد من المهاجرين بدعوى أن البلد ليس بحاجة لهم.
في نهاية يونيو، أطلق مسيحة حملة تبرع لدعم عائلة الشرطي الفرنسي المتهم بإطلاق النار على الشاب الفرنسي من أصول جزائرية نائل مرزوق، ذي 17 ربيعاً.
كتب مسيحة على موقع جمع التبرعات أن الشرطي الفرنسي الذي "كان يقوم بعمله يدفع الآن الثمن غاليا"، في إشارة إلى اعتقاله قيد التحقيق.
كان مسيحة يهدف في الأول من وراء حملته جمع 50 ألف يورو، لكن التبرعات تدفقت عليه لتصل إلى ما يقرب 1.5 مليون يورو.
في المقابل، بلغت التبرعات التي حصلت عليها والدة الضحية نائل 350 ألف يورو وهو مبلغ أقل بـ 5 مرات عن المبلغ الذي حصلت عليه عائلة الشرطي.
حصلت والدة الضحية نائل على مبلغ أقل بـ 5 مرات عن المبلغ الذي حصلت عليه عائلة الشرطي
خلق مسيحة جدلا واسعا في الأوساط الإعلامية وكذلك المجتمع الفرنسي بعدما تلقت حملته دعما واسعا، حيث خرجت بعض المنظمات الدولية التي تحارب خطاب الكراهية مستنكرة الخطوة التي قام بها.
فرع منظمة "سليبينغ تجاينتس" بفرنسا نشر تغريدة عبر حسابه بالتويتر يسائل فيها موقع جمع التبرعات عن قانونية الأموال التي تُجمع لعائلة الشرطي. وتعتبر الجمعية أن هذا النوع من الدعم المادي يشجع على خطاب الكراهية ويضفي شرعية على أعمال العنف.
إلى جانب ذلك، استنكر متتبعون آخرون حملة مسيحة، باعتبارها حملة تدعم متهما بالقتل العمد، ومنهم من أرسل بلاغا يخبر الموقع على أن الحملة غير قانونية.
وتعتبر قصة مسيحة نموذجاً لظاهرة متنامية في الغرب حيث يهاجم فيها المهاجرون بعضهم البعض. في فرنسا، مثلا، شارك فرنسيون من أصول لبنانية في مظاهرة يوم السبت 29 أبريل 2023، دعا إليها التيار الوطني الحر للمطالبة بإعادة اللاجئين السوريين في لبنان إلى بلادهم.
ردا على هذه المظاهرة، قال أحد الشبان السوريين لموقع درج: نحن "كلنا أجانب هنا، من يريد ترحيل السوري من لبنان وهو مقيم في هذه البلاد [فرنسا] كأجنبي، ليعد أدراجه إلى لبنان ويطالب من هناك بترحيل السوريين".
كما أعرب الشاب السوري للمصدر نفسه عن قلقه مضيفا أن "ما بدأ في لبنان قد ينتقل إلى فرنسا ويمسّنا نحن اللاجئين [بفرنسا]".
وبخصوص هذه الظاهرة الاجتماعية المتنامية، كتبت فيردا أتمان لموقع دير شبيغل الألماني مقالا مطولا تسرد فيه سيناريوهات تعكس كره بعض المهاجرين لأصولهم وتشرح سبب هذا السلوك المعادي للنفس.
استنادا لشرح أتمان، يلجأ المهاجرون إلى معادات مهاجرين آخرين مثلهم عندما يعم الإحساس بعدم الانتماء لهذه المجموعات. كما أن النظرة الدونية التي يتلقاها هؤلاء المهاجرون ترغمهم بالانفصال عن أصولهم العرقية والثقافية والدينية في محاولة للاندماج في نسيج المجتمع المستضيف.
وتلاحظ أتمان أنه من أجل الانصهار في المجتمع الألماني، تنغمس هذه الفئة من المهاجرين في بعض الممارسات التي تجعلهم يبدون ألمانا مثل شرب البيرة، وأكل لحم الخنزير، والضحك بصوت مرتفع عند سماع نكتة عن العنصرية أو حتى الانضمام إلى أحزاب اليمين المتطرف.
امتدت التظاهرات من ضاحية نانتير بالعاصمة الفرنسية باريس إلى مدينة ليل
لكن أتمان وغيرها مثل كدور الذين ناقشوا هذه القضية يرون أن هذه "هويات متخيلة" لأن هؤلاء المهاجرين سيظلون دائما مهاجرين في نظر الألمان، مثلما ينظر الفرنسيون إلى مسيحة كمهاجر عوض كفرنسي.
على إثر مقتل الشاب الفرنسي ذو الأصول جزائرية، امتدت التظاهرات من ضاحية نانتير بالعاصمة الفرنسية باريس إلى مدينة ليل شمالي البلاد ثم إلى مارسيليا بالجنوب كما تصاعدت الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين مما أدى إلى أحداث عنف وتخريب استدعت نشر المزيد من قوات الأمن بالبلاد.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة