صراعات
.
بعضهم يتسوّل في الميادين، وبعضهم الآخر لجأ لأنشطة غير قانونية لإخماد جوعه، وآخرون ينامون على الأرصفة في الشوارع، وأطفال كثر يتخلفون عن المدارس من شدّة الفقر والعوز، وطوابير طويلة في انتظار المساعدات الغذائية من المؤسسات الخيرية. هذا ليس حال فقراء بإحدى الدول النامية، بل هو مصير الآلاف من اللاجئين وطالبي اللجوء حاليا في اليونان، الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي وفق ما نقلت وكالة فرانس برس. فما القصة؟ وما دور الحكومة في انتشار الجوع والفقر بين صفوف اللاجئين؟
خلال العام 2015 تمّ إطلاق برنامج الدعم الطارئ للاندماج والإقامة في اليونان
تخيل إذا وصلت اليونان هاربا من حرب أو خطر على حياتك، وتقدمت بطلب الحماية الدولية كلاجئ، وانتظرت طويلا في مخيمات اللجوء المزرية والمتكدسة. وفي النهاية وصلتك أخبار إيجابية أخيرا بعد جلسات استماع وتحقيق عدة بأن طلب اللجوء قد تم قبوله. لكن في نفس الظرف، وصلك أمر بإخلاء مكانك في المعسكر خلال ٣٠ يوما بالإضافة لقطع أي مساعدات نقدية أو غذائية عنك بشكل فوري. وطُلِب منك البدء حالاً بالبحث عن عمل لإعالة نفسك، بالإضافة للسير في إجراءات بيروقراطية مطولة للحصول على الإقامة ورقم ضمان اجتماعي ووثائق السفر.
بحثت عن عمل؟ لكن الوضع الاقتصادي المنهك في البلاد وعدم اتقانك للغة اليونانية يجعلان الأمر صعبا. كيف سيكون حالك إذا لم تجد سبيل لكسب قوت يومك وتوفير إيجار غرفة وانتهت مدة الثلاثين يوماً؟
خلال العام 2015، تمّ إطلاق برنامج الدعم الطارئ للاندماج والإقامة في اليونان (ESTIA) بتمويل من الاتحاد الأوروبي وإشراف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بهدف تقديم السكن والمساعدة النقدية لللاجئين وطالبي اللجوء. لكن في أواخر عام 2020 تسلّمت الحكومة اليونانية إدارة المشروع من المفوضية الأممية وفي شهر ديسمبر الماضي أنهت الحكومة ذلك البرنامج. ادعى وزير الهجرة اليوناني آنذاك، نوتيس ميتاراشي، بأن "البرنامج قد أكمل مهمته" حينما قرر إنهاء تلك المساعدات وفقاً لفرانس برس.
ثمّ جاء قرار آخر للحكومة في منتصف شهر مايو بإيقاف الغذاء بشكل كامل عن أي شخص في مركز مافروفوني للوصول المغلق الخاضع للرقابة (CCAC) في جزيرة ليسفوس عدا طالبي اللجوء الحاليين. ما يعني أن أي شخص تم قبول أو رفض طلب لجوئه محروم من الطعام بالكامل، بما في ذلك أشخاص لا تستطيع الدولة ترحيلهم لتركيا أو مواطنهم الأصلية ومع ذلك ترفض منحهم حق اللجوء أو حتى السماح لهم بالعمل.
مثل هذه القرارات الحكومية تفاقم من مشكلتي الفقر والجوع في أوساط اللاجئين وطالبي اللجوء، وتأتي في ظلّ تبني الحكومة اليونانية لسياسيات وممارسات صارمة لردع وصول طالبي اللجوء الجدد، بما في ذلك بناء جدار حدودي مع تركيا وإفشال وصول قوارب الهجرة غير النظامية.
أي شخص تم قبول أو رفض طلب لجوئه محروم من الطعام بالكامل
نتائج سياسات الحكومة اليونانية "المتزمتة" كارثية، فبعض المنظمات الإغاثية تقول إن نحو 15 ألف لاجئ في العاصمة أثينا وحدها يفتقرون إلى وجبات طعام يومية ملائمة. بينما تفيد منظمة المساعدات الإنسانية Intersos بأنها قدّمت خلال الأشهر الـ١٨ الماضية الطعام لأكثر من 5 آلاف مهاجر ولاجئ في اليونان، وأنّ أكثر من نصف الذين يعتمدون على مساعدتهم هم من الأطفال القصر، وفق فرانس برس.
وتنقل وكالة الأنباء الفرنسية عن ماتينا ستاماتيادو، المشرفة على برنامج "الغذاء للجميع" في تلك المؤسسة غير الحكومية أن فريقها اضطر لإنشاء قائمة انتظار للراغبين في الحصول على الطعام. وتقول إنه في غضون عام واحد فقط، وصلت القائمة لأكثر من 2000 شخص. وتقوم مؤسسة Intersos بإعطاء الأولوية للأشخاص المستضعفين الذين يجدون أنفسهم في أوضاع صعبة للغاية، مثل الأمهات العازبات أو الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية خطيرة.
هذا الأمر دفع أكثر من أربعين مؤسسة حقوقية، من ضمنهم هيومن رايتس ووتش، لإرسال مناشدة عاجلة لقادة الاتحاد الأوروبي واليونان لاستئناف تقديم الطعام والشراب لللاجئين وطالبي اللجوء، وتوفير الضمانات الضرورية لحماية المستضعفين والأطفال من انعدام الأمن الغذائي.
نحو 15 ألف لاجئ في العاصمة أثينا وحدها يفتقرون إلى وجبات طعام يومية ملائمة
فهيمة، امرأة أفغانية عشرينية، وصلت اليونان منذ ٦ سنوات مع والدتها للتقدم بطلب اللجوء، ولكن انتهى بهم الحال في الشارع بعد إنهاء الحكومة لبرنامج ESTIA، وفقا لوكالة الأنباء الفرنسية. بعد أشهر عدة من البحث المرهق، تمكنت فهيمة وأمها من السكن في شقة استوديو صغيرة يتعين عليهم تقاسمها مع ٨ أشخاص آخرين.
ما يعقد الأمر هو أن فهيمة غير مسموح لها بالعمل لأنّ طلب لجوئها الذي تقدمت به تم رفضه قبيل وصول طالبان لسدة الحكم. وهي بالتالي محرومة من أي مساعدة من الدولة بما في ذلك الطعام، رغم أنّ اليونان غير قادرة على ترحيلها لبلادها مرة أخرى.
مناشدة عاجلة من منظمات لقادة الاتحاد الأوروبي واليونان لاستئناف تقديم الطعام والشراب لللاجئين وطالبي اللجوء
من جهتها، دينيز يوبو، (33 عاما)، من نيجريا والتي تعيل طفلين وحدها في أحد أفقر حارات أثينا، تروي للوكالة كيف نجحت في العثور على وظيفة عاملة تنظيف. لكن الراتب الذي تتقاضاه يبلغ نحو 550 دولارا شهريا، وتدفع منها نحو 400 دولار لإيجار منزلها، وينفد بقية الراتب قبل منتصف الشهر. لذلك، تلجأ للجمعيات الخيرية للحصول على الرز والعدس والقمح لسد جوع أطفالها خلال الشهر، لكنها لا تعلم ما سيؤول إليه حالها في الشهر التالي.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة