صراعات
.
راهن عليهم البيت الأبيض لإظهار تفوق الطريقة الأميركية في الحرب على النهج الروسي، فدرّبوا عشرات الآلاف منهم وجهّزوهم بأسلحة متطورة بالمليارات، ووضعوا آمالهم في أن ينجح الهجوم الأوكراني المضاد في تحرير الأراضي التي دخلتها روسيا، لكن في ساحة المعركة كانت النتيجة مخيبة لتلك للآمال.
كان ينظر لجنود الجيش الأوكراني المدربين على يد الأميركيين وحلفائهم الغربيين بتفاؤل كطليعة هجوم كبير، بحسب صحيفة نيويورك تايمز، لكن تلك القوات وجدت نفسها متورطة في حقول ألغام روسية كثيفة وتحت نيران مستمرة من المدفعية وطائرات الهليكوبتر الحربية.
بعض تلك الوحدات ضلت طريقها، وإحداها قامت بتأخير هجوم ليلي حتى الفجر دون تنسيق مع وحدة المدفعية التي هاجمت الروس في الموعد المحدد مسبقاً ما كشف غطاء الهجوم الليلي المؤجل.
تشرح الصحيفة هذا التخبط بالقول إن أداء وحدة أخرى من الوحدات المدربة غربياً كان سيئا للغاية لدرجة أن القادة أخرجوا تلك الوحدة من ساحة المعركة تماماً. فما القصة؟ ولماذا واجهت تلك الوحدات هذه العثرات في طريقها؟
تسعة ألوية تضم نحو 36 ألف جندي أوكراني درّبتها الولايات المتحدة ودول غربية ليكونوا على نفس المستوى القتالي لأعضاء الناتو. بالإضافة لإمداد أوكرانيا بحوالي 44 مليار دولار من الأسلحة المتطورة من الولايات المتحدة وحدها، كانت لدى الأميركيين ثقة بأن ذلك سيكون كافيا لشن هجوم مضاد على الطريقة الأميركية يجبر الروس على التراجع في المناطق التي يسيطرون عليها.
الكتائب التي دربها الغرب تلقت تدريبات لقرابة ٤ إلى ٦ أسابيع من التدريب المشترك على الأسلحة بحسب نيويورك تايمز. وبينما يرتكز الجيش الروسي إلى هيكل قيادي مركزي صارم، قام الأميركيون بتعليم الأوكرانيين تمكين كبار المجندين من اتخاذ قرارات سريعة في ساحة المعركة بالإضافة لاستخدام "تكتيكات الأسلحة المشتركة" الأميركية، وهي عبارة عن هجمات متزامنة من قبل قوات المشاة والدروع والمدفعية.
منذ سنوات، يعتمد الجيش الأوكراني على عقيدة دفاعية في ساحة المعركة بدلاً من الهجومية، وفقاً للصحيفة الأميركية، حيث عمل الانفصاليون المدعومون من روسيا في العقد الماضي على شن هجمات في شرق أوكرانيا. هذا الأمر آتى أكله في بداية الحرب الروسية العام الماضي، حيث استخدمت القوات الأوكرانية أسلوبها الدفاعي، وحرمت موسكو من النصر السريع الذي توقعته.
المسؤولون الغربيون يرون عكس ذلك، بحسب صحافيي نيويورك تايمز هيلين كوبر وإريك شميت الخبيران في الأمن القومي. يرى أولئك المسؤولون أن الأسلوب الأوكراني الدفاعي لإضعاف القوات الروسية عن طريق الاستنزاف مكلف للغاية ويهدد باستنفاذ مخزون الذخيرة في أوكرانيا. لذلك، اشتمل جزء كبير من التدريب على تعليم القوات الأوكرانية كيفية شن الهجوم بدلاً من البقاء في وضع الدفاع.
في شهر يوليو الماضي، أعلنت أوكرانيا رسمياً بدء الهجوم المضاد الأكبر لدحر الجيش الروسي في المناطق التي تسيطر عليها موسكو جنوبي وشرقي البلاد. كانت التوقعات مرتفعة، لكن النتائج كانت محبطة.
مسؤولون أميركيون وأوروبيون قالوا إن الجيش الأوكراني فقد في الأسبوعين الأولين من الهجوم المضاد فقط، نحو 20% من الأسلحة التي أرسلتها أوكرانيا إلى ساحة المعركة، بما في ذلك بعض الآلات القتالية الغربية الهائلة كالدبابات وناقلات الجند المدرعة التي كان الأوكرانيون يعتمدون عليها لدحر الروس. وتشير الصحيفة لتبني الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استراتيجية الصبر والاستنزاف للفوز على أوكرانيا وحلفائها من خلال إنهاكهم.
نتائج الهجوم المضاد المبكرة كانت مختلطة، بحسب الصحيفة الأميركية التي تقول بأنه بينما استعادت القوات الأوكرانية بعض القرى، إلا أنها لم تحقق مكاسب كاسحة مشابهة لتلك التي حققتها في الخريف الماضي في مدينتي خيرسون وخاركيف. يضيف الكاتبان بأن التدريب المعقد للأوكرانيين في المناورات الغربية لم يمنح الجنود الأوكرانيين سوى عزاء ضئيل في مواجهة وابل من المدفعية الروسية والألغام.
تنقل الصحيفة عن مسؤولين أميركيين ومحللين مستقلين بأن الألوية الأوكرانية التي دربها الغرب تتخلى الآن عن العقيدة الغربية في القتال والعودة للأساليب القديمة. حيث غير القادة العسكريون الأوكرانيون تكتيكاتهم، وركزوا على إنهاك القوات الروسية بالمدفعية والصواريخ بعيدة المدى بدلاً من الانغماس في حقول الألغام تحت النار.
ترفع أوكرانيا عدد القوات جنوبي البلاد، لكن الموجة الثانية من القوات المدربة من الغرب تقوم في الغالب بشن هجمات صغيرة لضرب الخطوط الروسية الدفاعية.
تغيّر العقيدة الأوكرانية القتالية وعودتها من الهجوم، إلى الدفاع والاستنزاف تقلق المسؤولين الأميركيين بحسب الصحفيين كوبر وشميت اللذان أشارا بأن تلك التكتيكات القديمة تخاطر باستهلاك إمدادات الذخيرة الثمينة، ما من شأنه أن يصب في مصلحة بوتين ويضر بأوكرانيا في حرب الاستنزاف.
في مداخلة عبر الفيديو في منتدى آسبن للأمن أواخر يوليو، أقر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأن هجوم بلاده المضاد لتحرير المناطق المحتلة كان يتقدم ببطء أكثر من المتوقع، لكن دون فشل الهجوم.
"كانت لدينا خطط لبدء ذلك في الربيع، لكننا لم نقم بذلك لأنه، بصراحة، لم يكن لدينا ما يكفي من الذخيرة والأسلحة وليس لدينا ما يكفي من الألوية المدربة بشكل صحيح، أعني مدربون بشكل صحيح على تلك الأسلحة"، يشرح زيلينسكي الوضع، بعد إقراره أن تأخر الجيش الأوركراني في البدء بعض الشيء أعطى لروسيا "الوقت لزراعة الألغام في كل أراضينا وبناء عدة خطوط دفاعية".
يوافق زيلينكسي في جزمه بعدم فشل الهجوم المضاد مايكل كوفمان الزميل البارز في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي الذي زار الخطوط الأمامية مؤخرًا بحسب نيويورك تايمز. حيث قال كوفمان "الهجوم المضاد نفسه لم يفشل. سيستمر الأمر لعدة أشهر في الخريف".
ما كان يحتاجه الجيش الأوكراني، أمور أخرى أكثر من الوقت الضيق الذي حصل عليه في التدريبات، يقول كوفمان "يمكن القول بأن المشكلة تكمن في الافتراض أنه بعد بضعة أشهر من التدريب، يمكن تحويل الوحدات الأوكرانية إلى قتال أكثر بالطريقة التي قد تقاتل بها القوات الأمريكية، وقيادة الهجوم ضد دفاع روسي جيد الإعداد، بدلاً من مساعدة الأوكرانيين على القتال بشكل أكبر بأفضل طريقة يعرفونها أنفسهم".
تنقل الصحيفة الأميركية عن بعض الخبراء العسكريين قولهم إن أوكرانيا قد تعود لطريقة الحرب الأميركية إذا نجحت في اختراق الدفاعات الروسية المتمترسة. لكن الخبراء يقرّون أن الهجوم أصعب من الدفاع، وهو ما ظهر العام الماضي عندما تخلت روسيا عن خططها الهجومية الأولية للتقدم نحو كييف
نيويورك تايمز نقلت عن القائد الأعلى السابق لقوات حلف شمال الأطلسي في أوروبا، فيليب بريدلوف، قوله "لا أعتقد أنهم سيتخلون عن تكتيكات الأسلحة المشتركة الأميركية. إذا تمكنوا من اجتياز خطوط الدفاع الأول أو الثاني أو الثالث، أعتقد أنك سترى استخدام الأسلحة المشتركة".
زرع الروس ألغاما على طول جبهة تمتد آلاف الأميال، وهو ما شكّل ضربة للهجوم الأوكراني المضاد الذي كان منتظرا. رويترز
مستشار الأمن القومي للرئيس بايدن، جايك سوليفان، حاول من تهدئة المخاوف حيال أداء الهجوم الأوكراني المضاد في منتدى آسبن، حيث قال "تمتلك أوكرانيا قدرا كبيرا من القوة القتالية التي لم تقم باستخدامها بعد في القتال، وتحاول اختيار اللحظة المناسبة لاستخدام تلك القوة القتالية عندما يكون لها أقصى تأثير على ساحة المعركة".
لكن الصحيفة الأميركية تقول إن تلك اللحظة يبدو أنها قد جاءت بالفعل الأسبوع الماضي عندما صعدت أوكرانيا هجومها المضاد بشكل كبير من خلال دفعين جنوبيين استهدفا على ما يبدو مدنا في منطقة زابوروجيا، وهما مدينة ميليتوبول بالقرب من بحر آزوف وبيرديانسك إلى الشرق على ساحل آزوف. لكن في كلتا الحالتين، تقدم الأوكرانيون بضعة أميال فقط ولديهم العشرات من الأميال المتبقية ليقطعوها.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة