صراعات
.
إذا مررت بمدينتي مانهايم ومورشينتش الألمانيتين، فأول ما قد يخطر ببالك هو أفلام الزومبي أو الرعب الهوليودية. الشوارع خالية تماماً من البشر، المحلات التجارية فارغة، الطريق الأسفلتي مدمر، أضواء الإنارة معطلة، والمنازل المهجورة ستائرها مغلقة أو نوافذها مغطاة بالأخشاب، ويحيط بعضها، التي لا تزال في حالة جيدة، أسلاك شائكة. كنيسة القرية الكاثوليكية مهجورة ونوافذها مؤصدة أيضاً بالأخشاب.
لا توجد أي مظاهر حياة في "قرى الأشباح" تلك، الواقعة في ولاية شمال الراين وستفاليا غربي ألمانيا بحسب وكالة دويتشه فيله.
لكنك إذا دققت النظر في تلك البيوت لوهلة، فقد ترى ملصقات ورقية بيضاء مثبتة على أبواب بعضها تشير إلى سكان جدد مؤقتين في مدينة الأشباح مورشينتش. هم من اللاجئين ومعظمهم من أوكرانيا، وضعتهم السلطات الألمانية في تلك القرى. فما القصة؟ وهل انتهى شهر العسل للاجئين الأوكرانيين في أوروبا؟
إذا فتحت تطبيق خرائط غوغل لإلقاء نظرة على ولاية شمال الراين وستفاليا الألمانية، فستلاحظ ثلاث بقع باهتة كبيرة تمثل مناجم مفتوحة ضخمة وهي هامباخ وجارزويلر وإندن.
شركة الطاقة الألمانية RWE العملاقة تقوم باستخراج الفحم البني "الليجنايت" من تلك المناطق. البلدات والقرى المجاورة لهذه المناجم أصبحت مهجورة منذ سنوات، كان من المقرر هدم تلك المدن المهجورة لإفساح المجال للمزيد من التعدين. لكن دويتشه فيله تقول إن قرار الحكومة الألمانية بالتخلص التدريجي من الفحم والتوقف عن استخراجه بشكل كامل بحلول العام 2038 يجعل مستقبل تلك القرى مجهول.
قريتي مورشينيتش ومانهايم الشبحيتين مثلاً يقعان بالقرب من منجم هامباخ وكان من المقرر هدمهما حيث اشترت شركة RWE البيوت من السكان الذين هجروا قريتهم. لكن منجم هامباخ الذي افتتح عام 1978 يفترض أن يتم إغلاقه بحلول عام 2030، وتقرر إلغاء هدم مورشينيتش بحسب ما تقوله شركة RWE.
منازل
تنقل الوكالة الألمانية عن المتحدث باسم الشركة قوله "لقد جعلنا المنازل والشقق المعنية، والتي اشتريناها سابقا من العائلات المعاد توطينها، متاحة للأشخاص الذين هم في حاجة ماسة إلى سقف فوق رؤوسهم بناءً على طلب السلطات المحلية".
اللافتة الورقية على إحدى البيوت في قرية مورشينيتش الشبحية كُتب عليها بضع كلمات باللغتين الأوكرانية والعربية. في ذلك المنزل الذي عادةً ما يتسع لعائلة واحدة فقط يوجد العديد من اللاجئين: أسرة أوكرانية من الدونباس، وعدد من اللاجئين السوريين.
العائلة الأوكرانية تسكن في هذا المنزل المهجور منذ شهر ديسمبر في العام الماضي، بعد أن وصلت ألمانيا بسيارتهم التي تركوها بجوار المنزل، ولا تزال تحمل أرقاما أوكرانية.
تنقل الصحيفة الألمانية عن الزوج دينيس، قوله "نحن لا نشكو على الإطلاق. لدينا كهرباء ومياه وتدفئة، وحتى الإنترنت. يمكننا الاتصال بوطننا في أوكرانيا. يأتي الأشخاص الذين يعملون لدى السلطات المحلية كل أسبوع لمساعدتنا في الأعمال الورقية. نحصل على مزايا الرعاية الاجتماعية بانتظام. الشيء الوحيد الذي لم نحصل عليه حتى الآن هو دورات اللغة".
تشرح الزوجة جوليا، للموقع الألماني، بأنها لا تنزعج من افتقار القرية لأي محلات أو صيدليات أو أطباء، فهي تقوم بالسفر للقرى المجاورة للتسوق بالسيارة.
"عندما وصلنا إلى هنا لأول مرة، لم يكن هناك أي شيء واضح لنا. في وقت لاحق، أوضح لنا أحدهم ما طبيعة هذا المكان. لكن في الوطن في أوكرانيا، كنا تحت النار لمدة ثلاثة أشهر، وهنا يسود السلام"، تقول الزوجة.
العديد من العائلات الأوكرانية اللاجئة تسكن تلك القرية، ويراهم دينيس وجوليا عندما تأتي السلطات المحلية أو عندما يخرجون في نزهة على الأقدام. وتنقل دويتشه فيله عن جوليا "يبدو الأمر مملًا هنا للوهلة الأولى، لكننا نذهب لقطف التوت"، بينما يقول دينيس "أحيانًا نذهب إلى المدينة، لكن الصوت مرتفع جدا لدرجة أننا نشعر بالسعادة عندما نعود إلى القرية".
عائلة أوكرانية أخرى تقول للصحيفة الألمانية أنهم كانوا في بولندا لفترة طويلة، لكنهم رأوا على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تفيد بإمكانية ذهابهم لمنطقة بوخوم الألمانية والتي سترسلهم لمدينة رئيسية مثل دوسلدورف أو كولونيا. لكن عندما توجهوا لألمانيا، أرسلتهم السلطات لبلدة إيركيلينز الصغيرة، ثم إلى قرية كينبيرج في الغرب.
كينبيرج هي أيضاً قرية مهجورة تبعد عن مورشينيتش نحو نصف ساعة بالسيارة. القرية تركها أكثر من 80% من سكانها وهي قريبة من منجم فحم آخر يسمى جارزويلر 2، وقد اشترت شركات الطاقة المنازل من سكانها تمهيداً لهدمها. وتقول DW بأنه للوهلة الأولى، تبدو كينبيرج تماماً مثل القرى الأخرى المهجورة، نفس الشوارع الضيقة مع صفوف من المنازل المبنية جيداً تحيط بكنيسة كاثوليكية، ولكنها جميعاً فارغة.
مناجم الفحم الألمانية العملاقة التي تواجه قرارات بالإغلاق، لكن منازل مدنها تستقبل الآن اللاجئين الأوكرانيين وبعض السوريين. أ ب
على بعد أمتار قليلة من الطريق يوجد مبنى مدرسة، والذي تقول الصحيفة بأن عدة أشخاص يخرجون منه فجأة، يحملون الكراسي معهم ويضعونها في باحة المدرسة في يوم حار. بعضهم من سوريا والبعض الآخر من أوكرانيا. وقد تم تخصيص تلك المدرسة القديمة لهم كمسكن بالإضافة للعديد من منازل القرية.
ما يجعل كينبيرج أفضل نسبياً من غيرها من القرى المهجورة هو أنها لا تزال تتمتع بخدمة وسائل النقل العام. فبجوار المدرسة، يوجد موقف للحافلات مع جدول زمني. ويوجد أيضاً مخبز مقابل الكنيسة، على بابه مكتوب ساعات العمل التي لا تتجاوز بضع ساعات فقط في بعض أيام الأسبوع. لكن كحال باقي القرى المهجورة المجاورة، لم تعد هناك متاجر أو صيدليات في كينبيرج.
العائلة الأوكرانية التي تحدثت معها DW تقول بأنهم يحبون القرية على الرغم من إصابتهم بالذعر في البداية. "الوضع هنا أفضل من الاستلقاء على شيالة في صالة للألعاب الرياضية في مكان ما"، كما يقولون، وهم يفكرون في معارفهم الذين ما زالوا يعيشون على هذا النحو.
وتقول الصحيفة بأن العائلة لا تفكر بالعودة لأوكرانيا طالما استمرت الحرب وقد يبقون في ألمانيا حتى بعد انتهاء الحرب. حيث يقولون "دعونا نرى، في الوقت الحالي كل شيء على ما يرام. لن يتم هدم القرية. ربما سنبقى هنا إذا سُمح لنا بذلك".
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة