صراعات‎

الأطفال.. سلاح في الحرب والسلم بزعم "الاستيعاب الثقافي"

نشر

.

Alaa Osman

في السينما تظهر المدرسة الداخلية عادة كمكان موحش يمقته الأطفال، حيث يمضون ساعات اليوم في معاناة مع قسوة الأساتذة وصعوبة المواد الدراسية.

على أرض الواقع، في بعض الأحيان تصبح المدرسة الداخلية مصدرا حقيقيا للقلق، لا للطلاب فقط بل لذويهم ومجتمعاتهم المحلية وحتى بعض الفاعلين الدولين، فعلى سبيل المثال، أعلنت الولايات المتحدة الثلاثاء الفائت أنها بصدد تطبيق بعض العقوبات على مسؤولين صينيين يعتقد أنهم تورطوا في تنفيذ سياسات "استيعاب قسري" ضد الأطفال المنتمين للأقلية التبتية، حيث يعتقد أن حوالي مليون طفل فصلوا عن عائلاتهم وانضموا إلى مدارس داخلية إلزامية، لا تُدرس باستخدام لغتهم الأصلية أو تتقاطع مع أي من مفردات ثقافتهم.

وفقا للخارجية الأميركية تسعى تلك السياسات للقضاء على التقاليد اللغوية والثقافية والدينية للتيبت من أجيال الشباب الجدد.

إلا أن ليست المرة الأولى التي يسقط فيها الأطفال واليافعين في خضم صراع ثقافي أو عسكري بين دولتين أو ثقافتين تسعى إحداهما لإحراز نقاط على حساب الأخرى.

فمنذ عصور الاستعمار واستكشاف العالم الجديد، امتلأت ردهات المدارس الداخلية بأصوات أطفال ينطقون خلسة بألسنتهم الأصلية، بعض هؤلاء لم ينجو من الأنظمة الصارمة وقضوا خلف أسوار مدارس إعادة التوجيه الثقافي.

ترى الخارجية الأميركية أن تلك السياسات تسعى للقضاء على التقاليد اللغوية والثقافية والدينية للتيبت. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)

صمت إجباري

في منطقة التبت التي تحظى بالأغلبية البوذية، لم تعد المدارس الريفية البسيطة جزءا يعول عليه من العملية التعليمية للأطفال، إذ أن أغلب تلك المواقع قد أغلقت بالفعل من قبل السلطات الصينية واستُبدلت بمدارس أكبر في المقاطعات.

التغيير إيجابي في الكثير من الأحيان، إلا أن خبراء الأمم المتحدة لا يرونه كذلك، بالتحديد في تقرير صدر في فبراير من العام الجاري، مؤكدا أن الأطفال باتوا يدرسوا في المدارس الداخلية الكبيرة، التي عادة ما تقع بعيدا عن منازل عائلاتهم، وتستخدم في الدراسة والتواصل لغة الماندرين مما يشكل صعوبة في تواصل هؤلاء الأطفال مع ذويهم الذين يتحدثون بلغة مختلفة لدى عودتهم لمنازلهم، مما يخلف حالة من الصمت بين أجيال التبتيين ويتسبب في "تآكل هوياتهم".

بحسب التقرير الأممي يعتقد أن حوالي مليون طفل من الأقلية التبتية أُلحق بأحد تلك المدارس، وهو الأمر الذي لا يندرج في سياق المصادفة وإنما برنامج إلزامي واسع النطاق، يستهدف استيعاب التبتيين في ثقافة الهان التي ينتمي لها الأغلبية في الصين.

قبور صغيرة

في الجهة الأخرى من العالم، بالتحديد على أراضي قارة أميركا الشمالية، تأسست لجنة الحقيقة والمصالحة الكندية في العام ٢٠٠٨، بهدف جمع الشهادات من هؤلاء الذين نجوا من أنظمة مدرسي مشابه، طبقته السلطات المحلية والكنسية، بين عامي ١٨٨٣ و ١٩٩٧ حيث أُرسل حوالي ١٥٠ ألف طفل من السكان الأصليين إلى مدارس داخلية، في بعض الأحيان بغير رغبتهم وبعيدا عن منازل ذويهم، حيث تعرضوا لما سُمي بعمليات "استيعاب ثقافي" استهدفت هويتهم الأصلية.

لاحقا قدرت اللجنة الحكومية الكندية في تقريرها النهائي في العام ٢٠١٥ أن نظام المدارس الداخلية الذي طُبق في أواخر القرن التاسع عشر شكل ما يشبه "الإبادة الثقافية".

قدرت اللجنة الحكومية الكندية أن نظام المدارس الداخلية شكل ما يشبه "الإبادة الثقافية". (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)

إلا أن هناك جانب آخر من القصة عززته شهادات ٦٧٥٠ شخص من الناجين من تلك المدارس، إذ بات يُعثر على مقابر جماعية في باحات المدارس الداخلية تتضمن رفات مئات من الصغار الذين سكنوا ردهات المدارس، بحسب مجلة Scientific American عانى الأطفال من ظروف معيشية صعبة وأعمال شاقة وسوء تغذية بالإضافة لمعاناتهم الثقافية.

في باحات ٤ فقط من تلك المدارس عثر على حوالي ١٣٠٠ قبر بدون معالم، فيما تقدر لجنة الحقيقة والمصالحة أن تكون أعداد القبور غير المكتشفة أكبر من ذلك.

عبر الحدود

على السطح، يبدو الصراع الروسي الأوكراني عسكري بامتياز، إلا أن بعض التفاصيل المتعلقة بمعيشة الأطفال والمراهقين في ظل الصراع تلقي بالضوء على الجانب الثقافي من الأزمة حيث تتهم الحكومة الأوكرانية روسيا بنقل حوالي ١٩ ألف طفل أوكراني إلى أراضيها على نحو غير قانوني، الأمر الذي لا تنفيه روسيا تماما ولكنها تؤكد أنه يتم في إطار توفير ملاذ آمن للأطفال من القتال المشتعل على الجهة الأخرى من الحدود، وتقدر روسيا عدد هؤلاء الأطفال الذين عبروا إلى البلاد بنحو ٧٠٠ ألف طفل.

في المعسكرات يتلقى الأطفال الأوكرانيون مناهج دراسية عن روسيا. (المصدر: وكالة أسوشيتد برس)

لكن المحكمة الجنائية الدولية نظرت للأمر باعتباره "جريمة حرب" حيث أصدرت مذكرة اعتقال ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتهمة الترحيل غير القانوني للأطفال من المناطق الأوكرانية المحتلة، بالإضافة إلى توجيه التهمة ذاتها لمسؤولين روسيين أخرين.

وبحسب بعض التقارير الأميركية، يعتقد أن بعض من الأطفال الأوكرانيين يرسلون في روسيا لمعسكرات خاصة يخضعون فيها لدروس تتضمن التاريخ الروسي وتستهدف محاولة إعادة توجيه هؤلاء الأطفال ثقافيا، ويقدر عدد تلك المعسكرات المتخصصة بحوالي ٤٣ معسكر.

حمل التطبيق

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة