قصة "صلاة" أشعلت فتنة في إسرائيل

ميدان نجمة تل أبيب سمي بـ"زينا ديزنغوف" تيمناً بزوجة عمدة تل أبيب الأول.

لفترة من الزمن، تجنب الإسرائيليون الميدان بسبب انتشار الدعارة والمخدرات في محيطه، لكن بلدية المدينة أعادت ترميمه في 2016 وأصبح أحد أكثر المناطق شعبية في تل أبيب.

شارع ديزنغوف يعتبر أحد المناطق الشهيرة للسائحين لاحتوائه على مطاعم ومولات تجارية، وغالبية سكان المنطقة هم من الليبراليين العلمانيين.

المظاهرات الإسرائيلية المعارضة لحكومة نتنياهو تنطلق عادةً من ميدان ديزنغوف حتى ميدان كابلان.

لهذا السبب، اختيار منظمة دينية متشددة من مستوطني الخليل المحتلة لميدان ديزنغوف لعقد صلاة يوم الغفران اعتبره الكثيرون استفزازاً متعمداً في عقر دار المعارضة والتيارات الليبرالية، خاصة مع إصرار منظمي الفعالية على الفصل بين الجنسين في مكان عام.

في العام الماضي مثلاً، أقيمت صلاة يوم الغفران في نفس الميدان لكن بحشود مختلطة بين الجنسين، ولم تسجل أية مشاكل أو اعتراضات.

لذلك قال رئيس المعارضة بيني غانتس "لمدة 75 عامًا، تمكنت المجتمعات من احترام بعضها البعض على الرغم من اختلافاتها، ولم تدخل السياسة في يوم الغفران. والآن، من قرر تفريقنا نجح في تدنيس هذا اليوم المقدس بالإكراه والكراهية غير المبررة".

بينما شبه رئيس حزب إسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان الفصل بين الجنسين في ديزنغوف بما تفعله الحكومة الإيرانية، قائلا "هذه الحكومة هي أسوأ ما حدث لليهودية في السنوات الـ 75 الماضية، وهذا ما فعلته الجمهورية الإسلامية بالإسلام في إيران".

أضاف في تغريدة أخرى "من المحتمل أن تكون الخطوة التالية للحكومة في المؤتمر الشتوي المقبل هي تقديم مشروع قانون بشأن إنشاء شرطة الأخلاق".

"اليساريون الإسرائيليون يقومون بأعمال شغب ضد المصلّين من اليهود (المتدينين والعلمانيين) في يوم الغفران، ثم يبررون هذا العنف ويلومون ضحاياهم. إنه مشابه لما فعله معادو السامية في أوروبا بإلقاء اللوم على اليهود بعد ارتكاب المذابح ضدهم"، كتب تلك الكلمات يائير نتنياهو، نجل رئيس الوزراء، على فيسبوك يوم الثلاثاء.

سرعان ما انضم نتنياهو الأب لابنه وكتب تغريدة يهاجم فيها المعارضة (ثم مسحها)، قال فيها: "لدهشتنا، في الدولة اليهودية بالتحديد، في أقدس يوم للشعب اليهودي، قام المتظاهرون اليساريون بأعمال شغب ضد اليهود أثناء صلواتهم".

وأضاف "يبدو أنه لا توجد أعراف ولا حدود لكراهية المتطرفين في اليسار. وأنا، مثل غالبية المواطنين الإسرائيليين، أرفض ذلك. لا مكان لمثل هذا السلوك العنيف بيننا".

هذه التصريحات أثارت غضب المعارضة ودفعت قادتها لاتهام نتنياهو وحكومته بـ"التحريض" و"نشر الفتنة" و"تأجيج النار" وجر البلاد لـ"حرب بين الأشقاء" على حد تعبير رئيس الوزراء السابق يائير لابيد ووزير الدفاع السابق بيني غانتس.

في خطوة نادرة، قام بعض قادة الاحتجاجات ضد حكومة نتنياهو بالتوقيع على رسالة مفتوحة ليلة الثلاثاء 26 سبتمبر، تنتقد المتظاهرين الذين قاموا بمقاطعة الفصل بين الجنسين في صلاة يوم الغفران.

"ندين بشدة أي استخدام للعنف. لن نتصرف بعنف ولن نرفع أيدينا أبداً. لن نتولى دور الشرطة أو المحكمة حتى عندما تتألم قلوبنا وبالتأكيد ليس في يوم الغفران، اليوم الذي يوحدنا جميعا"، هكذا قالت الرسالة بحسب صحيفة هآرتس.

هذه الرسالة صنعت شرخاً في صفوف المعارضة الإسرائيلية وقسمهم لفريقين.

الفريق الأول يرى ضرورة نبذ العنف حقناً للدماء ومنع إشعال انقسامات أعمق في المجتمع الإسرائيلي بين المتدينين والعلمانيين.

ويرى الفريق الآخر أن المتظاهرين ضد الفصل بين الجنسين في ديزنغوف لم يقوموا بأي أعمال عنف ويجب دعمهم بدلاً من انتقادهم، لأن إدانتهم بهذا الشكل ستضعف الإقبال الجماهيري على المظاهرات.

"في يوم الغفران رأينا كارهين يحاولون طرد اليهودية من المجال العام. إسرائيل دولة يهودية! وديمقراطية. وفي يوم الخميس (28 سبتمبر) سأقيم صلاة مسائية في ميدان ديزنغوف؛ الجمهور مدعو!" هكذا غرد وزير الأمن المتطرف إيتمار بن غفير اعتراضاً على مقاطعة الإسرائيليين العلمانيين للفصل بين الجنسين في الصلاة في مكان عام.

دعوى بن غفير تلك جلبت له الانتقادات حتى من أقرب حلفائه باللعب بالنار واستخدام الصلاة كأداة للقتال والمشاحنة.

النائب من حزب الصهيونية الدينية سمحا روتمان مهندس الإصلاحات القضائية قال بأن دعوى بن غفير تلك "غير مرغوب فيها وستؤدي إلى اتساع نطاق الكراهية".

بينما ناشد عضو الكنيست عوهاد طال من نفس الحزب بن غفير قائلاً: "إيتمار، تحمل المسؤولية وألغي الحدث يوم الخميس. لا ينبغي أن تكون الصلاة ساحة معركة. لن يتم بناء اليهودية بهذا الاستفزاز غير الضروري. لا تمنحوا حفنة من مثيري الشغب الشرعية لأفعالهم".

ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن قيادي في حزب الليكود قوله إن إعلان بن غفير "سلوك طفولي من جانب وزير كبير منشغل بالاستفزازات والعلاقات العامة. بن غفير عبء على الحكومة ولن تدوم معه. لن تتمكن أي حكومة من البقاء لفترة طويلة مع محرض مثله".

المعارضة كان لها حيلة أخرى لضد بن غفير وهي الدعوى لتجاهله ببساطة.

كتب رئيس الوزراء السابق يائير لابيد "أعود وأقترح على الجميع عدم الحضور للاحتجاج ضد بن غفير. دعه يقف هناك مع لافاميليا ليحتجوا على أنفسهم. ليس هناك عقوبة أكبر من تجاهل هذا المريض الإعلاني. بعد كل شيء، لقد جاء بحثًا عن قتال، فلماذا إعطاؤه ذلك؟".

وبالفعل أعلن قادة المظاهرات تغيير مكان عقد فعالية احتجاجية ضد بن غفير لمكان آخر غير ميدان ديزنغوف، وهو ما دفع وزير الأمن المتطرف في النهاية لإلغاء الفعالية التي دعى لها، قائلاً بأن "الرسالة وصلت" لحفظ ماء وجهه.

بن غفير كتب في تغريدة مطولة بأنه عدل عن تنظيم تلك المسيرة بعدما قام قادة الاحتجاجات بالتوقيع على الرسالة النابذة للعنف وهو ما اعتبره تعهداً منهم "أنهم لن يكرروا بعد الآن النشاط المعادي للسامية الذي قاموا به في يوم الغفران".

وأضاف وزير الأمن "أنا سعيد لأن اليسار المتطرف أدرك أنه لم يعد هناك مكان لمعاداة السامية ضد اليهود في قلب تل أبيب. لدينا دولة يهودية واحدة – حيث سيتمكن اليهود دائمًا من الصلاة في الأماكن العامة، وقتما يريدون، وأينما يريدون".