جس نبض أم خوف من الاجتياح: ما سر التوغلات الـ4 في غزة؟

أول التوغلات الإسرائيلية في غزة تمت بشكل سري نهاية الأسبوع الأول للحرب، حينها، أعلن حينها الجيش الإسرائيلي أنه أرسل قوة خاصة داخل غزة في منطقة قريبة من الحدود مستترين بظلام الليل والقصف العنيف، وأن تلك القوة نجحت في الوصول لجثامين قتلى إسرائيليين نقلوا لغزة يوم السابع من أكتوبر.

لم يعلن الجيش بالتحديد عن منطقة التوغل تلك.

أما التوغل الثاني، فحدث في كمين خانيونس الذي أودى بحياة جندي وإصابة ثلاثة، وضم ذلك التوغل قوات خاصة من الجيش الأميركي بحسب العقيد الأميركي ماكجريجور الذي عمل مستشاراً للبنتاغون ورشحه الرئيس ترامب لمنصب سفير الولايات المتحدة لألمانيا.

التوغلان الآخران قام بهما الجيش الإسرائيلي في أقصى شمال غزة على أطراف منطقتي بيت حانون وبيت لاهيا، وفي المرتين لم يدخل سوى لعمق أقل من كيلومتر واحد.

صباح يوم الجمعة، نشر الجيش الإسرائيلي مقطعاً يصور توغل دباباته داخل قطاع غزة من جهة الشمال وقيامها مع طائرات مسيرة وهجومية بشن هجمات على العديد منصات إطلاق صواريخ مضادة للدبابات ومراكز قيادة وتحكم وعناصر تابعة لحركة حماس على حد زعم الجيش الذي قال بأن قواته غادرت دون وقوع أي إصابات.

وبالمثل، نشر الجيش مقطعاً مشابهاً في اليوم السابق يظهر دخول أعداد كبيرة من الدبابات والجرافات العسكرية إلى داخل غزة من جهة الشمال.

الجيش الإسرائيلي تباهى بالمقطعين كإنجاز كبير لخروج قواته دون خسائر. لكن في التسجيلات، يظهر دخول قوات الجيش بضعة أمتار في الأراضي الفارغة التي تسبق البيئة العمرانية في غزة.

تلك المناطق التي توغلت فيها إسرائيل هي في العادة واقعة ضمن نطاق ما تسميه بالمنطقة العازلة، وهي منطقة تمتد لنحو 300-500 متر داخل غزة نفسها على طول الشريط الحدودي مع إسرائيل لا يسمح بالبناء فيها أو الزراعة في معظمها.

لذلك، فهي ليست بالمنطقة التي من المرجح أن تتعرض فيها القوات الإسرائيلي لهجمات من الأنفاق أو اشتباكات مسلحة.

حتى قبل الحرب، اعتاد الجيش الإسرائيلي على التوغل في تلك المناطق الحدودية العازلة بشكل دوري، دون وقوع اشتباكات مسلحة مع الفصائل الموجودة في غزة.

في ظهر يوم الجمعة أصدرت كتائب القسام التابعة لحركة حماس بياناً قالت فيه إن الجيش الإسرائيلي حاول التسلل لمدينة رفح جنوبي غزة عبر البحر وأن قوات القسام اعترضتهم واشتبكت معهم، ما استدعى تدخلاً من سلاح الجو الإسرائيلي لإخلاء قواتها التي تركت خلفها كمية من الذخيرة.

الجيش الإسرائيلي لم يعلن بعد عن أي تفاصيل متعلقة بهذا الهجوم.

هذا الأمر أكده المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي جوناثان كورنيوس حينما قال بأن الجيش لم يتوغل في غزة سوى لمسافة ميل واحد على أقصى تقدير، ولم يخرج الجنود من دباباتهم العسكرية، وكانوا تحت حماية غطاء جوي من الطائرات الحربية والمسيرات.

أضاف جوناثان بأن لا يوجد أي أشخاص في تلك المنطقة التي توغل فيها الجيش لأنها تعتبر "ضاحية الضاحية في قطاع غزة" أي أقصى أطراف المدينة.

كورنيوس قال إن الجيش تجنب في تلك التوغلات المناطق التي جهزت فيها حماس كمائن وألغام وأنفاق وغيرها من المضادات للاجتياح، وأنه لم يأتِ بعد قرار بالدخول في تلك المناطق.

أحد أهداف تلك التوغلات بحسب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي جوناثان كورنيوس هي تحضير "وتجهيز الميدان لأنشطة قتالية مستقبلية".

أما بيتر ليرنر المتحدث الآخر باسم الجيش، فأخبر سي إن إن بأن هدف التوغلات هو "عملية واضحة وشاملة تهدف إلى إيجاد شروط أفضل للعمليات البرية إذا حدث ذلك ومتى حدث ذلك"، أي بمعنى تمشيط المنطقة وتهيئتها للاحتياج والاشتباك مع قوات حماس.

صحيفة نيويورك تايمز تقول إن الجيش الإسرائيلي أتم تجهيزاته العملياتية لبدء اجتياح غزة برياً بشكل رسمي، لكن المستوى السياسي المنقسم لم يقرر رأيه بعد ولم يقم رئيس الوزراء نتنياهو بإعطاء الضوء الأخضر للجيش للدخول في القطاع المحاصر.

بعض الخبراء يقولون بأن هذا الأمر يعود جزئياً للضغط على الحكومة الإسرائيلية لإعطاء فرصة لمفاوضات تحرير الرهائن قبل الدخول البري الذي سيجعل من تلك المهمة أمراً شبه مستحيل. وخبراء آخرون يقولون بأن الغزو البري يتم تأجيله لحين وصول تعزيزات أميركية للمنطقة لتأمين إسرائيل في حال نشوب حرب متعددة الجبهات.

لكن في الوقت نفسه، لا يخفي السياسيون الإسرائيليون خوفهم مما قد يعنيه الاجتياح البري لغزة في المدى القريب من حيث عدد قتلى وخسائر الجيش المرتفعة، أو في المدى البعيد من حيث عدم توفر خطة لما سيأتي بعد الحرب.

فمثلاً، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت قال في الأسبوع الأول لبدء الحرب بأن "كل ما تتخيله وأسوء" ينتظر الجنود الإسرائيليين في غزة.

بحسب استطلاع رأي نشرته صحيفة هآرتس يوم الجمعة، فإن ما يقارب نصف الشعب الإسرائيلي لا يؤيدون اجتياحاً برياً لغزة، ونحو 22% من الإسرائيليين لم يحسموا قرارهم بعد، بينما فقط حوالي 29% يؤيدون الاجتياح البري الفوري غزة.

الصحيفة تقول بأن ملف الرهائن والأسرى في غزة هو أحد أهم العوامل التي تفسر هذا التغير في الرأي العام في إسرائيل.

في عام 1993، تم إسقاط 3 طائرات بلاك هوك مروحية أميركية فوق العاصمة الصومالية مقديشو، واندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات التحالف الوطني الصومالي والقوات الأميركية عند محاولتها الوصول لحطام الطائرات والناجين منها، ما أدى لمقتل نحو 300 صومالي و18 أميركي وإصابة 73 أميركي.

الجنرال الأميركي ديفيد بتريوس أحد أبرز من قادوا غزو العراق وأفغانستان شبّه ما قد يحدث للجيش الإسرائيلي في حال اجتياحه غزة برياً بأن سيكون أضعاف مضاعفة لمعركة مقديشو، من حيث الكمائن والمتفجرات والأنفاق والألغام وحرب عصابات الشوارع، وهو ما قد يعني أعداداً هائلة من القتلى نتيجة للمعارك التي ستندلع في حال وقوع الهجوم البري.