"ذهب مغشوش" على طرق تهريب البشر في تركيا

قبل ثلاثة أشهر تلقت السيدة السورية مريم الصالح اتصالاً هاتفياً من ابنها محمد، وأبلغها أن السلطات التركية أوقفته في سجن مدينة إزمير الساحلية.

للوهلة الأولى اعتقدت الصالح كما تقول لبلينكس، إن التوقيف ربما يرتبط بأوراق قانونية أو بمشاكل أخرى تتعلق ببطاقة "الحماية المؤقتة" الخاصة بمحمد، لكن القصة تبيّن أنها أكبر من ذلك بكثير.

أخبرها المحامي الذي وكلته في اليوم التالي لمتابعة قضية ابنها أنه "اعتقل لتورّطه في عمليات تهريب المهاجرين غير الشرعيين".

"الخبر وصلني كالصدمة وتبين أنه صحيح بعدما تمكنت من التواصل مع محمد عبر الهاتف ومن داخل السجن" تقول الأم.

وتتابع "كان ينقل مهاجرين من المغرب وسوريا والجزائر من إسطنبول إلى إزمير لقاء 100 يورو للمشوار الواحد"، وتشير على لسان ولدها أن حاجزاً للشرطة أوقفه، ومن ثم اعترف المهاجرون للشرطة بأنه "المهرّب أو ما يعرف بالريبري".

عُرض محمد لاحقاً على القضاء وحكم عليه بالسجن نحو 6 سنوات.

وتقول الصالح "محمد لم يكن له أي علاقة بالتهريب لا من قريب ولا من بعيد. هناك من ورّطه بالقصة".

وتضيف أن "صاحب السيارة التي كان يعمل عليها محمد هو المسؤول.. أغراه بالمال وتنصل في أول جلسة محاكمة وأنكر علمه بأي أمر".

عمليات نقل المهاجرين عبر البر دفعت السلطات التركية إلى تشديد حواجزها الواقعة في الولايات القريبة من الحدود مع اليونان.

في شهر أغسطس الماضي أعلن وزير الداخلية، علي يرلي كايا توقيف 1385 مهرباً خلال شهرين فقط.

وقدم الوزير إحصائية قال فيها إن السلطات ضبطت 35867 مهاجراً غير نظامياً، خلال ذات الفترة.

في ذات الفترة التي اعتقل فيها محمد، تورط قيصر أحمد، وهو شاب سوري بذات "المشوار"، ورغم أنه دخل إلى السجن، إلا أن الحظ حالفه بعدما استلم قضيته "محامي شاطر"، حسب تعبيره.

يشرح أحمد لبلينكس أنه بدأ العمل كسائق لسيارة تنقل المهاجرين غير الشرعيين، واستمر في العمل لمدة شهرين وكان يتقاضى 75 يورو على كل عملية نقل.

وبعدما عمل على "عدة نقلات" ضبطته السلطات التركية في مدينة تشورلو القريبة من الحدود البلغارية في سبتمبر الماضي، ويشير إلى أنه نُقل لاحقاً إلى مدينة إسطنبول وواجه "تهمة نقل مهاجرين بطريقة غير شرعية".

يقول أحمد إنه لم يكن يعلم بما تنص عليه القوانين التركية في هذا الصدد، وكان باعتقاده أن الأمر "سينتهي بتعهد خطي".

لكن بعد أن تم توقيفه علم بتداعيات القصة والأحكام المتوقعة "إن أدين بشكل رسمي".

"لحسن حظي أمر القاضي بإخلاء سبيلي بعد شهر ونصف (منتصف أكتوبر الماضي)، لعدم توفر الأدلة، ونظراً لشطارة (مهارة) المحامي الذي استلم قضيتي".

ويوضح الشاب "عندما دخلت إلى السجن لشهر تعرفت إلى 8 أشخاص بينهم 3 لاجئين سوريين، وقد أدينوا بذات التهمة وتتراوح أحكامهم بين 4 إلى 9 سنوات".

يصف أحمد عمله الذي استمر لشهرين بأنه "ذهب مغشوش" و"بورصة تنهي صاحبها بالسجون"، ويعتقد أنه نجا من "عقوبة قاسية".

عمليات التهريب التي تواجهها السلطات التركية بكثرة خلال السنة الأخيرة، تعود إلى اتفاقات سياسية وأمنية مع دول الجوار والاتحاد الأوروبي.

ويقول رامي عيساوي، وهو محام تركي من أصول سورية، في تصريح لمنصة بلينكس إن السلطات لا تتهاون اليوم بعمليات التهريب، وإن اللاجئين أو المقيمين يجهلون القوانين وينخرطون في عمليات النقل دون معرفة التبعات القانونية.

ويعتبر عيساوي أن الأمر يحتاج إلى "تثقيف وتنوير اللاجئين"، ليس فقط في مجال التهريب وإنما في باقي القضايا التي تهمهم.

ويضيف المحامي "الجهل بقوانين البلد المضيف مفتاح العمل بالتهريب، حيث يعتقد سائق السيارة أو المهرب ذاته أن الأمر بسيط لكنه خلاف ذلك كلياً".

"النهاية ستكون في السجون وفي أفضل الأحوال بالترحيل خارج تركيا. يجب ألا يتم إغفال أثر تهريب المهاجرين على حقوق الإنسان والاستقرار الاجتماعي"، كما يقول عيساوي.