مجهولو النسب في سوريا.. حالات متزايدة ضحيتها "فلذات الأكباد"

تتمثل ذرائع التخلي عن الأطفال حديثي الولادة كما يورد "المرصد السوري" بالفقر والأوضاع المعيشية الكارثية والعلاقات غير الشرعية وما إلى ذلك.

ويقول إنها "لا تبرر أبداً لأحد بالتخلي عن فلذة كبده لأي سبب كان. كيف يتجرأ رجل أو امرأة بوضع طفل رضيع لم يتجاوز الأيام من عمره على قارعة الطرقات أو قرب مكب للنفايات ويتركه ويمضي دون أدنى شعور بالمسؤولية".

وتوضح الباحثة الاجتماعية إيفا عطفة أن الأطفال الذين يتم العثور عليهم عند المساجد أو الشوارع يطلق عليه كما هو معروف بـ"مجهولي النسب". هؤلاء يعطون اسماً ولقباً وهمياً نسبة إلى المكان الذي وجدوا فيه.

ورغم أن الحالات التي يتم توثيقها كانت موجودة قبل عام 2011، تصاعدت بشكل تدريجي مع الحرب وتداعياتها الاقتصادية والأخلاقية، فضلاً عن التغير الذي حصل بالمستوى المعيشي وحركة النزوح.

في عموم سوريا وعلى اختلاف مناطق السيطرة بلغ أعداد "مجهولي النسب" ما بين عامي 2020 و2021 حوالي 100 حالة.

ومع ذلك تضيف عطفة لبلينكس "لدينا حالات غير مقيدة، حيث أن بعض الأسر تجد أطفال وترعاهم أو تتبناهم دون أن تخبر عنهم، بينما توجد صعوبة في الوصول إلى أماكن لا يوجد بها إحصائيات".

يعيش نحو 90 بالمئة من سكان سوريا تحت خط الفقر، أي بأقل من دولارين في اليوم الواحد، كما أشارت منظمة "الصحة العالمية" لأكثر من مرة في بياناتها.

وعلى الرغم من اختلاف مناطق النفوذ وانقسام السوريين ما بين نظام في دمشق ومعارضة في الشمال و"قوات سوريا الديمقراطية" في الشرق، إلا أن ما يجمعهم بعد 12 عاماً من الحرب، هو الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المزرية.

وتعلن الحكومة السورية باستمرار عن العثور على أطفال حديثي الولادة، ويأتي ذلك من بيانات وزارة الداخلية أو من خلال "الهيئة العامة للطب الشرعي".

أما في شمال وشمال غرب سوريا فيتابع مجريات هذه الظاهرة مركز مختص وحيد وناشطون حقوقيون، في وقت تغيب أي تفاصيل عن أولئك الذين يتم العثور عليهم في مناطق سيطرة القوات الكردية.

الصحفي تمام سليمان المقيم في مدينة دمشق يوضح أن "ظاهرة التخلي عن الأطفال باتت متنامية دون أي مبالغة"، ويقول إن ما يتم الإعلان عنهم قد يكاد يكون "جزء قليل من الواقع".

"بشكل شهري نسمع عن العثور على طفل في حي هنا وآخر هناك" كما يوضح.

ويضيف الصحفي لبلينكس أن هذه الظاهرة تتطلب حلولاً لم نرها بعد، إن كان على صعيد الإعلام أو على صعيد الإجراءات التي من المفترض أن يعلن عنها المسؤولون.

وينقل جميع الأطفال بعد تنظيم ضبط في مقاسم الشرطة إلى المياتم الموجودة في العاصمة أو في مدن أخرى، بحسب سليمان، مشيراً إلى أنه زار أحدها قبل شهر وأخبره أحد المسؤولين عن "تزايد بات ملاحظاً إلى حد كبير في أعداد الأطفال الذين يتم العثور عليهم".

في شمال سوريا الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة كانت أعداد الأطفال مجهولي النسب قد شهدت ارتفاعاً خلال السنوات الثلاث الماضية.

لكن ومنذ بداية العام الحالي ومع قرب انتهائه "من الملاحظ أنها انخفضت"، حسب ما يقول الصحفي محمود البكور المتابع للكثير من الحالات.

يوجد في محافظة إدلب مركزاً لرعاية الأطفال مجهولي النسب، وفيه 26 طفلاً بعضهم تم العثور عليها في عام 2022.

ويقول البكور لـ"لينكس": "التقارير المتوفرة لدينا أن الأعداد حالياً أقل مقارنة بالأعوام الماضية. في السابق كنا نسجل 4 حالات شهرياً والآن حالتين".

وبينما يرى الصحفي أن الأسباب التي يدور الحديث عنها بشأن التخلي "غير مبررة" ينظر إلى الموضوع على أنه "معقد بسبب عدم وجود منظمات تتابع بشكل دقيق هذا الملف".

وقد لا تعكس الأعداد التي يتم توثقيها حقيقة الظاهرة القائمة، ويوضح البكور أن "هناك حالات غير موثقة أوغير ظاهرة للإعلام أو انتهت بالوفاة".

تتحدث الباحثة الاجتماعية عن عدة عوامل تدفع الأم أو الأب لترك الأطفال، وتقول إن الأبرز والأساسي منها هو "النزاعات المسلحة"، التي أدت إلى عوامل اقتصادية سلبية في حياة الأفراد وانتشار البطالة.

كما أدت إلى انتشار ظاهرة الزواج المبكر وعدم القدرة على تحمل المسؤولية وغياب وسائل منع الحمل نتيجة العيش في المخيمات، والجهل وانخفاض مستوى التعليم.

وهناك عوامل أخرى ناتجة عن الابتزاز الجنسي والتحرشات والحمل بالإكراه أو الإجبار، وكلها "تنتج بيئة غير حاضنة للطفل، ما يضطر الأم لتركه في مكان معين".

ترى الباحثة الاجتماعية أن "المرأة والطفل العامل الأضعف"، وتشير إلى أن ظاهرة التخلي المتنامية موجودة في كل مناطق النفوذ بسوريا، كون الأوضاع الاقتصادية فيها صعبة وتشهد ابتزازات وبطالة كبيرة.

"لا يمكن القول إن هذه المنطقة أفضل من هذه"، وتعتبر عطفة من جانب آخر أن "المرأة العنصر الأضعف، وقد تتعرض للحمل بالإكراه"، وأنه "لا يمكن القول إنها أو الأب سيئين وتركوا أطفالهم".

على العكس "يجب التأكيد على أن العائلة مرت بظروف سيئة أوصلتهم إلى هذه المرحلة، كونهم منهكين اقتصاديا واجتماعيا".

ومع أن الباحثة لا تنفي وجود "شواذ لهذه القاعدة" ترى أنه "وبالمجمل لا يوجد شخص يترك فلذة كبده إلا لسبب اجتماعي أو أخلاقي أو اقتصادي".