"أطفالي أمانة لديكم".. انتحار الرقم 8 في شمال سوريا

في قصة طه التي يسردها شقيقه لبلينكس، والذي فضّل عدم ذكر اسمه وكنيته، يقول إن "شقيقه لم يكن يعاني من أمراض نفسية"، وإن "الشغل الشاغل له كان كيفية الحصول على المال لتأمين قوت أطفاله".

لم يترك طه مجالا إلا وعمل به، لكنه لم يتمكن من تأمين ما يحتاجه أطفاله، وبينما استمر هذا الحال لسنوات وجدته العائلة "منتحرا في غرفته"، وتاركاً لهم رسالة: "أطفالي أمانة لديكم".

يقول شقيقه إن السوريين في الشمال متشابهون، وهم بالمختصر عبارة عن "منتحر ما يزال يتنفس"، ويعزو سبب انتحار شقيقه إلى الوضع الاقتصادي الصعب وغياب فرص العمل.

كان طه يبلغ من العمر 30 عاماً، يضيف شقيقه: "العائلة احتفظت بالحبل الذي أنهى طه حياته به"، وهم أيضاً يحمّلون سلطات الأمر الواقع في المنطقة أسباب "انتشار البطالة وغياب فرص العمل".

وتوضح الأخصائية النفسية مريم الخالد لبلينكس أن "هناك علاقة طردية بين الانتحار والنزاعات".

وتشهد مناطق النزاع أكثر من غيرها هذه الظاهرة، وتقول الخالد إن الأوضاع المعيشية للسوريين بمختلف مناطق السيطرة سيئة، وإن "مجمل حالات الانتحار يكون الدافع خلفها هو الاقتصاد".

ويضيف الباحث الاجتماعي والأكاديمي الدكتور حسام السعد أن "جيل الشباب هو الأكثر عرضة للانتحار، بسبب ارتفاع سقف الطموح في بناء حياة جديدة".

وعندما لا يجد الشباب سبلاً للحل وبناء حياة جديدة، مع غياب الاستقرار والعدالة الاجتماعية وغياب المؤسسات وضعف فاعليتها، يحاول إيجاد فرص خارج المكان وهو غير متوفر في مناطق الشمال السوري، أو متوفر بصعوبة كبيرة.

وعلى إثر ذلك، يتابع السعد لبلينكس بالقول: "عندها يمكن أن نرى بروز بعض الحالات السلبية ومنها الانتحار"، بالتوازي مع ظهور بعض المشكلات النفسية أو الاجتماعية التي تحيط بحياة بعض الشبان.

أخذت ظاهرة الانتحار في شمال غربي سوريا منحى تصاعديا، وهو الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة، وذلك خلال العام الحالي ومقارنة بالسنوات الماضية.

ووثق "فريق منسقو استجابة سوريا" في تقرير حديث، 62 حالة، بينها 34 حالة انتحار باءت بالفشل منذ بداية العام الحالي، فيما كانت 55 حالة انتحار في العام الماضي.

وتقول الخبيرة الاجتماعية كبرياء الساعور لبلينكس "إن ظاهرة الانتحار منتشرة في كل المناطق السورية وإنها ارتفعت بشكل كبير منذ العام 2015".

وتشير إلى أن الفقر والوضع الاقتصادي والتفكك الأسري "هي أسباب رئيسة لإقدام الأشخاص على الانتحار"، كما أن "الإدمان على المخدرات عامل قوي في الظاهرة".

بيد أن الباحث الاجتماعي حسام السعد، يعتبر أن انسداد أفق الحل النهائي لوضع سياسي وأمني واقتصادي مستقر، يلعب دوره في إغلاق مساحات الأمل لدى الكثير من الأفراد في شمال سوريا.

ويوضح أن "هناك متغيّر هام أيضاً هو عدم إمكانية مغادرة تلك المناطق، أو لنقل الصعوبة البالغة للأهالي هناك في تغيير المكان"، لاسيما أنه لا يوجد منفذ غير تركيا لمحاولة الخروج إلى أوروبا على سبيل المثال، "كلها عوامل قوية تدفع إلى الإقدام على الانتحار"، وفق السعد.

وفق إحصائيات فريق "منسقو استجابة سوريا" فإن النساء يشكّلن النسبة الأعلى من حالات الانتحار في الشمال السوري خلال العام الحالي، وإن بعضهن كن يافعات وأقدمن على الانتحار بطرق مختلفة.

وتشير إلى ذلك الخبيرة الاجتماعية كبرياء الساعور، بقولها إن "النساء هن الفئة الأكثر التي تعاني في الحروب، نتيجة ارتفاع نسبة العنف المنزلي أو العنف القائم على النوع".

وكذلك زواج القاصرات الذي يرافقه اضطرابات نفسية لدى الفتيات، ولفتت الخبيرة الاجتماعية إلى أن "الفتيات اللواتي يتعرضن لعنف جنسي يقدمن على الانتحار خوفاً من المجتمع".

من جهتها تقول الأخصائية النفسية مريم الخالد والتي تمتلك مركزاً صغيراً في الحسكة إن "بعض الفتيات يقصدن المركز لحل مشاكل نفسية يمررن بها".

وتضيف أن "العلاقة بينها وبين بعض الفتيات أثمرت في تغيير مفهومهن تجاه بعض الصعوبات التي يواجهنها".

ارتفاع معدلات نسب الانتحار، دفع كثير من الجمعيات السورية إلى إطلاق دعوات للمنظمات الدولية للعمل على الحد من هذه الظاهرة.

ودعا فريق "منسقو استجابة سوريا" المنظمات الإنسانية إلى تفعيل العيادات النفسية ضمن المراكز الطبية، وتفعيل أرقام خاصة للإبلاغ عن حالات محتملة، بغية التعامل معها بشكل عاجل، ومن أجل منع المجتمع المحلي من الانزلاق إلى مشاكل جديدة تضاف إلى قائمة طويلة تعاني منها السكان المدنيين في المنطقة.

توضح الخالد أن "إنشاء مراكز نفسية سيساعد في التقليل من ظاهرة الانتحار"، وأن "الضغوط النفسية على النساء كبيرة ويحتجّن إلى مساندة".

وتقول "العلاج النفسي للسوريين أهم من المساعدات العينية التي تقدم لهم.. العالم لا يرى هذا الجانب القاتل في حياتهم بمختلف مناطق السيطرة".