الهروب الدائم في السودان من النزوح إلى الاغتصاب

حينما اندلعت الحرب في أبريل الماضي، تحولت ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة وتبعد عن ١٨٠ كيلو مترا عن العاصمة الخرطوم جنوبا إلى مركز رئيسي للنازحين وعمليات الإغاثة، لكنها ما لبثت أن تحولت هي الأخرى إلى ساحة قتال لتجبر النازحين والأهالي على النزوح مجددا.

من بين هؤلاء محمد إبراهيم الذي ما لبث أن يعتاد على الحياة في ود مدني، بعد أن هرب إليها فرارا من المعارك في الخرطوم، حتى سُلب كل شيء من جديد، ليضطر مع أفراد عائلته الستة إلى النزوح مرة أخرى إلى سنار الواقعة جنوب ود مدني على بعد ١٠٠ كيلو متر.

في سنار، لا يستطيع إبراهيم أن يجد مكانا تقيم فيه أسرته، وهي التجربة التي يقول عنها لفرانس برس إنها تشبه تلك التي مر بها وأسرته قبل ٧ أشهر في ود مدني: "إنها التجربة نفسها التي سبق أن مررنا بها في ود مدني".

توجه نازحون آخرون إلى الفاو، على بعد 120 كيلومترًا من ود مدني، مثل عبد الرحيم محمد إمام (44 عاما) الذي قال إن أسرته "تقيم الآن في منزل صديق" لهم.

فيما قرر عمر حسين (65 عاما) النزوح من ود مدني مع عائلته حاملين معهم القليل من الأمتعة، ولكنهم اضطروا للسير 10 كيلومترات الى أن وجدوا سائقا على استعداد لنقلهم.

يقول حسين لفرانس برس "نحاول الوصول إلى القضارف"، على بعد 240 كيلومترًا إلى الشرق "حيث يوجد أقارب لنا يمكننا أن نقيم معهم".

ولكن مع مئات الآلاف من النازحين، فإن "الوضع الإنساني بالغ الصعوبة" في القضارف كما في سنار، حسب ما قال الثلاثاء المسؤول في وكالة الأمم المتحدة للاجئين وليام سبندلر محذرا من "تفاقم أزمة النزوح القسري".

ونزح قرابة نصف مليون سوداني إلى ولاية الجزيرة قبل أن تبدأ قوات الدعم السريع تقدمها نحو القرى المحاذية للطريق السريع بين الخرطوم وود مدني.

حتى الثلاثاء، وهو اليوم الرابع للمعارك الطاحنة في الولاية، نزح قرابة 300 ألف شخص منها. "كان العديدون منهم في حالة ذعر ولم يجدوا وسيلة للفرار سوى السير على الأقدام"، بحسب الأمم المتحدة.

دعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أطراف النزاع بشكل عاجل إلى ضمان حماية جميع المدنيين وتهيئة ممر آمن للأشخاص الذين يحاولون بلوغ بر الأمان.

وقال رئيس بعثة اللجنة الدولية في السودان بيير دورب الخميس 21 ديسمبر، في بيان صحافي "نخشى أن تتحول مدينة ود مدني، التي كانت تعتبر ملاذًا آمنًا للأشخاص الفارين من العنف الشديد في الخرطوم، إلى فخ آخر للموت".

وأضاف "رأينا الناس اليائسين يفرون مذعورين على أصوات الانفجارات وسط الاختناقات المرورية والفوضى. وفي كل مرة يحدث فرار، ينفصل الأقارب ويُترَك الضعفاء وحدهم، مثل كبار السن وذوي الإعاقة".

وحذرت المنظمة الدولية للهجرة الخميس من أن ما يشهده السودان "مأساة إنسانية ذات أبعاد هائلة، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الرهيبة في الأساس".

ولكن بسبب الدمار الذي لحق بالبنية التحتية الضعيفة أصلا، جراء الحرب بين الفريق أول عبد الفتاح البرهان قائد الجيش والفريق محمد حمدان دقلو الذي يقود قوات الدعم السريع، لم يجد كثيرون مكانا يذهبون إليه.

فيما كان القتال دائرا بين الطرفين والطائرات الحربية تعبر السماء، أغلقت المحلات التجارية خوفا من النهب وبدأت العائلات تبحث عن وسيلة لحماية النساء والفتيات خشية وقوع اعتداءات جنسية تبادل الطرفان الاتهامات بارتكابها منذ اندلاع الحرب.

في نوفمبر الماضي، أي قبل انتقال رحى الحرب إلى ود مدني، تحدثت ناشطات سودانيات أمام الأمم المتحدة داعيات المجتمع الدولي للتحرك لحماية نساء السودان من خطر العنف الجنسي المتفشي في خضم الحرب المستمرة.

في التوقيت ذاته، كشفت لقاءات أجرتها وكالة رويترز للأنباء عن وقوع عدد من حوادث الاغتصاب في الجنينة التابعة لولاية غرب دارفور لفتيات مراهقات وفي العشرينيات من أعمارهن.

تحكي إحداهن وقد بلغ عمرها ١٩ عن اختطافها من قبل ٤ رجال ليتناوبوا الاعتداء عليها على مدى ثلاثة أيام، فيما اختطفت أخرى ، ناشطة في مجال حقوق المرأة، من أمام منزلها ثم اغتصبوها خلال احتجازها لساعات في منزل مهجور.

وقالت رئيسة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة في السودان، سليمة إسحاق، "المشكلة لا تكمن فقط في عملية الاغتصاب، ولكن في شح أدوية الأمراض المنقولة جنسيا مثل الإيدز أو التهاب الكبد الوبائي، ومع زيادة رقعة الحرب تزداد الحالات التي تحتاج لمثل هذه الأدوية".

وأشارت إلى أن "العادات الثقافية تمثل عبئا آخر على السيدات المغتصبات، فبعض منهن لا يفشين ما حدث لهن لأفراد العائلة، ويتحملن الآثار النفسية للحادث وحدهن".

وختمت: "لدينا ١٣٦ حالة مسجلة رسميا في الخرطوم ونيالا والجنينة منذ بدء تصاعد الاشتباكات في أبريل الماضي بين قوات الجيش والدعم السريع".

أسفرت الحرب في السودان عن سقوط أكثر من 12 ألف قتيل حتى مطلع ديسمبر وفقا لحصيلة بالغة التحفظ لمنظمة أكلد المتخصصة في إحصاء ضحايا الصراعات.

كما أدت إلى نزوح 7.1 مليون شخص داخل البلاد فيما لجأ أكثر من 1,5 مليون الى الدول المجاورة، وفق ما أعلن ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة الخميس، واصفا ما يجري بـ"أكبر أزمة نزوح في العالم".

وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، فقد اضطر ما لا يقل عن 150 ألف طفل على الفرار من منازلهم في ولاية الجزيرة "في أقل من أسبوع".