صراعات
لم تفرّق الحرب الدائرة في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس بين رجل وامرأة، أو شيخ وطفل، فالكل يلقى المصير نفسه.
حوّلت الحرب حياة سكانه إلى صراع دائم، للبحث عن أبسط مقومات الحياة من طعام ومياه وحتى الحمام، لا سيما مع نزوح ما يصل إلى ٨٥٪ من السكان من بيوتهم، هربا من جحيم القصف المتواصل من إسرائيل.
ومن بين قصص الحرب، تجيب ثلاث نساء في قطاع غزة عن السؤال: كيف فرضت الحرب عليهن واقعا جديدا؟
مكثت الطبيبة نور الوحيدي 38 يوما في مستشفى الشفاء بمدينة غزة بعد بداية الحرب، لتضطر إلى النزوح بعدها إلى رفح في جنوب القطاع، إذ تعمل حاليا في قسم الاستقبال والطوارئ في المستشفى الكويتي.
تروي نور كيف عملت لمدة 38 يوما متواصلة، وتقول لوكالة فرانس برس: "لم أذهب للبيت إطلاقا، تمت محاصرة المستشفى فنزحت في اليوم الـ38 (..) منذ أكثر من شهر"، مؤكدة وجود "اختلاف شاسع بين حياتي السابقة في بيتي حيث جميع مقومات الحياة متوافرة، وبين وجودي في مكان غريب دون مواد غذائية أو مياه، لا يوجد أي مقومات، الوضع كارثي، إنسانيا واقتصاديا ومعيشيا وصحيا".
تقيم نور حاليا في رفح الآن مع أكثر من عشرين شخصا في شقة صغيرة جدا، فيما انقسمت العائلة، فتقول: "عائلتي من جهة والدتي في مدرسة تابعة للأونروا، أما باقي عائلتي، جدتي وعمي وعمتي، فما زالوا في غزة للأسف، والاتصال بهم منقطع، استودعتهم الله".
وتضيف: "كل يوم، أسمع قصص معاناة لم أكن يوما أتخيلها. وسائل الراحة ليست متوافرة، لا يمكنني أن أرتاح وأنام بعد الدوام، عدد الموجودين في البيت كبير".
لكنها توضح: "نحن أفضل من غيرنا"، مشيرة إلى أنها بعد تركها العمل "أعود للبيت (..) أطبخ معهم على النار وأقوم بإشعالها، أقوم بالغسيل على يدي حين تتوافر المياه".
وتلاحظ: "أصبحنا نفكر في إمدادات الطعام والشراب والمياه وشحن الهواتف النقالة وغيرها. أشياء لم نفكر بها يوما. نفكر كيف نحيا".
وتشير نور إلى أنها "عملت خلال العامين الماضيين في أثناء تصعيدات عسكرية، لكن هذه الحرب مختلفة في كل شيء"، موضحة "المدة طويلة، وعدد الشهداء ونوع الإصابات لم يمر من قبل بسبب شدتها والنزوح".
وتروي أنها كانت خلال نزوحها "كنت أسير في الشوارع وأنا في حالة صدمة. لم أتخيل حجم هذه الحرب"، مشيرة إلى أن الحرب "خلقت من كل واحد فينا شخصا مختلفا تماما. لا نستحق هذه الحياة، لا أحد يجب أن يعيشها".
وبعد الحرب، تؤكد نور أن "الجميع يفكر بالسفر، لأن البلد لم يتبق فيها شيء. لا بشر ولا حجر ولا شجر".
أمام المستشفى الكويتي حيث تعمل نور، تعيش سندس البايض في خيمة صغيرة، إذ تتذكر حياتها السابقة قائلة "حياتنا قبل الحرب كانت مستقرة وسعيدة. كان يوجد كل شيء في منزلي. كنت أقيم في شقة بمبنى يعود لعائلة زوجي. وأطفالي يذهبون للمدارس"، موضحة أنها تشتاق لروتينها اليومي.
وتؤكد البايض -وهي أم لثلاثة أطفال- أن حياتها "انقلبت 180 درجة" منذ بدء الحرب، وأن حياتها السابقة كانت بسيطة، فتقول "روتين حياتي اليومي إيقاظ أطفالي صباحا للمدرسة وتجهيزهم وتحضير الطعام قبل النوم مرة أخرى ثم شرب القهوة مع زوجي (..) حياة بسيطة ومستقرة، ليتها تعود".
أما اليوم فتشير السيدة المتزوجة بصحافي إلى أن نزوحها مع أطفالها تم على مراحل، في حين بقي زوجها في غزة في البداية. وتوضح أنها مكثت في دير البلح لأكثر من أسبوعين، لكن "أصحاب المنزل خافوا من وجودي، لأن زوجي صحافي، وهم يعتقدون أن الصحافيين مستهدفون، بكيت بشدة لم أعرف ماذا سأفعل"، وطلبوا منها المغادرة.
بعد النزوح المتكرر، إلى خانيونس ثم إلى رفح، أصبحت الحياة صعبة جدا فقد أصبح الاستحمام صعبا، مع انعدام الخبز، فتقول "نحضّر وجبات غذائية، لكن الأطفال يرفضون أكلها، الأكل سيئ جدا وملوث، ونعتمد على الخضار وبعض المعلبات"، ما تسبب لهم بأعراض معوية حادة.
تحلم سندس بالعودة إلى منزلها، مؤكدة: "أتمنى أن نعود لمنزلنا وألا نضطر للجوء خارج غزة إن شاء الله. حال عدنا إلى بيوتنا سنسافر مع أطفالنا للنقاهة والترفيه لشهر أو عدة شهور لترميم نفسيتنا".
فرّت لين روك، ابنة الـ١٧ ربيعا، وعائلتها من بيتها في خانيونس إلى مستشفى ناصر الموجود في المنطقة نفسها، فتقول لـ"فرانس برس": "صورنا البيت ونحن نبكي، غادرنا إلى منزل أختي، لكنه لم يكن آمنا أيضا، فنزحنا لمستشفى ناصر".
قبل النزوح، كان في بيت لين ٤ حمامات، لكنها في بداية نزوحها كانت ترفض الأكل والشرب حتى لا تضطر للذهاب إلى الحمامات التي تقول إنها "قذرة وعليها طوابير طويلة".
تعيش لين، التي تحلم بدارسة الصحافة، حاليا في خيمة مع والديها وشقيقها وأربع شقيقات وابنة إحداهن، وتوضح: "حياتي كانت روتينية، لدرجة أنني كنت أتذمر منها. الحرب غيّرت كل شيء. أصبحت أتمنى العودة لحياتي التي لم تكن تعجبني".
وتشير الفتاة وهي تبكي: "أشعر بالحسرة، لأنني سأفقد وكل الطلاب هذا العام من حياتنا. لا أعتقد أننا سنعود إلى المدارس".
وتضيف: "كنت متحمسة لإنهاء المدرسة بتفوق حتى أسافر وأكمل حلمي"، متابعة: "كل ما أتمناه الآن أن يعود الجميع لمنازلهم، وأن أعود لمنزلي"، وتأمل أن يكون موجودا.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة