صراعات
.
من مقعد المتفرِج إلى مقعد المشارِك، الآن "ترث" الولايات المتحدة دور فرنسا في غرب أفريقيا. المنطقة التي باتت بعض دولها تحت هجمات إرهابية لجماعات متطرفة، وفي ظل وجود روسي كبير.
كشفت وول ستريت جورنال، في تقرير نشرته الخميس 4 يناير، أن الولايات المتحدة الأميركية تسعى إلى إنشاء قواعد للطائرات من دون طيار في سواحل غرب أفريقيا لوقف تقدم المتطرفين وذلك ضمن خطة لنشر طائرات استطلاع في غانا وساحل العاج وبنين.
يأتي ذلك ضمن هدف عاجل لوقف انتشار القاعدة وداعش في المنطقة، وفقا لمسؤولين أميركيين وأفارقة تحدثوا للصحيفة الأميركية.
فماذا نعرف عن القواعد الأميركية المرتقبة للطائرات من دون طيار؟ وما الهدف منها؟
اقترحت الولايات المتحدة إقامة قاعدة عسكرية للطائرات دون طيار في قاعدة تامالي للقوات الجوية في غانا، على مقربة من حدود بوركينا فاسو، وفقا لمسؤولين أميركيين وأفارقة.
وتوجد ٣ مطارات في ساحل العاج قيد المناقشة، وفقا لمسؤول كبير في المخابرات الأميركية تحدث لوول ستريت جورنال.
وفي بنين، تضع الولايات المتحدة عينها على باراكو، وهي بلدة بعيدة بما يكفي عن حدود بوركينا فاسو لتوفير منطقة عازلة من الهجمات البرية للمتطرفين، ولكنها لا تزال في متناول الشمال المضطرب.
ويمكن للطائرات من دون طيار أيضا توفير معلومات جوية عن القراصنة العاملين في خليج غينيا.
وقال ضابط عسكري كبير في بنين للصحيفة الأميركية إنّ سلطات بنين ليس لديها اعتراض على استخدام الولايات المتحدة لمطار باراكو، لكنها لا تزال بحاجة إلى تحديد التفاصيل إذا تلقت طلبا أميركيا رسميا.
ولفت الضابط إلى أن بنين ترى أنها ستحصل على فوائد أسطول الطائرات من دون طيار المتطور من دون تكبد تكلفة شراء المعدات نفسها.
من جهته، ردّ الضابط البنيني: "مثل هذا الانتشار يمكن أن يُساهم في تحسين مراقبة حدودنا ومنع التوغلات". ولم يستجب كبار الضباط العسكريين في غانا وساحل العاج لطلبات الصحيفة للتعليق، ولم يستجب سفير ساحل العاج في واشنطن وممثلو الحكومة الغانية لطلبات التعليق أيضا.
حسب المعلومات فإن مناقشات الولايات المتحدة الأولية هي للسماح لطائرات الاستطلاع الخاصة بها، غير المسلحة، باستخدام المطارات في غانا وساحل العاج وبنين، وهي دول تقع على المحيط الأطلسي.
ستسمح الطائرات من دون طيار للقوات الأميركية بإجراء مراقبة جوية لتحركات المسلحين على طول الساحل وتقديم المشورة التكتيكية للقوات المحلية أثناء العمليات القتالية.
وتجد الدول الساحلية الـ٣، التي تتمتع بالاستقرار والازدهار نسبيا، إلى جانب توغو، نفسها الآن مهددة من قبل المتطرفين الذين يتدفقون جنوبا من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وهي ٣ دول محاصرة في منطقة الساحل، وهي الشريط شبه الصحراوي جنوب الصحراء الكبرى.
لسنوات عدّة، دعمت قوات الكوماندوز والطائرات من دون طيار الأميركية الجهود الفرنسية والمحلية لتأمين دول الساحل التي أصبحت الآن في قلب تمرّد المتطرفين الأكثر نشاطا في العالم.
منذ عام 2017، قُتل ما يقدر بنحو 41 ألف شخص في أعمال عنف لمتطرفين في مالي وبوركينا فاسو والنيجر. وقد خلق هذا الاضطراب فرصة لروسيا لتعميق العلاقات السياسية والعسكرية في المنطقة.
تشير الجهود المبذولة لبناء قوات أميركية في الولايات الساحلية إلى أن واشنطن تعتقد أن مالي وبوركينا فاسو غارقتان في أعداد كبيرة من المتطرفين لدرجة أنهما بعيدتان عن متناول المساعدة الغربية، وأنها تخشى النيجر، التي كانت حتى انقلاب يوليو أقوى حليف للولايات المتحدة في المنطقة، الآن لا يمكن الاعتماد عليها، حسب وول ستريت جورنال.
وكانت فرانس برس قد نقلت أن مالي وبوركينا فاسو والنيجر تسعى إلى تعزيز تعاونها، وذلك بعد أن أعلنت البلدان الـ٣ التي تحكمها أنظمة عسكرية، والمجتمعة معا في تحالف دول الساحل، في اليوم ما قبل الأخير من العام ٢٠٢٣، نيتها تعزيز تعاونها، خلال اجتماع لرؤساء حكوماتها في نيامي.
وقال رئيس الوزراء النيجري، علي ماهامان الأمين زين "قررنا منذ الآن تشكيل لجان تعاون موحدة للدول الـ٣" بدلا من اللجان الثنائية.
أمام هذا الواقع، قال القائد السابق لقوات العمليات الخاصة الأميركية في أفريقيا، مارك هيكس: "ليس هناك حقا خيار كبير سوى التراجع والعمل انطلاقا من الدول الساحلية في غرب أفريقيا".
ويرى القادة العسكريون الأميركيون والأفارقة أنّ التهديد الأكبر في غرب أفريقيا يأتي من مجموعة تابعة لتنظيم القاعدة مسؤولة عن معظم الوفيات الأخيرة.
من بين الدول الساحلية، تحمّلت بنين، التي تمتدّ من خليج غينيا إلى حدود بوركينا فاسو والنيجر التي يسهل اختراقها، العبء الأكبر حتى الآن.
وفي الأشهر الـ٩ الأولى من عام 2023، قُتل 120 شخصا في 114 هجوما مسلحا وحوادث عنف أخرى في بنين.
وأفادت الحكومة التوغولية أن الهجمات الإرهابية في توغو المجاورة، بما في ذلك الكمين والأفخاخ المتفجرة والمعارك بالأسلحة النارية بين المسلحين وقوات الأمن، أسفرت عن مقتل 31 شخصا، من بينهم 11 مدنيا، خلال الأشهر الـ11 الأولى من عام 2023.
وتعرّضت ساحل العاج لـ16 هجوما منذ عام 2020، ولكن لم يحدث أي هجوم خلال الأشهر الـ٩ الأولى من عام 2023.
يتضاءل مستوى العنف على الساحل مقارنة بالعنف في بلدان الساحل الأساسية. لكن، وفق وول ستريت جورنال، يخشى المسؤولون الأميركيون والمحليون أن تطمح الجماعات المتطرفة إلى توسيع نطاق انتشارها جنوبا إلى الدول التي تنتج ثروة من الذهب والكاكاو.
بحث الرئيسان الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والعاجي، الحسن وتارا، في باريس، بالأسبوع الأخير من العام ٢٠٢٣، تداعيات الانقلاب في النيجر و"التدهور السريع" للوضع الأمني في منطقة الساحل، بحسب ما أعلن قصر الإليزيه.
وجدد ماكرون خلال لقائه وتارا التأكيد على "دعم فرنسا الكامل لرئيس النيجر محمد بازوم، مذكّرا بأنّ إطلاق سراحه شرط أساسي لأيّ مفاوضات مع الانقلابيين"، وفق فرانس برس.
ومنذ الانقلاب العسكري الذي أطاح برئيس النيجر في 26 يوليو، يرفض بازوم الموضوع قيد الإقامة الجبرية تقديم استقالته. كما أكّد ماكرون مجدّدا دعمه للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، إيكواس، في مساعيها الرامية "لإيجاد حلّ للأزمة النيجرية".
وفرضت إيكواس عقوبات على النيجر وهدّدت بالتدخّل عسكريا في هذا البلد لإعادة إرساء النظام الدستوري فيه، لكنّ إجراءاتها وتهديداتها لم تثمر حتى الآن.
وأعلنت ساحل العاج عن استعدادها للمساهمة بكتيبة عسكرية في حال قرّرت إيكواس التدخّل عسكريا في النيجر. وقُتل ما لا يقلّ عن 70 شخصا، غالبيتهم من الأطفال والمسنّين، في "مجزرة" وقعت في شمال وسط بوركينا فاسو في مطلع نوفمبر من العام 2023، حسب فرانس برس.
جاءت المعلومات عن طائرات الاستطلاع أيضا، بعد أن قُتل 15 قرويا على الأقلّ في هجوم شنّه مسلّحون متطرفون على قريتين في ولاية بورنو في شمال شرق نيجيريا يوم رأس السنة، بحسب ما أفاد سكان وكالة فرانس برس الأربعاء.
وقال السكّان إنّ المهاجمين وصلوا الإثنين على دراجات نارية وشاحنات مجهّزة بمدافع رشّاشة إلى قريتي غاتماروا وتسيها الواقعتين قرب مدينة شيبوك وراحوا يطلقون النار على سكّانهما.
وحتى اليوم، لا تزال مدينة شيبوك مرتبطة في الذاكرة المحلية والعالمية بالهجوم المروّع الذي شنّه في 2014 مسلّحون من بوكو حرام على مدرسة للبنات واختطفوا خلاله أكثر من 270 فتاة تتراوح أعمارهن بين 12 و17 عاما.
ومنذ بداية التمرّد في 2009، خلّف الصراع في نيجيريا أكثر من 40 ألف قتيل ومليوني نازح، وتسبّب بأزمة إنسانية خطرة، وفقا للأمم المتّحدة.
وامتدّ العنف منذ ذلك الحين إلى كلّ من النيجر وتشاد والكاميرون المجاورة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة