رحلة قاتلة لـ"عبد القادر" داخل سجون هيئة تحرير الشام

زادت حدة الاتهامات بعد شنّ الهيئة الصيف الماضي حملة اعتقالات واسعة طالت المئات من مدنيين ومقاتلين من فصائل أخرى وقادة وعناصر من صفوفها بتهم الانضمام إلى "خلايا أمنية" و"العمالة للنظام" أو جهات خارجية، عدا عن تمنّعها عن تزويد عائلاتهم بمعلومات عنهم.

أثار مقتل عبد القادر تحت التعذيب نقمة شعبية حيث خرجت منذ فبراير تظاهرات غير مسبوقة في مدن وبلدات عدة في إدلب كان آخرها مساء الأحد 24 مارس، مطالبة بشكل منتظم بإطلاق سراح المعتقلين، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

ويردّد المتظاهرون هتافات مناوئة لقائد هيئة تحرير الشام أبو محمّد الجولاني، في مشهد احتجاجي نادر في منطقة يقيم فيها 3 ملايين شخص، نصفهم تقريباً نازحون فروا مع تقدم المعارك في مناطق أخرى.

يروي أحمد أن شقيقه عبد القادر شارك باكراً في التظاهرات المناوئة للرئيس السوري بشار الأسد منذ 2011 وانضم لاحقا إلى ميليشيا تسمى "جيش الأحرار".

وعلم بأنه مطلوب من هيئة تحرير الشام "بتهمة العمالة للنظام"، وبعد أيام، أبلغته قيادة "جيش الأحرار"، الذي ينضوي في صفوفه بضرورة "مراجعة الهيئة"، على ما يؤكد شقيقه.

يوضح أحمد: "سلّم شقيقي نفسه في 16 مارس 2023 إلى جهاز الأمن العام" التابع للهيئة "على أساس أن يخرج بعد يومين أو أسبوع على الأكثر"، لتنقطع أخباره ثلاثة أشهر.

لاحقاً، تبلغت العائلة من "قيادة تحرير الشام أنه بصحة جيدة وأموره سليمة وسيخرج بعد فترة"، لكن ذلك لم يحدث.

مع مواصلتها طيلة أشهر سؤال كل من يُطلق سراحه عن ابنها، وصلت إلى العائلة، النازحة أساساً من محافظة حلب المجاورة، معلومات عن "مقتله تحت التعذيب"، فيما لم تتجاوب الهيئة مع أسئلتها المتكررة.

ومن خلال أحد معارفه في الفصيل الذي أعلن عام 2016 فك ارتباطه عن تنظيم القاعدة، جاءه الجواب "ليتقبله الله.. لقد قُتل".

تمكن أحمد لاحقاً من مطابقة المعلومة مع معتقل سابق، ثم أبلغتهم قيادة ما يسمى بـ"جيش الأحرار" رسمياً بالأمر في 22 فبراير.

بعد إبلاغها بموقع دفنه من قبل حراس السجن، وجدت العائلة أن "القبر مجهز حديثاً لكن تاريخ الوفاة المدون عليه هو بعد اعتقاله بنحو عشرين يوماً"، وفق شقيقه.

ينقل أحمد عن معتقل كان في السجن ذاته أن عبد القادر "لم يكن قادراً على الأكل والشرب. ومن شدة التعذيب، لم يعد يقوى على المشي بعدما تورمت قدماه وامتلأتا بالقيح".

في يوم وفاته، نقله الحراس من مهجعه "على قطعة قماش وعذبوه لمدة 6 ساعات". وبعد إعادته، حاول زملاؤه أن "يطعموه ويشربوه، لكنه كان يتقيأ في كل مرة حتى لفظ أنفاسه الأخيرة"، وفق شقيقه.

في محاولة لاحتواء الامتعاض الشعبي، أطلقت الهيئة سراح 420 سجينا بموجب مرسوم عفو، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. لكن زوج نهى الأطرش، أحمد عباس مجلوبة، لم يكن ضمنهم.

تشرح السيدة المنتقبة بينما يحمل طفلاها الصغيران صور والدهما في منزلهم في إدلب "أُعتقل 5 مرات، آخرها في 2 ديسمبر 2022، ولا يوجد أي سبب مثبت لاعتقاله"، موضحة أنهم مرة يتهمونه بالسرقة ومرة بالانتماء إلى حزب متطرف مناوئ للهيئة.

يعاني زوجها الذي كان يعمل في مجال الديكور، كما تروي، من إعاقة في قدمه نجمت عن إصابة بطلق ناري تعرض له "خلال توقيفه سابقا" لدى الهيئة.

تستعيد الأطرش، التي تقول إنها بدورها اعتقلت أكثر من 20 يوماً مع طفليها بعد تكرار مراجعة الهيئة للسؤال عن زوجها، وأنها التقته لمرة في السجن. وتقول "عدا عن الرصاصة في قدمه ويده المكسورة، قال لي إن أحد الحراس داس على يده برجله ووجهه متورم من الضرب".

لم تفلح الأطرش في إخراج زوجها من السجن. وتقول "طلبوا للإفراج عنه 3 آلاف دولار"، وهو مبلغ ليس بحوزتها.

تشرح أنها استنفدت ما لديها من وسائل لإخراجه ولم يبق أمامها إلا التظاهر، مضيفة: "أجهّز لافتات أطبع عليها صور زوجي وأصطحب أطفالي على أمل أن يفكّ الله أسره من هيئة تحرير الشام". وتؤكد "لن أستسلم طالما أن زوجي عندهم".

في خيمة قرب الحدود التركية، تبكي أمينة الحمام، 70 عاماً، وقد غزت التجاعيد وجهها، غياب ابنها غزوان حسون، 39 عاماً، الذي اعتقلته الهيئة قبل 4 سنوات ونصف السنة من قريته في ريف إدلب الجنوبي، بتهمة "التخابر مع النظام".

تنقل والدته التي زارته مع زوجته لمرة واحدة بعد 8 أشهر من اعتقاله "عذبوني كثيراً وعلقوني على البالانغو، كان الدم يخرج من مفاصلي"، في إشارة إلى طريقة تعذيب سائدة في سوريا يعلق فيها المعتقل بزرد حديد متدل من السقف ويداه مقيدتان إلى الخلف.

على غرار عائلات موقوفين آخرين، لم تتمكن العائلة منذ ذلك الحين من معرفة معلومات عن ابنها رغم مراجعتها مراراً هيئة تحرير الشام.

تشكّ العائلة في أن يكون مقطع فيديو نشره قبل 3 أيام من توقيفه، انتقد فيه الهيئة، السبب خلف اعتقاله.

لكن الوالدة تصرّ على أن ابنها الذي انشق عن جهاز الشرطة بعد اندلاع النزاع "لم يرتكب أي خطأ"، مطالبة بإطلاق سراحه. وتقول "أبكيه ليلاً ونهاراً. لقد هربنا من الظلم، لكننا رأينا هنا ما هو أشدّ ظلماً وصعوبة".

في مؤتمر صحافي في وقت سابق هذا الشهر، أقرّ الجولاني بأن مطالب المتظاهرين "في غالبها محق". وقال "نحن مع الناس ضد هذه المؤسسات إذا قصرت"، معلناً عن سلسلة إجراءات بينها "إعادة تشكيل جهاز الأمن العام المسؤول عن السجون".

وردا على سؤال لوكالة فرانس برس، أكد المكتب الإعلامي لهيئة تحرير الشام أنها تنظر "بعين الاهتمام والجدية" إلى مطالب المتظاهرين لأنها "تشعر كما الشعب بحجم الخلل الذي نتج عن عدة إجراءات وقرارات لا تتسم بالمهنية في بعض المؤسسات الثورية".

وقال إن الهيئة بصدد "اتخاذ عدة قرارات من شأنها أن تضبط عمل الأجهزة الأمنية وتحسين البنية التحتية للسجون والارتقاء بظروف التحقيق بما يعالج ما وقعت به من خلل ويمنع التعامل في المرحلة القادمة بالطريقة التي ظهرت مؤخراً في أحد الملفات".