صراعات
.
يخلق الانقسام السياسي في ليبيا، حالة من الانقسام المجتمعي في البلد الذي تمزقه الحروب منذ أعوام، فبين أزقة طرابلس و"زنقات" بنغازي قصص غرباء في وطنهم وضعتهم مواقفهم السياسية موضع ألد الأعداء.
الآلاف وربما أكثر من سكان العاصمة طرابلس، أو "الغرباوية"، يسكنون مدينة بنغازي في الشرق الليبي، هربا من مسقط رأسهم الذي حرموا منه بعد أن قاتلوا في صفوف الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر عام 2019.
مراد التاجوري، 53 عاما، من سكان حي بوسليم في طرابلس، التي هجرها بعد صد هجوم الجيش الليبي على العاصمة في ذلك العام.
التاجوري، كان عسكريا في زمن القذافي، وعقب الحرب الأهلية عام 2011، وتفشي الفوضى هاجر إلى تونس قبل أن يعود لطرابلس وينتظر العام 2019 للانضمام للجيش الوطني الليبي التي وصلت مشارف العاصمة.
قاتل التاجوري مع حفتر، وقدم معلومات مهمة للجيش سهلت لها السيطرة على طريق المطار وسوق الخميس في العاصمة في مايو 2019، إلا أن عودتها إلى شرق البلاد بعد عام من المعارك أجبره على ترك طرابلس والرحيل مع الجيش.
يعمل التاجوري، حاليا في كتيبة طارق بن زياد، ويسكن منزلا في حي السلام ببنغازي.
يشد الحنين قلب التاجوري قائلا: "مهما سكنت ورحلت وهاجرت ستبقى تحن إلى جذورك لهذا أحس أن روحي معلقة هناك رغم أن منزلي استولى عليه أحد عناصر المليشيات هناك".
يمنّي التاجوري نفسه بالعودة يوما إلى طرابلس، لكن ليس كما كان يقول في السابق "محررا"، بل يطمح لعودة آمنة او اتفاق يوحد البلاد وينهي مأساة الانقسام.
لا يفوت التاجوري فرصة إلا وذكر فيها جمال طرابلس ومناقب أهلها وحسن تعاملهم، واصفا إياها بالمدينة الأجمل مهما علا صوت المدافع وأزيز الرصاص.
على نقيض التاجوري، يوجد الكثير من سكان بنغازي الذين وجدوا في طرابلس ملاذا آمنا لهم خصوصا بعد سنين طويلة من الحرب.
يقول إسماعيل الجازوي، ٤٧ عاما، إنه يعيش غربة حقيقية في بلاده بعد أن ترك مدينته تحت نار الحرب ولجأ إلى طرابلس. قاتل الجازوي الجيش الوطني طوال طوال 3 سنوات، في صفوف جماعات مسلحة.
وبعد تضييق الخناق وسيطرة الجيش على محاور بنغازي، تعرض الجازوي لإصابة بالغة في معارك حي بوصنيب مطلع 2017، ليُنقل بعدها نقله بسفينة برفقة عدد من الجرحى إلى مدينة مصراتة.
يشعر الجازوي بغربة في طرابلس، صحيح أن هذا الإحساس تلاشى مع الوقت، إلا أنه يتقد كلما تعرض لموقف يميزه كـ"شرقاوي".
أحرقت دار الجازوي في حي السلماني ببنغازي، كما انتقل أهله للعيش في درنة خوفا من المضايقات بسبب مواقف ابنهم.
يقول الجازوي، "يبدو أن هذا الأمر قدر العائلة، فوالدي كان معارضا للقذافي واعتقل مرتين وفي الثالثة فر إلى سبها، ومن ثم إلى غدامس فالجزائر، لذا بات الأمر مألوفا لدى الأسرة".
قصة الجازوي والتاجوري، تمثل نموذجا لآلاف الحالات الأخرى التي تعكس تفكك النسيج الاجتماعي الليبي الذي يعصف بالبلاد منذ عام 2011.
وتقول المؤسسة الليبية لحقوق الإنسان في تقرير لها أواخر العام الماضي، إن الليبيين تعرضوا طوال أكثر من 12 عاما إلى موجات نزوح كبيرة وتهجير قسري جماعي استهدف المدنيين في مناطق عدة.
وبينت المؤسسة أن موجات التهجير بدأت منذ عام 2011، كما جرى مع سكان مدن تاورغاء والمشاشية والقواليش جميعا، فيما كانت الموجة الثانية بين عامي 2014 و2016 التي أجبر خلالها الليبيون على النزوح والتهجير من مدن مختلفة جرّاء الأحداث الدامية التي اشتعلت في مدن بنغازي وطرابلس وسرت.
ووفقا للمنظمة الدولية للهجرة، فإن معظم النازحين والمهجرين الذين لم تحل قضاياهم ينحدرون من مدن ومناطق تاورغاء ومرزق وترهونة وصبراتة وسرت وطرابلس وغريان ومن المنتمين إلى إثنية الطوارق في غدامس، بالإضافة إلى المهجرين من بنغازي، الذين أبعدوا عن مساكنهم خلال فترات زمنية مختلفة، حيث يقدر عددهم الإجمالي بنحو 134 ألف نسمة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة