"قبور فوق قبور".. تحد من نوع جديد لـ"بركة" في غزة

مع استمرار القصف الإسرائيلي العنيف على مناطق متفرقة من القطاع، ارتفعت أعداد القتلى بشكل كبير، مما فرض على الحفارين في مقبرة السويد العمل تحت ضغط هائل.

تحت إشراف سعدي حسن بركة البالغ من العمر 63 عامًا، يتهيأ حفارو القبور، يوضح بركة: "قبل الحرب، كنا ندفن حالة أو حالتين أو حتى خمسة في الأسبوع، بينما ندفن اليوم 200 أو 300. شيء لا يمكن تصوره".

يصف بركة عملية حفر القبو بأنها مضنية، حيث يعمل الفريق على حفر قبور جديدة في المساحات المتبقية، نتيجة الزيادة المفاجئة في عدد القتلى، إذ أصبح الوضع أكثر صعوبة، مما أدى إلى الحاجة لبناء قبور فوق قبور سابقة.

منذ أكتوبر، أسفرت الحرب المستمرة عن مقتل ما يقرب من 2% من سكان غزة، وبالاستناد إلى تحليل صور الأقمار الصناعية التي أجرتها مؤسسة "بيلينغكات" الاستقصائية، قام الجيش الإسرائيلي بحفر وقصف أكثر من 20 مقبرة.

علاوة على ذلك، نقلت القوات الإسرائيلية عشرات الجثث إلى إسرائيل في إطار سعيها للبحث عن رهائن. وعندما تُعاد الجثث إلى غزة على متن شاحنات، تكون غالبًا متحللة وغير قابلة للتعرف عليها، مما يؤدي إلى دفنها بسرعة في مقابر جماعية.

بركة وعماله لا يواجهون فقط تحديات العمل الجسدية، بل يواجهون أيضا أعباء نفسية هائلة، ورغم عمله في مجال الحفر منذ 28 عاما، يصف معاناته قائلاً: "لا أستطيع النوم بسبب مشاهد الأطفال والنساء المقطعين".

يتحدث بركة عن معاناته الشخصية بسبب مشاهد الموت التي يواجهها خلال ساعات عمله الطويلة، شارحا: "لا أستطيع النوم من كثرة ما رأيت من جثث الأطفال. ما ذنب هؤلاء الأطفال؟".

ويشير بركة إلى أنه لا يسعى للمساعدات أو الطعام، بل يؤكد أن هدفه هو السلام، مضيفا: "نحن نسعى للسلام، بينما نتنياهو لا يركض إلا وراء الدماء".

يؤكد بركة على الحاجة إلى العيش بكرامة وحرية، قائلاً: "نريد دولة وسيادة، وكذلك الحقوق الطبيعية لكل شعب. أريد أن أكون مواطنا كأي مواطن في العالم".

الصدمات النفسية الناتجة عن هذه المشاهد اليومية تؤثر على حياته بشكل عميق، ويجد بكر صعوبة في التعامل مع مشاهد الموتى، وخاصة الأطفال والنساء الحوامل.

وبحزن، يعبر عن مأساته اليومية قائلاً: "دفنت 47 امرأة من عائلة الطباطيبي، من بينهم 16 كن حوامل. أي ذنب ارتكبنه؟".

الصراع المستمر أثر بشكل كبير على الحياة اليومية في غزة، حيث أصبحت الجنازات وقوفا بجانب الأموات أكثر إيلاما.

"قبل الحرب، كان يحضر الجنازة نحو ألف شخص، أما اليوم، إذا جاء 30 أو 300 قتيل، لا يكون معهم سوى 20 شخصا فقط"، بحسب بركة.

الوضع ينعكس أيضًا في الحياة الاجتماعية، حيث أصبحت الجماعات الصغيرة من الناس فقط الذين يشاركون في الجنازات بسبب الظروف القاسية.

بالإضافة إلى ذلك، يعاني الحفارون من نقص الموارد، حيث ارتفعت أسعار المواد الأساسية مثل الحجارة الخرسانية بشكل كبير بسبب نقص الكهرباء والمواد الأولية.

وأسفرت الحرب على غزة منذ الـ8 من أكتوبر عن مقتل 40 ألف فلسطيني، بينهم 16 ألف و300 طفل، وأكثر من 11 ألف امرأة، وفقا لوزارة الصحة في غزة.