مصادر تكشف كيف فخخ نتنياهو مقترح الهدنة في اللحظة الأخيرة

أكدت 10 مصادر مطلعة على المفاوضات التي توسطت فيها الولايات المتحدة، واختتمت الأسبوع الماضي، أن الخلاف الأعظم في التفاوض يتلخص في الطموح الإسرائيلي حول الوجود العسكري في غزة مستقبلا، بالإضافة إلى إطلاق سراح بعض السجناء الفلسطينيين.

وقالت المصادر التي بينها اثنان من مسؤولي حماس، وثلاثة دبلوماسيين غربيين، لوكالة رويترز، إن الخلافات ظهرت بعد موافقة حماس على مقترح بايدن في مايو الماضي، وقدمت إسرائيل شروطا متتالية في الطريق.

ورفض رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، اتخاذ أي خطوات للوراء فيما يتعلق بالسيطرة العسكرية على فيلادلفيا ونتساريم، الأمر الذي ألقى بالقلق في طريق حماس خلال المفاوضات.

وتعتبر حركة حماس، أن إسرائيل قامت بتغيير شروطها في "اللحظات الأخيرة"، وتخشى أن تقدم أي مرونة حول الشروط الجديدة، حتى لا ترد إسرائيل بمطالب إضافية، وفقا لمصدر مقرب من المحادثات.

وكانت حركة حماس قد قالت في بيان صحفي، يوم الأحد 18 أغسطس الجاري، إنها ملتزمة بتنفيذ اتفق يوليو، مطالبة الوسطاء بالتركيز على ذلك، بدلا من الدخول في مفاوضات جديدة، ومناقشة شروط جديدة وضعها نتنياهو.

وأصدر مكتب نتنياهو بيانا نفى خلاله تقديم أي مطالب جديدة، مع التشديد على السماح بعودة المدنيين "العُزل" فقط إلى شمال غزة، ومن خلال ممر نتساريم، مع إنشاء آلية متفق عليها لضمن ذلك.

وذكر مصدر آخر مقرب من المحادثات، أن إسرائيل اقترحت تأجيل الاتفاق حول عودة المدنيين إلى شمال غزة، "إلى موعد لاحق"، لم تحدده بعد، الأمر الذي اعتبره بعض الوسطاء وحماس، تراجعا من إسرائيل عن التزامها السابق بالانسحاب من ممر نتساريم والسماح بحرية الحركة داخل غزة.

أكد دبلوماسي غربي أن واشنطن "وافقت في ما يبدو" على التعديلات التي اقترحها نتنياهو على اتفاق الهدنة، والتي تشمل انتشار قوات الجيش الإسرائيلي على حدود غزة مع مصر، وبداخل القطاع الفلسطيني في نتساريم.

ودعا وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بليكن، حركة حماس للموافقة على المقترح الأميركي الجديد، مشيرا إلى أن إسرائيل وافقت بالفعل عليه، وهو حل "يقرب هوة الخلافات" بين الطرفين.

ولم يكشف بلينكن الذي زار تل أبيب يوم الثلاثاء 20 أغسطس الجاري، عن تفاصيل المقترح الأميركي الذي سيسد فجوات الخلاف بين إسرائيل وحماس.

وقال بلينكن في مؤتمر صحفي إنه بمجرد موافقة حماس على المقترح الذي قبلته إسرائيل، ستبدأ عملية استكمال اتفاقات التطبيق بشكل مفصل، تزامنا مع تنفيذ وقف إطلاق النار.

وعلق مسؤول أميركي على تصريحات بلينكن، قائلا إن مفاوضات "التنفيذ" يجب أن تحسم الخلاف حول الوجود العسكري الإسرائيلي في فيلادلفيا ونتساريم، وكذلك مناقشة عدد السجناء الفلسطينيين.

ورغم ذلك كان بلينكن حريصا على تجنب الإشارة إلى البقاء الإسرائيلي في غزة على المدى الطويل، سواء في ممري فلادلفيا ونتساريم أو في مكان آخر، مكتفيا بالقول إن المواقع والجدول الزمني للانسحاب واضحان جدا في الاتفاق.

وتنتظر الأطراف جولة جديدة من المحادثات في القاهرة، ستعقد خلال الأيام القليلة المقبلة، من أجل العمل على المقترح الأميركي الذي تحدث عنه بلينكن لسد الفجوات المختلف عليها.

وذكر المصدر المقرب من المحادثات أن جولة القاهرة ستشهد مشاركة واسعة، بحضور كبير المفاوضين الأميركيين مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية "سي آي إيه" بيل بيرنز، ونظيره الإسرائيلي دافيد برنياع، رئيس الموساد.

كما سيحضر رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وكبير المفاوضين المصريين، وقبل ذلك سيتجه آل ثاني إلى إيران يوم الإثنين المُقبل، من دون الكشف عن تفاصيل الزيارة.

وقال اثنان من مسؤولي حماس، إن المقترح الأميركي به بعض التعديلات الإسرائيلية المرفوضة بالفعل، والتي تشمل الوجود العسكري الإسرائيلي على طول الممرين، ونفي بعض السجناء الفلسطينيين المفرج عنهم إلى الخارج، وعدم إرسالهم إلى الضفة الغربية أو غزة.

ونفى مسؤول أميركي كبير وجود أشياء غير متفق عليها من قبول حول ممر نتساريم في المقترح الأميركي، وقال إن الترتيبات حول ممر فيلادلفيا "مؤقتة" ويجب أن تتسق مع النص الإسرائيلي في صيغة 27 مايو التي طرحها بايدن وأيدها مجلس الأمن الدولي.

وأشار المسؤول الأميركي إلى أن المقترح الأميركي به "فوائد هائلة وفورية"، لسكان قطاع غزة، ويلبي العديد من مطالب حركة حماس السابقة خلال عمليات التفاوض.

وقال مسؤولان أمنيان في مصر، إن إسرائيل وحماس مستعدتان لحسم الخلافات في جميع المجالات، بخلاف ما يتعلق بالانسحاب الإسرائيلي من فيلادلفيا ونتساريم، في وقت يصر خلاله نتنياهو على البقاء على حدود غزة وسيناء، بعدما كشف مكتبه في بيان، الخميس 22 أغسطس أن "تأمين الحدود الجنوبية" ضمن أهداف الحرب الإسرائيلية.

وتعتبر إسرائيل السيطرة على محور فيلادلفيا أمرا ضروريا، حتى تمنع تسليح مقاتلي حماس عن طريق الأنفاق الرابطة بين غزة ومصر، أو عمليات التهريب على الحدود.

لكن مصر ترفض الوجود الإسرائيلي على حدودها مباشرة، وهي مسألة حساسة جدا للقاهرة.

وأكدت مصادر أمنية مصرية أن القاهرة مستعدة للعمل على زياد الإجراءات الأمنية وتكثيفها في محور فيلادلفيا، لكنها ترفض وجود القوات الإسرائيلية هناك.

وترفض إسرائيل مغادرة المحور الاستراتيجي بين غزة وسيناء، منذ أن سيطرت عليه في مايو الماضي، وقالت إن حماس تستخدمه لتهريب الأسلحة والمواد المحظورة إلى غزة عن طريق الأنفاق.

وبسبب سيطرة إسرائيل على المنطقة الحدودية بين مصر وغزة، أُغلق معبر رفح، وقلص كمية المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى القطاع الفلسطيني من الأراضي المصرية، وأوقف عمليات الإجلاء الطبي، بعد أن كان المعبر الحدودي الوحيد في غزة الذي لا يخضع إلى السيطرة الإسرائيلية المباشرة.

وتنفي مصر وجود عمليات تهريب بين سيناء وغزة عن طريق الأنفاق، مشيرة إلى أن كل الأنفاق تم تدميرها أو أغلقت، مع التمسك بتنفيذ بنود معاهدة السلام بإقامة منطقة عازلة لا تشمل وجود الجيش الإسرائيلي على الحدود المصرية.

قال مسؤول في حماس إن إسرائيل رفضت الإفراج عن حولي 100 سجين فلسطيني من بين الأسماء المُقدمة من الحركة الفلسطينية، بما فيهم المسنين، والذين يتبقى في عقوبتهم أعوام كثيرة.

وبخلاف نقطة البقاء الإسرائيلي الخلافية في المفاوضات، تبرز قضية الإفراج عن السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، ضمن أكبر العقبات في المحادثات.

وقال الدبلوماسي الغربي، وكذلك مسؤولا حماس، إن إسرائيل تريد أن ترسل السجناء المُفرج عنهم إلى المنفى بعيدا عن إسرائيل أو الضفة الغربية أو غزة، وهو الأمر الذي ترفضه حماس.

وقال مسؤول: "رفضت حماس قبول الورقة الأميركية الإسرائيلية"، في إشارة إلى أن المقترح الأميركي يتماهى مع الاتجاه الإسرائيلي، من دون النظر إلى مطالب حماس بجدية.