صراعات
.
مساء الثلاثاء، أطلقت إيران 200 صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل بعد تحذير وصل للولايات المتحدة، وعلى خلاف التصعيد السابق في شهر أبريل، استخدمت إيران صواريخ فرط صوتية وصلت لإسرائيل بعد 12 دقيقة، وهو ما شكل اختباراً جدياً لأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي.
الإيرانيون زعموا أن صواريخهم تغلبت على الدفاعات الإسرائيلية وأن 80% منها وصلت لأهدافها النهائية بنجاح.
أما إسرائيل، فزعمت في البداية عكس ذلك، قائلة إن معظم تلك الصواريخ تم اعتراضها من قبل الأنظمة الدفاعية، قبل أن تقر مساء الأربعاء، 2 أكتوبر، بتضرر عدة قواعد جوية جراء الهجوم الإيراني.
فأي تقدير أقرب للواقع؟ وهل نجحت الدفاعات الإسرائيلية في التغلب على الصواريخ أم العكس؟ وكيف تعمل تلك المنظومة؟ وما هي صواريخ فتّاح-2 التي استخدمتها إيران في هذه الضربة؟
"غير فعال ومهزوم" هو وصف الرئيس الأميركي جو بايدن للهجوم الإيراني على إسرائيل مساء الثلاثاء، وهو نفس الوصف الذي تداوله الخبراء الإسرائيليون منذ ذلك الحين مثل الخبير الأمني في هآرتس عاموس هاريل.
لكن ما يولد بعض الشكوك حول الرواية الإسرائيلية هو ما يبدو أنه منع نشر صور الأضرار التي أحدثتها الهجمة الإيرانية.
مقاطع الفيديو المتداولة أظهرت سقوط العديد من الصواريخ على بعض الأهداف، ولكن كل ما نشرته الصحافة الإسرائيلية من آثار الهجوم كان مقطعا يظهر أضرارا متوسطة لحقت بمدرسة وآخر يظهر أضراراً لحقت بمنزل ومطعم.
يأتي هذا في الوقت التي أعلنت فيه بلدة هود هاشارون الصغيرة القريبة من تل أبيب وحدها عن تضرر 100 منزل على الأقل من الصواريخ الإيرانية، بعضها سيحتاج لوقت طويل لإعادة ترميم، بينما غطى الهجوم الإيراني مناطق مختلفة في جميع أنحاء إسرائيل تقريباً.
الجيش الإسرائيلي اعترف، الأربعاء، أن عدة قواعد جوية تضررت جراء الهجوم الصاروخي، مشيرا إلى عدم وجود أضرار كبيرة في البنية التحتية، بحسب إذاعة الجيش الإسرائيلي.
إسرائيل لديها رقيب عسكري تابع لجهاز أمان الاستخباري يملك الصلاحية لمنع النشر بشكل كامل حول أحداث معينة.
ويتجنب الإسرائيليون عادةً نشر صور الأضرار التي تلحق بقواعدهم العسكرية سواء من ضربات حزب الله، أو هجوم حماس في 7 أكتوبر، بينما يدور الحديث الآن عن استهداف إيران لقواعد طيران نيفاتيم وتل نوف وهاتسريم ومقر الموساد.
في المقابل، حديث طهران عن إصابة 80% من الأهداف يبدو مبالغاً فيه، نظراً لأن الهجوم الإيراني بمجمله لم يسفر سوى عن إصابة واحدة ومقتل مواطن فلسطيني في أريحا.
كذلك، الدمار الناجم عن الصواريخ في مقاطع الفيديو المنتشرة في إسرائيل يبدو متوسط القوة، ولم يتخطَ إسقاط جدار مدرسة وصنع حفرة في الأرض وتحطيم نوافذ منازل، وهو ما يعني أن تلك المناطق إما أصيبت بشظايا الصواريخ الباليستية بعد اعتراضها، أو أن الصواريخ نفسها لم تحمل رؤوساً متفجرة.
إسرائيل لديها 3 مستويات من الدفاعات المضادة للصواريخ، أبرزها والتي تم استخدامها مساء الثلاثاء هي منظومة السهم أو "آرو" الإسرائيلية-الأميركية وهي من تصنيع شركة بوينغ للطيران وشركة صناعات الفضاء الإسرائيلية IAI.
منظومة آرو مخصصة لاعتراض الصواريخ الباليستية ولها نوعان رئيسيان في الخدمة في إسرائيل حالياً.
نظام آرو-2 المصنع في عام 1994، جرى تطوير 5 نسخ فرعية منه حتى عام 2011، ويعمل بسرعة فرط صوتية، وهو قادر على اعتراض أهداف على ارتفاع 50 كيلومترا وتغطية مدى 100 كيلومتر.
هناك أيضاً منظومة آرو-3 المصنعة في عام 2008، والتي تعمل أيضاً بسرعة فوق صوتية وقادرة على بلوغ ارتفاع 100 كم من سطح الأرض وتغطية مدى يصل لـ2400 كيلومتر، أي بمقدورها اعتراض صواريخ خارج حدود إسرائيل.
منذ عام 2017 وحتى اللحظة، تقوم إسرائيل وأميركا بتطوير نظام آرو-4 ليتفوق على الأنظمة الأخرى ويكون بمقدوره اعتراض صواريخ كروز فرط صوتية والصواريخ الانزلاقية فرط الصوتية.
الجيش الإسرائيلي أعلن في 31 أكتوبر من العام الماضي استخدام منظومة آرو لأول مرة منذ اندلاع الحرب على غزة، وذلك لاعتراض صاروخ أرض-أرض في البحر الأحمر أطلق باتجاه إيلات.
الدفاعات الإسرائيلية المضادة للصواريخ تتضمن منظومة مقلاع داود متوسطة المدى، والتي تعمل على إسقاط الصواريخ الباليستية التكتيكية والمسيرات والصواريخ متوسطة المدى.
مقلاع داود أيضاً تم تطويره بتمويل وشراكة إسرائيلية-أميركية بين شركة رافائيل وشركة رايثيون ليدخل الخدمة في عام 2017، ويستطيع تغطية 40-300 كيلومتر والتحليق على ارتفاع 15 كيلومترا.
هي المنظومة الأكثر شهرة، لكنها غير مخصصة للصواريخ الباليستية، وإنما لاعتراض المسيرات والصواريخ قصيرة المدى، مثل التي كانت تطلقها حركة حماس في غزة، أو حزب الله في لبنان.
القبة الحديدية طورتها شركة رافائيل الإسرائيلية بتمويل من الولايات المتحدة ودخلت الخدمة عام 2011، وهي تعتمد بشكل كبير على التمويل الأميركي السنوي لإعادة شحن بطارياتها بالصواريخ الاعتراضية.
منظومة القبة تستطيع أن تحدد بسرعة إذا ما كان الصاروخ المنطلق باتجاه إسرائيل في طريقه لإصابة منطقة مأهولة بالسكان أو منطقة فارغة، وبناءً عليه، تقوم بإطلاق صاروخ اعتراضي يصل مداه 70 كيلومترا.
صاروخ آرو الواحد يكلف إسرائيل عادةً حوالي 3.5 مليون دولار، بينما يكلف صاروخ "مقلاع داود" الواحد مليون دولار.
لذلك تقول صحيفة الغارديان إن تكلفة اعتراض 180 صاروخا إيرانيا ليلة الثلاثاء قد كلفت إسرائيل على أقل تقدير مئات ملايين الدولارات.
وتضيف الصحيفة أنه في المقابل، الصواريخ الإيرانية المستخدمة في استهداف إسرائيل لم تكلف الواحدة منها سوى نحو 100 ألف دولار.
كذلك، صواريخ ومسيرات حزب الله التي تطلقها يومياً تجاه إسرائيل تعد ضئيلة التكلفة مقابل تكلفة منظومة مقلاع داود أو القبة الحديدية، حيث يصل سعر صاروخ الاعتراض الواحد للقبة حوالي 50 ألف دولار.
لذلك، يحذر خبراء من دخول إسرائيل في حرب استنزاف طويلة في الشمال لأن اقتصادها لن يقوى على تحمل ذلك.
تعمل إسرائيل تعمل حالياً على تطوير نظام اعتراض للصواريخ بالليزر يدعى "الشعاع الحديدي" من تصنيع شركة رافائيل المملوكة للدولة.
النظام ما يزال قيد التجربة وتتوقع إسرائيل إدخاله الخدمة في عام 2025، وفي حال نجاحه، فإن كلفة اعتراض الصاروخ الواحد ستتراوح بين 2-5 دولار فقط، ما يعني توفير مئات الملايين على إسرائيل.
لكن تلك المنظومة يبلغ مداها حالياً 10 كم فقط، مقارنة بـ70 كم للقبة الحديدية و300 كم لمقلاع داود و2400 كم لآرو-3.
أكثر ما لفت الأنظار في الهجوم الإيراني هو استخدام الصاروخ الفرط صوتي فتاح-2 للمرة الأولى ميدانياً ضد دولة أخرى.
الصاروخ الباليستي المنتمي لعائلة الأسلحة فرط الصوتية الانزلاقية، أعلنت عنه إيران بعد شهر على اندلاع الحرب على غزة في 2023، ويبلغ مداه 1500 كيلومتر.
صاروخ فتاح-2 يسير بسرعة قد تصل لـ20 ماخ، أي أسرع من الصوت بـ20 مرة، ليسافر مسافة 6 كم في الثانية الواحدة، ما يعني أن بإمكانه الوصول لإسرائيل في 4-5 دقائق.
فتاح-2 قادر أيضاً على تغيير مساره بشكل كبير أثناء الطيران للتهرب من أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ، ويعمل بنظام GPS، ويصل وزنه إلى 4 أطنان، ويستطيع أن يحمل رأساً متفجراً بوزن 500 كيلوغرام وقوة تفجيرية تصل 200 كيلوغرام.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة