صراعات
.
بعد أن كانت محط أحلام وآمال الهاربين من أوطانهم، باتت السويد اليوم منطلقا للهجرة المعاكسة وبلاد طاردة للوافدين أو بعضهم، كما يقول الكثيرون.
باعتقاد الحكومة السويدية فإن أعداد المهاجرين من البلاد، فاقت أعداد الوافدين عام 2024، للمرة الأولى منذ أكثر من نصف قرن.
بلينكس التقت عددا من المهاجرين في السويد الطامحين للخروج منها، متحدثين عن تجاربهم وأسباب رغبتهم بالهروب منها.
فما هي أسبابهم وماذا تقول القوانين؟
علي قاسم، عراقي وصل السويد بعقد عمل ثم حصل على إقامة لمدة سنتين وبعد انتهاء المدة قدم طلبا آخر لتجديدها سنتين. ظل قاسم ينتظر قرار التجديد لمدة 3 سنوات وشهر، أي انه تجاوز المدة القانونية للانتظار واستحق الآن الحصول على الإقامة الدائمة أثناء فترة مكوثه.
كون مقيم العمل يحق له الحصول على الإقامة الدائمة بعد 4 سنوات من العمل المستمر، فإن قاسم واصل الإقامة والعمل لأكثر من 5 سنوات.
إلا أن قاسم تفاجأ برفض دائرة الهجرة منحه الإقامة الدائمة بعد الانتظار الطويل، أما السبب فهو خطأ إملائي أثناء التقديم للحصول عليها.
يقول قاسم الذي يخطط حاليا للعودة إلى العراق، إنهم تأخروا عليها سنتين بطلب التجديد حتى انتهت مدة الإقامة الذي يطلب أساسا تجديدها قبل الحصول عليها.
ويوضح لبلينكس قائلا إنه لا يوجد في السويد التزام حقيقي بالقوانين، بل تعود القرارات لرغبة من يصدر القرار أو الموظف المباشر المسؤول عن القضية، لذلك ترى قانون يطبق على شخص بينما لايطبق على آخر.
محمود عادل، فلسطيني وصل السويد عام 2016 بجواز سفر ألماني مزوّر قادماً من اليونان، حيث كانت وجهته بريطانيا.
اعتقل عادل في مطار سويدي وخيّر بين السجن بتهمة استخدام الأراضي السويدية للتهريب بجواز مزوّر أو طلب اللجوء، بعدها حكمت عليه المحكمة بسنة سجن مع وقف التنفيذ وغرامة.
وحصل على حق اللجوء في السويد عام 2018، فبدأ بدراسة اللغة والبحث عن عمل.
يقول عادل لبلينكس إنه "طيلة هذه السنوات كلما تقدمت على وظيفة في مكان ما، يُطلب مني ورقة من الشرطة تثبت عدم امتلاكي لسوابق، فترسلها الشرطة لكنها تظهر أنني محكوم سابقا مع وقف التنفيذ بسبب استخدامي جواز سفر مزوّر".
راجع عادل الشرطة مرارا، لكنهم أخبروه أن تلك الجناية سترفع من ملفه الشخصي في فترة تتراوح من 5 سنوات إلى 10، ما اضطره للعمل بطرق غير شرعية.
لم يحدد عادل بعد الوجهة التي ينوي الذهاب إليها، لكنه أكد أنه لن يدفع من سنين عمره أكثر في السويد بلا فائدة.
وصل المواطن السوري، أحمد جمال إلى السويد عام 2016، ولسوء حظه كانت السلطات قد وضعت بند العمل للحصول على الإقامة الدائمة قبل أشهر من وصوله، واشترطت أن يكون عقد العمل سنتين فأكثر.
يقول جمال "الحصول على عمل بهذا المواصفات أمر ليس بالسهل في السويد خصوصا على من هم مثلي، وجميع الأعمال التي وجدتها كانت بعقد إما 6 أشهر أو سنة".
ويضيف أنه منذ عام 2016 وحتى الآن "أعيش حالة من عدم الاستقرار بينما من سبقوني بمدة بسيطة حصلوا على الإقامة والجنسية دون هذا الشرط".
يطمح جمال الآن للانتقال إلى ألمانيا بعقد عمل، ليبدأ من نقطة الصفر في بلد جديد بعد أن خسر 8 سنوات من عمره في السويد، وفق قوله.
عبد الله العزاوي، عراقي وصل السويد عام 2007 ونال الجنسية 2011، ويعمل حاليا عنصر أمن في دائرة الضريبة بمدينة مالمو، حيث يعيش حياة مستقرة إلى حد ما بمرتب شهري، 19 ألف كرون، قرابة 1600 دولار.
العزاوي بدا منزعجا وهو يتحدث عن الزيادة الهائلة في الأسعار، لكن هذا لم يكن السبب وراء قرار الهجرة، بل قضية تخص ابنه قتيبة.
يقول العزاوي، إن الباحثة الاجتماعية في المدرسة أرسلت إليهم رسالة بخصوص زيادة وزن ابنه البالغ 8 سنوات، وأبلغتهم أن ذلك خطير وعليهم معالجة المشكلة.
من هنا بدأت معاناة العزاوي، فقد بدأت العائلة بتغيير نمط طعام وحياة "قتيبة" لتقليل وزنه، إلا أن الطفل أبلغ الباحثة الاجتماعية أنه ينام جائعا ولا يوفر له أهله الكمية الكافية من الطعام، لترسل لهم الباحثة رسالة استدعاء مجددا.
يقول العزاوي "أنا الآن أمام مشكلة عويصة فإن استمر بالشكوى للباحثة قد يسحب مني السوسيال (الخدمة الاجتماعية) الطفل، وإن أطعمته كما السابق سيزداد وزنه وأيضا نقع في ذات المعضلة، ولا مخرج من هذه الحيرة سوى الهجرة".
ويزعم العزاوي أن هذه القوانين تركز على المسلمين أكثر.
الوجهة التالية لعائلة عبد الله هي بريطانيا، ويقول إن دول أوروبا الأخرى تحاول حل أي مشكلة أسرية لاستمرار العائلة، بينما هنا في السويد يسعون لخلق المشاكل ثم تضخيمها ثم سحب الطفل.
ظاهرة "الهجرة العكسية" في أوساط الوافدين واللاجئين ممن جاءوا في العقد الماضي ويبحثون اليوم عن وجهات أخرى تتواءم أكثر مع تطلعاتهم العائلية والمهنية، محط اهتمام الحكومة السويدية.
وزيرة الهجرة السويدية ماريا مالمر ستينرغارد، تقول إن عدد المهاجرين من السويد زاد عن عدد الوافدين بواقع 5700 شخص للفترة من يناير حتى مايو من هذا العام.
وبينت أن "عدد المغادرين تزايد في صفوف الأشخاص المولودين في دول مثل العراق والصومال وسوريا".
ومنتصف الشهر الجاري، أعلنت الحكومة عزمها منح المهاجرين المقيمين لديها مبلغ يصل إلى 34 ألف دولار، مقابل مغادرتهم الطوعية للبلاد.
واتخذت الحكومة هذا القرار بناءا على نتائج تحقيق حكومي حول برنامج إعادة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية مقابل تعويضات مالية.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة