مفاوضات "أمراء الحرب".. كيف عقّد اغتيال السنوار صفقة الأسرى؟

منذ عهد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، والذي اغتيل في العاصمة الإيرانية طهران في يوليو 2024، يقود نائب رئيس المكتب السياسي للحركة في غزة، خليل الحية المقيم في الدوحة، مفاوضات الهدنة وإطلاق سراح الأسرى إضافة للمصالحة مع حركة فتح.

وبعد تولي السنوار قيادة المكتب السياسي للحركة، جدد الثقة في الحية، إذ يعتبر شخصية إدارية فاعلة داخل حماس، وله رصيد قوي خاصة بعد مقتل 2 من أبنائه في غزة، كما حاولت إسرائيل اغتياله مرات عدة، إضافة إلى علاقته الجيدة بإيران.

وسلطت الأضواء على الحية في عام 2022 عندما زار العاصمة السورية دمشق، لإعلان فتح صفحة جديدة مع سوريا برئاسة بشار الأسد.

ويبرز اسم خالد مشعل، رئيس الحركة في الخارج، الذي يعتبر الشخصية "الدبلوماسية" داخل حماس، وعراب علاقاتها مع الدول العربية والغرب.

الأهم من ذلك، ينسب لمشعل استصدار وثيقة حماس السياسية لعام 2017 التي قبلت فيها الحركة "بحل الدولتين ومنظمة التحرير، ونبذ معاداة السامية والتفريق بين الصهيونية واليهود والقول إن العداء للصهيونية فقط".

علاوة على ذلك، فمشعل بعيد عن إيران، بسبب مساندته المعارضة المسلحة السورية على حساب الرئيس السوري بشار الأسد، في وقت تُعتبر إيران الداعم المالي الأكبر للحركة.

وفي حال اختيار الحية، فيرجح استمراره على نهج السنوار في استمرار الحرب والحفاظ على علاقاته مع طهران، أما مشعل فربما يكون أكثر اهتماما بوقف إطلاق النار والاستفادة بوضع حماس كطرف فلسطيني أساسي في أي حوار، بحسب مقال غيث العمري ونعومي نيومان، في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.

ومن داخل غزة، يبرز اسم شقيق يحيى السنوار، محمد، الذي يعد أحد أبرز وأقدم قادة كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس ويعد أحد أهم العناصر على قائمة المطلوبين لدى إسرائيل، وذكرت مصادر من حماس أنه نجا من محاولات إسرائيلية عدة لاغتياله، من بينها غارات جوية وهجمات بعبوات مفخخة على جانب الطريق.

كما يبرز اسم عزالدين حداد، رئيس الجناح العسكري لحماس في شمال غزة، وعضو المجلس العسكري للحركة، بحسب العمري ونيومان.

ويشير الباحثان إلى أن اغتيال السنوار سيؤدي إلى فوضى وتداعيات خطيرة محتملة على الأسرى الموجودين في غزة، فيما ستسعى القيادات المتبقية من الحركة إلى إظهار عدم تراجعها من خلال استمرار إطلاق الصواريخ ومحاولة تحريك الأمور في الضفة الغربية، رغم قدرتها المحدودة على ذلك.

في هذا السياق، يرى ديفيد خلفا مؤلف كتاب "إسرائيل-فلسطين، العام صفر" والباحث في مؤسسة جان جوري لوكالة فرانس برس أن ميزان القوى الداخلي في حماس سيميل الآن نحو الفرع الخارجي "حيث تتركّز مصادر التمويل والدعم اللوجستي وتدريب المقاتلين".

ولكن إذا اختارت الحركة مسؤولا في الخارج، فإنّها تخاطر برؤية الأخير منفصلا عن المقاتلين على الأرض، وإذا عيّنت مقاتلا مثل محمد السنوار شقيق قائدها الراحل، فستبتعد عن الحل السياسي.

وفي الحالتين، فإنّ قضية الرهائن تواجه مصيرا مجهولا.

لم تعد حماس المنظمة العسكرية ذات الهيكلية الواضحة والهرمية التنظيم الذي كانت عليه قبل الحرب بكل كتائبها وألويتها.

ويقول ديفيد خلفا إنّه بعدما أضعفت الهجمات الإسرائيلية الحركة وشرذمتها بعد تقطيع أوصال القطاع بين الشمال والجنوب، باتت حماس "تعمل ضمن خلايا محلية للغاية، إلى درجة أنّها أصبحت لا مركزية بشكل كبير".

ويضيف "بات الأمر أقرب إلى مليشيا مع أمراء حرب محليين" يحافظون على "روابط مع شبكات مافياوية، بما في ذلك عائلات يبدو أنّها تحتجز رهائن".

ويشير إلى أنّ هذا الوضع الجديد "سيطرح مشكلة حقيقية للإسرائيليين والأميركيين. وبدلا من التوصل إلى اتفاق شامل لتحرير الأسرى، من المحتمل أن يسعوا إلى إطلاق سراحهم بشكل تدريجي، من خلال منح الحصانة لأمراء الحرب وإمكانية مغادرتهم غزة" للجوء إلى تركيا أو إيران أو بلد آخر.

ويقول جان ألترمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في الولايات المتحدة، إنّ "جهود المفاوضات كانت ترتكز في السابق على فكرة أنّ السنوار لديه اتصال مع معظم الذين يحتجزون الرهائن، وأنّه يمكن أن يؤثر على أفعالهم".

ويضيف أنّ "الصورة أصبحت أكثر ضبابية الآن ويجب أن نتوقع حلولا مختلفة".

ولا يستبعد المراقبون أن يتمّ إعدام بعض الرهائن انتقاما لمقتل السنوار أو لاقتناع محتجزيهم أنّهم لن يحصلوا على مقابل لإطلاق سراحهم.

في عام 2011، أطلقت حماس سراح الجندي جلعاد شاليط بعد احتجازه لخمس سنوات في قطاع غزة مقابل 1027 أسيرا فلسطينيا، كان من بينهم يحيى السنوار نفسه.

ولهذا، فإن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو غيرة مستعدة لتكرار هذا السيناريو وإطلاق سراح الأسرى بأي ثمن أو سيناريو رغم الضغوط القادمة من أهالي الأسرى والشارع، ويقول ديفيد خلفا "يريدون الابتعاد عن سابقة شاليط التي كانت خطأ باهظا".

في السياق ذاته، يشير كريم ميرزان الخبير في شؤون المنطقة في "أتلانتك كاونسل"، إلى أنّه في ظل فراغ السلطة الذي غرقت فيه حماس، "قد يُترك الرهائن لشأنهم وقد يكون بمقدورهم الهروب".

ولكنّه يضيف أنّ "هناك مخاوف من أن تشعر كوادر وسيطة في حماس بالحاجة للقضاء عليهم بهدف حماية هوياتهم وتجنّب أعمال انتقامية".