صراعات
.
تخوض إسرائيل حروبا على أكثر من جبهة، في غزة ولبنان، والتصعيد المتبادل ضد إيران وأذرعها في العديد من دول المنطقة، لكن هناك حروبا أخرى بالداخل.
تعيش الحكومة الإسرائيلية تحت ضغوطات كبيرة، أبرزها إطالة أمد الحرب على قطاع غزة والفشل في استعادة الرهائن لدى حماس، ما دفع البعض لاتهام وزراء بالتواطؤ والعمل من أجل مصالح شخصية.
الحرب ذاتها أدت إلى تحويل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه المُقال يوآف غالانت إلى مطلوبين للعدالة دوليا بسبب جرائم الحرب المُرتكبة ضد المدنيين في غزة. وبعيدا عن المطلوبين للعدالة، برز أعضاء في حكومة نتنياهو على السطح يواجهون قضايا واتهامات بارتكاب جرائم، فماذا نعرف عن الحكومة الإسرائيلية المُثيرة للجدل؟
أصدر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، في ٢٠ مايو الماضي، بيانا يطلب خلاله إصدار أوامر اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي المُقال يوآف غالانت.
طلب المدعي العام شمل كذلك ٣ من قادة حركة حماس وهم إسماعيل هنية ويحيى السنوار ومحمد إبراهيم الضيف، لكن إسرائيل سبقت قرارات الجنائية الدولية ونجحت في اغتيالهم جميعا.
واستند بيان الجنائية الدولية، على عدة مواد من النظام الأساسي، ليوجه اتهامات واضحة لرئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه السابق، بارتكاب جرائم حرب وإبادة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة منذ ٨ أكتوبر ٢٠٢٣.
الاتهامات التي وجهت إلى ثنائي الحكومة الإسرائيلية تلخصت في تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب ما يُشكل جريمة واضحة، والتسبب عمدا في معاناة المدنيين ومعاملتهم بقسوة.
ووجهت الجنائية الدولية تهمة شن هجمات عسكرية ضد السكان المدنيين عمدا، واعتبرتها جريمة حرب وإبادة وقتل عمد، مستندة على أعداد الوفيات الهائلة في القطاع. كما يواجه نتنياهو وغالانت تهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، واضطهاد المدنيين الفلسطينيين، وترويعهم، وكلها اتهامات وثقها المدعي العام بمواد قانونية واضحة.
وقال المدعي العام في بيانه إن الأدلة التي جمعها مكتبه بما فيه مقابلات مع ناجين وشهود عيان ومقاطع فيديو وصور لتوثيق الأحداث، وصور للأقمار الصناعية، تظهر أن إسرائيل منعت سكان غزة من كل وسائل الحياة، وقطعت عنهم كل شيء ضروري لبقاء الإنسان.
نتنياهو وغالانت باتا متهمان كذلك بفرض حصار شامل على قطاع غزة بعد إغلاق كل المعابر الحدودية وتقييد الإمدادات الأساسية بشكل تعسفي، بما في ذلك الغذاء والدواء.
وفي المقابل أبدى نتنياهو وغالانت اعتراضهما على قرار المدعي العام، وحظيا بدعم الرئيس الأميركي جو بايدن، والكونغرس، حيث وصفت الولايات المتحدة هذه الخطوة بأنها "مثيرة للغضب".
وقال غالانت وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها في تصريحات أبزرها لشبكة بي بي سي إن وضع الجنائية الدولية اسمه مع نتنياهو إلى جانب قادة حماس في طلب مذكرة اعتقال واحدة "مقارنة حقيرة".
وبعد فوز ترامب في الانتخابات الأميركية، نشرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل تقريرا حول ما وصفته بالقضية الأكثر إلحاحا، المتعلقة بإمكانية إصدار طلبات توقيف رسمية ضد نتنياهو وغالانت.
ويُعد ترامب من أكثر المنتقدين للمحكمة الدولية، ليؤكد التقرير الإسرائيلي إلى أنها قد تسارع بإصدار مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت قبل تولي المرشح الجمهوري الحكم بشكل رسمي.
الحكومة الإسرائيلية لديها اتهامات فساد كذلك بحق الكثير من الوزراء والمسؤولين، أبرزهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الذي واجه تهمة السيطرة والاستيلاء على جهاز الشرطة مؤخرا.
وقالت مستشارة الحكومة القضائية الإسرائيلية إنها بصدد تسليم نتنياهو ملفا متخما بتسجيلات وشهادات حول خرق بن غفير للقانون بتصرفات تشير إلى تورطه في تهم فساد. ويُتهم بن غفير بالتحريض على تفجير الوضع في المسجد الأقصى والتصعيد ضد العرب، بعد أن نجح في الاستيلاء على جهاز الشرطة الإسرائيلية بمساعدة بعض المقربين منه.
واتهم بن غفير من قبل بتسريب أسرار الدولة في إسرائيل، وقالت تقارير إعلامية إن نتنياهو رفض إشراكه في جلسات مشاورات أمنية في المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية "الكابينت" خوفا من تسريبه للمعلومات.
اتهامات الفساد طالت مدير مكتب رئيس الوزراء، تساحي برافرمان، حيث واجه اتهامات بابتزاز ضابط بالجيش الإسرائيلي واحتفاظه بمعلومات سرية ضد مسؤولين آخرين، وتسجيل مقاطع مصورة لهم.
ووفقا للإعلام الإسرائيلي قام مدير مكتب نتنياهو بتسجيل مقاطع من كاميرات المراقبة الأمنية لبعض الضباط، وسمح لموظفين آخرين بمشاهدتها لاحقا.
وفي ظل مواجهة موجة عالية من الغضب واتهامات الفساد، نفى برافرمان في بيان رسمي ارتكابه أي من هذه الجرائم، وقال إن كل ما يثار في هذا الصدد "كذب وتشهير".
كما واجه المتحدث باسم نتنياهو، إليعازر فيلدشتاين، اتهاما بالحصول على وثائق سرية للغاية وتعديلها، وتسريبها إلى الصحافة الأجنبية، من أجل تجنب الضغوط التي تهدف لإبرام صفقة الرهائن، التي يرى أنها ستضر استقرار حكومة نتنياهو.
وتحقق إسرائيل في الوقت الراهن في أكثر من قضية فساد ضد مسؤولين في الحكومة، أبرزها يتعلق بتسريب الأسرار، والابتزاز ضد أحد أعضاء الجيش الإسرائيلي.
ويجلب بعض الوزراء المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية الأزمات بالداخل بسبب التصريحات الاستفزازية التي تكشف عن تطلعات تتنافى مع ما تقوله الحكومة.
أبرز هؤلاء، هو وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، الذي أعلن في تجمع قومي متطرف شارك فيه الآلاف في بلدة سديروت القريبة من حدود غزة في مايو الماضي، "ضرورة العودة إلى قطاع غزة وبناء المستوطنات هناك".
بن غفير قال إن على الفلسطينيين مغادرة غزة، من أجل إعادة توطين الإسرائيليين في القطاع الذي يتعرض لقصف مستمر منذ السابع من أكتوبر من الجيش الإسرائيلي.
وأشارت صحيفة تايمز أوف إسرائيل إلى أن التجمع الحاشد الذي شهد دعوة بن غفير للاستيطان في غزة شهد حضور ٥٠ ألف شخص، كلهم وافقوا على ما قاله الوزير في حكومة نتنياهو.
وكلما اقتربت مفاوضات إطلاق النار في قطاع غزة من التوصل إلى حلول، يظهر بن غفير بمحاولات جديدة لإشعال الوضع والعمل ضد الاستقرار، كان أبرزها دعوته أكثر من مرة لاقتحام المسجد الأقصى وإقامة الصلاة اليهودية بداخله.
وخلال مفاوضات وقف إطلاق النار في أغسطس الماضي، قال بن غفير في مقابلة مع الجيش الإسرائيلي، نقلتها رويترز، إن السياسة المتبعة في الحرم القدسي تسمح بالصلاة هناك، مضيفا: "لماذا يُصلي المسلمون هناك ولا يحق ذلك لليهود؟".
ووعد بن غفير ببناء كنيس يهودي داخل موقع المسجد الأقصى، بينما حاول مكتب رئيس الوزراء تخفيض حدة الموقف بإعلان التزام إسرائيل بالموقف الرسمي الذي يقبل القواعد المعمول بها منذ عقود، والتي تقيد صلاة غير المسلمين في المسجد الأقصى.
ولا يختلف وزير المالية بتلسئيل سموتريتش عن زميله بن غفير كثيرا، فقد أعلن في أكثر من مناسبة ضرورة سيطرة إسرائيل الكاملة على قطاع غزة والضفة الغربية.
وبينما تنفي الحكومة الإسرائيلية رغبتها في احتلال قطاع غزة والسيطرة عليه تماما، قال سموتريش إنه يجب جلب مئات الآلاف من السكان إلى الضفة الغربية، رافضا فكرة "تقسيم الأراضي" مع الفلسطينيين.
وبعد أن نفت إسرائيل اتهامات المدعي العام للجنائية الدولية بتجويع الفلسطينيين عمدا كسلاح حرب، قال بتسلئيل في أغسطس الماضي، إن تجويع الملايين في غزة مبرر وأخلاقي.
تصريحات سموتريتش جلبت له الإدانة من الاتحاد الأوروبي وفرنسا والمملكة المتحدة، ومطالبة الحكومة الإسرائيلية بعدم الاستجابة لمثل هذه الدعوات التي تخرج من أحد مسؤوليها.
ووفقا لصحيفة "غارديان" فإن الاتحاد الأوروبي اعتبر تجويع الفلسطينيين عمدا "جريمة حرب"، وطالب الحكومة الإسرائيلية بأن تنأى بنفسها بشكل لا لبس فيه عن تصريحات سموتريتش.
ورد وزير الخارجية البريطاني وقتها ديفيد لامي قائلا: "لا يمكن تبرير تصريحات سموتريتش، تجويع المدنيين عمدا هو جريمة حرب، القانون الدولي واضح للغاية".
وفي سبتمبر الماضي نشرت صحيفة هاآرتس تقريرا حول الثنائي اليميني في الحكومة الإسرائيلية، وأشارت إلى أن نتنياهو يخشى بن غفير وسموتريتش أكثر من عائلات الرهائن. ويرفض الثنائي إبرام صفقة مع حماس لاستعادة الرهائن ووقف الحرب، ويمارسان ضغوطا على رئيس الوزراء من أجل استمرار القتال وتحقيق أهدافهما التي تكمن في طرد الفلسطينيين وإقامة مستوطنات إسرائيلية بكثافة في غزة وكذلك في الضفة.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة