إيزيديو العراق المفقودون.. ١٠ سنوات بحث لا تكفي

حين هاجم داعش العراق قبل عقد من الزمان أيدين وروجين حديد طلال، طفلان من الإيزيديين يلهوان في سنجار بإقليم كردستان العراق، حاولت أسرتهم الهروب في الثالث من أغسطس عام ٢٠١٤ من قريتهما "حردان"، لكن المسلحين اعترضوا السيارة التي كانت تقلهم مع والديهما وشقيقين أصغر سنا ليقعوا أسرى للتنظيم.

حتى أحد الأيام التي استدعي فيها الأب ورجال آخرون إلى المسجد في مدينة تلعفر السورية ولم يعد هو ومن معه أبدا.

التنظيم الذي استولى على مساحات واسعة في سوريا والعراق بدأ في خسارة الأراضي، لينقل الشقيقين ذهابا وإيابا بين الدولتين، وانتهى بهما المطاف في قرية الباغوز السورية.

حينها خاض المسلحون آخر معركة هناك في مارس 2019، وحاول أيدين، الذي كان يبلغ من العمر 15 عاما آنذاك، إقناع شقيقه البالغ من العمر 13 عاما بالفرار إلى قوات سوريا الديمقراطية التي كانت تقترب منهم، لكن أخيه الأصغر بعامين، روجين، كان قد تشبث بوجوده في سوريا، ليتفرق شملهما.

عاد أيدين إلى العراق محملا بآلام الفراق، معتقدا أنه فقد عائلته بأكملها، ليعيش مع عمه في خانكي الواقعة في إقليم كردستان بشمال العراق.

مضت السنوات، وشب أيدين عن الطوق ليكون شابا يافعا يكمل سنواته العشرين، لكن ذات يوم عام ٢٠٢٣ تلقى رسالة على فيسبوك من شخص مجهول يسأله عن روجين، ويسأله "هل يمكنك الاتصال بي؟"، فرد عليه ايدين بالقول "لا، لا أستطيع.. أنا لا أعرفك".

فأجاب "أنا روجين"، طلب أيدين صورة للتأكد من أنه أخاه، ليدخلا بعد ذلك في مكالمة بالفيديو استمرت لأكثر من ساعتين في لهفة للم شملهما.

حين اختفى الأب، ألحق أيدين بمعهد ديني ثم ضم إلى صفوف التنظيم قبل أن يفر ويعود إلى العراق، أما الأسرة فقد بيعت قبل أن يأخذه مقاتل من التنظيم لتربيته بحسب ما قال لرويترز.

وعندما اقتربت قوات سوريا الديمقراطية فر المقاتل، وبقي روجين الذي كان وحيدا وخائفا ليقنع أسرة من التنظيم باستقباله وتظاهر بأنه من أبنائها عندما استسلمت للقوات الكردية.

أرسل روجين بصحبة آلاف من أفراد أسر التنظيم الآخرين إلى معسكر الهول، ولكن بعد بضعة أشهر، رتب المقاتل الذي كان يتبعه عملية تهريبه إلى مدينة الحسكة القريبة على دراجة نارية، ثم إلى أحد معارفه في إدلب.

هرب روجين من المعسكر الواقع في الصحراء القاحلة، لكن الرجل الذي كان على تواصل معه غادر إدلب، ليصبح بمفرده مرة أخرى، قبل أن يجد مكانا للإقامة في منزل مع شباب نازحين آخرين، إذ عاملوه بلطف، وعثروا له على عمل كحارس أمن في مقهى بالمنطقة.

عاش روجين 4 سنوات لا يستطيع شراء أي شيء، فقد كان يعمل لساعات طويلة مقابل أجر ضئيل. لكن أسرته لم تغب عن خاطره مطلقا. وعندما وفر ما يكفي من المال، اشترى هاتفا ذكيا، استخدمه للبحث عنهم عبر الإنترنت.

وللوصول إلى شقيقه، كان على روجين أن يعبر إلى منطقة تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، ثم عبور الحدود إلى المنطقة التي يتركز فيها الإيزيديون في شمال العراق. ولم تكن لديه هوية ولا وثائق سفر.

اتصل عم الشقيقين سعيد طلال بمكتب الإنقاذ الكردي، ليوصل الأسرة بمهرب محلي ووافق على تغطية الرسوم البالغة ثلاثة آلاف دولار لنقل روجين في شاحنة إلى كردستان العراق، بحسب ما يحكي سعيد لرويترز.

ويصف سعيد لحظات اللقاء الأول بينهما وهو جالس مع ابني أخيه على حشايا في منزلهم المكون من غرفتين مفروشتين بشكل متواضع "اعتقدت أنه رحل.. ثم ظهر وكأنه عاد من القبر".

الأخوان طلال، أيدين وروجين، فيتحسسان الطريق للمستقبل بصعوبة.

نقل روجين إلى مؤسسة البيت الإيزيدي، وهي مؤسسة اجتماعية وثقافية يخضع فيها الأسرى السابقون لإعادة تأهيل فكريا ونفسيا قبل إعادة دمجهم مع أفراد الطائفة بالعراق. ويتم أخذ هواتفهم، ووضعهم في منزل عائلة من عائلات المنطقة للتعرف على عادات ومعتقدات الإيزيديين.

ويقول إسماعيل دلف الذي يرأس البيت الأيزيدي "الهدف هو جعلهم يتخلون ببطء عن معتقداتهم الحالية ليعودوا إلى الإيمان الإيزيدي من خلال الانغماس في الثقافة.. الأمر صعب للغاية بالنسبة لكثيرين منهم".

وقال دلف إنه سيكون من الخطير إعادتهم إلى ديارهم بعد تلقينهم معتقدات خاطفيهم "مجتمع سنجار صعب.. سيكون هناك رد فعل إذا صلى أحدهم صلاة المسلمين أو شيء من هذا القبيل".

وقال روجين إنه وجد العملية مرهقة واعتراه اليأس من رؤية أسرته يوما ما.

أثناء وجوده في الأسر، تبنى روجين هوية جديدة، فأصبح عبدالله من سوريا، واستغرق الأمر بعض الوقت للتخلص من هذه الهوية، لكنه يقول الآن "أشعر أن شخصية جديدة ولدت.. أنا روجين بنسبة 100٪.. أو ربما 95٪".

ولا يزال روجين يحاول التأقلم مع الحياة كإيزيدي. فهو يشعر براحة أكبر في التحدث باللغة العربية مقارنة بلغته الكردية الأم.

وهو يحلم أيضا بالدراسة والسفر إلى الخارج. لكنه قال إن رغبته في الأساس هي أن يكون "شخصا عاديا" يعيش حياة هادئة.

أما أيدين، فقد أراد العودة إلى الدراسة لكنه تراجع عندما قيل له إنه سيكون في فصل مع أطفال تتراوح أعمارهم بين 9 و10 سنوات. ويعيش على المساعدات ويتعلم العزف على آلة البزق، لكن لا يزال قلقا من صمت شقيقه الذي لم يعد ذلك الطفل المرح الثرثار الذي يتذكره.

روجين هو أحد أفراد الأسرة الـ10 الذين ساعد العم في إنقاذهم ولكن لا يزال هناك 13 من العائلة في عداد المفقودين، إلا أن ثمة أرقام مفزعة أخرى ترتبط بمأساة الأيزيديين في أرقام كالآتي:

• أكثر من 5 آلاف إيزيدي، معظمهم من الرجال والنساء كبيرات السن قتلوا في هجوم داعش 2014 وألقيت جثثهم في مقابر جماعية، بحسب مسؤولين.
• أسر نحو 6400 آخرين، معظمهم من النساء والأطفال.
• ما لا يقل عن 3584 من الأسرى تمكنوا من الفرار أو تم إطلاق سراحهم بحسب بيانات صادرة عن مكتب أسسه رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني لتنسيق عمليات الإنقاذ.
• هناك ما يقرب من 2600 ما زالوا في عداد المفقودين.