صراعات
نجح مصنع حربي روسي في إنتاج نوع جديد من الطائرات المسيرة لتدخل الخدمة في الحرب ضد أوكرانيا، بينما توصلت كييف إلى تكنولوجيا جديدة تمنح مسيراتها إمكانيات ضخمة بمبالغ زهيدة.
السلاح الروسي الجديد يُمكنه اختراق الرادارات وتجاوز أنظمة الدفاع الجوي وكذلك القناصة، ولا يستطيع خبراء الإلكترونيات تحديد موقعه في الجو.
على الجهة الأخرى توصلت أوكرانيا إلى إنتاج مسيرات جديدة رخيصة الثمن، وأضافت إليها كاميرات وحواسب آلية صغيرة مدمجة، ما يسمح لها بالقيادة الآلية والتحكم الذاتي. وفي وقت تعمل فيه أوكرانيا على نشر سلاحها الجديد "القاتل الآلي" في سمائها، تستعد روسيا لإرسال طائراتها المُسيرة الفتاكة كمفاجأة غير سارة للجيش الأوكراني، فكيف تحدث المواجهة بين السلاحين الجويين؟
قال مصدر مطلع على إنتاج روسيا من الطائرات المسيرة، لوكالة أسوشيتد برس إن موسكو تنتج في الوقت الحالي نوعا قاتلا جديدا من الطائرات بدون طيار. وأشار المصدر إلى أن روسيا نجحت في صنع "المزيج القاتل" بدمج رؤوس حربية حرارية في طائرات "شاهد" المسيرة، بعد أن وقعت روسيا صفقة مع إيران عام ٢٠٢٢ بقيمة ١.٧ مليار دولار لشرائها من طهران.
وفي الشهر الماضي، هاجمت روسيا الأراضي الأوكرانية بـ١٨٨٩ طائرة مسيرة على الأقل، أكثر بنسبة ٨٠٪ مما كانت عليه في شهر أغسطس الماضي حسب تحليلات الوكالة الأميركية.
ولجأت روسيا إلى سلاحها الجديد بعد نجاح القوات الجوية الأوكرانية في إسقاط أغلب المسيرات التي تُطلقها موسكو، حيث تشير الإحصائيات إلى نسبة نجاح ٦٪ فقط في إصابة الأهداف داخل أوكرانيا بالطائرات بدون طيار.
وتعكف روسيا على إنتاج سلاحها الجديد في المصنع الحربي بمنطقة "ألابوغا" في تتارستان، على بعد نحو ألف كيلو متر من العاصمة موسكو شرقا.
ويروج المصنع الروسي لنفسه باعتباره مركزا للابتكار العسكري على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن يرى ديفيد ألبرايت من معهد العلوم والأمن الدولي أن الهدف من دعاية مصنع ألابوغا هو بيع الطائرات المسيرة لوزارة الدفاع الروسية.
وأشار مصدر مطلع على عملية الإنتاج رفض الكشف عن اسمه، إلى أن أبرز التعديلات على السلاح الجديد الذي سيدخل الخدمة مع الجيش الروسي، تكمن في "القنابل الفراغية" شديدة الانفجار.
وتعتبر القنابل الحرارية الفراغية المدمجة بالمسيرات الروسية الجديدة حلا مثاليا للأهداف التي تقع داخل المباني المحصنة وفي أعماق الأرض، بسبب خلقها دوامة من الضغط العالي والحرارة ما يمكنها من اختراق الجدران والأرض، كما تعمل على امتصاص الأكسجين في طريقها.
وقال آرثر فان كولر الخبير في القانون الإنساني الدولي في جامعة فورت هير في جنوب إفريقيا إن انهيار الرئتين، وسحق مقل العيون، وتلف الدماغ، من أبرز الأضرار التي تصيب الأشخاص القريبين من موقع انفجارات القنابل الفراغية الحرارية.
وتسعى روسيا لأن تنفق أوكرانيا أغلب ميزانيتها العسكرية على أسلحة الدفاع الجوي لمواجهة أسلحتها الجديدة بدلا من التركيز على الهجوم، إذ تعمل كييف من جهتها على تطوير تكنولوجيا جديدة.
في مقابل السلاح الروسي الجديد، تعكف أوكرانيا حاليا على إنتاج أكبر كمية من الطائرات المسيرة آلية القيادة والتوجيه، بعد إثبات نجاحها في أكثر من عملية خلال الفترة الماضية، رغم أنها لم تعلن عن ذلك بالفعل.
وتتلخص فكرة القاتل الآلي ببساطة، في تزويد الطائرات المسيرة الرخيصة بجهاز كمبيوتر صغير يُمكنه التحكم بشكل آلي في التوجيه والقيادة وضرب الأهداف بدقة لا تخطئ، وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال.
وساعد تحقيق التحول الكبير في عمل المسيرات الأوكرانية، نجاح المنتجين في دمج أجهزة الكمبيوتر غير المُكلفة في أنظمة معقدة لم تكن موجودة من قبل سوى في الطائرات الحربية الأكثر كُلفة.
وعلق مؤسس شركة أوتيريون ورئيسها التنفيذي لورينز ماير قائلا: "لا يوجد جديد في هذا الأمر، الفارق يكمن فقط في السعر، والتكلفة الإنتاجية لهذا النوع من السلاح الجوي".
ويكلف جهاز الكمبيوتر الصغير المدمج بالمسيرة الأوكرانية نحو ١٥ دولارا، بينما تكلف الكاميرا التي تُمكن القائد في الغرفة المغلقة الرؤية بوضوح نفس المبلغ تقريبا.
ويأتي حجم القاتل الآلي الأوكراني الجديد مماثلا لطبق الطعام المتوسط، ويحتوي على ٤ مروحيات صغيرة، وتحمل المسيرة متفجرات أسفلها، وتُدار بواسطة طيار يرتدي نظارات واقع معزز مثل ألعاب الفيديو ليرى من كاميرا الطائرة كأنه في قُمرة القيادة في مقاتلة حربية.
وتعتمد الطائرات المسيرة الأوكرانية الجديدة على نظام تشويش إلكتروني على الأنظمة الدفاعية، لتبدو غير مرئية وتنجح في الانقضاض على الهدف والاصطدام به لتفجيره.
وتنتظر أوكرانيا عشرات الآلاف من أجهزة الكمبيوتر المصغرة من إنتاج أوتيريون المعروفة باسم سكاي نود، أوائل العام المقبل، لصناعة المزيد من المسيرات ذاتية القيادة والتوجيه.
وتعتمد أوكرانيا على التفوق التكنولوجي في مواجهة موجات الدبابات والمشاة الروسية التي تتفوق في العدد والعتاد على القوات الأوكرانية، وتنتشر بالفعل في أراضيها، وتجد في "القاتل الآلي" الجديد حلا مثاليا في المواجهة.
ولن تكتفي أوكرانيا بأن يتحكم كل شخص في إطلاق "القاتل الآلي" الجديد وتركه بعد ذلك يطارد القوات الروسية، بل إن العمل مستمر بالفعل لكي يتحكم عنصر بشري واحد في إطلاق وقيادة سرب من الطائرات الآلية المسيرة.
اللاعبون المهووسون بالألعاب الإلكترونية يعرفون جيدا كيف يحققون الأرقام القياسية في الألعاب القتالية على الهاتف أو الحاسب الآلي أو منصات الألعاب الاحترافية، وكذلك في الحرب الحقيقية.
كشف تقرير آخر لصحيفة وول ستريت جورنال عن انضمام مدنيين إلى الجيش الأوكراني، بسبب قدراتهم على التحكم الآلي في الطائرات المسيرة خلف شاشات الهواتف والحواسب الآلية على طريقة الألعاب الإلكترونية التي يجيدونها.
ومن بين هؤلاء، قائد طائرات بدون طيار أوكراني يُدعي ألكسندر داكنو، قال إنه قتل ما يقرب من ٣٠٠ عسكري روسي خلال عام ونصف تقريبا، وهو رقم يكاد يكون ضعف الذي نُسب إلى أخطر قناص أميركي، الضابط كريس كايل، الذي شارك في حرب العراق عام 2003.
لكن المثير أن ألكسندر لم يُعرض نفسه للخطر ويقترب من أهدافه مثل القناص الأميركي الشهر، بل أنه يقتل خصومه على طريقة ألعاب الفيديو من داخل غرفة تحكم مغلقة.
وسجل داكنو العديد من عملياته الانقضاضية على الجنود الروس بالفيديو، كان أبرزها في بوكروفسك، عندما طارد جنديين روسيين حاولا الاختباء في مرحاض، لينقض عليهما بطائرته الصغيرة التي تُعادل حجم طبق الطعام المتوسط لكنها تحمل أرطالا من المتفجرات، لينجح في إصابة هدفه.
وقال هيوري فولكوف قائد كتيبة الطائرات المسيرة المسماة "ياسني أوتشي" التي تعني العيون الواضحة، إن فريقه يضم المدنيين الذين يرغبون في قتال الروس بالذكاء والتكنولوجيا وليس بالقوة البدنية.
تأسست شركة Vyriy، بعد بداية الحرب الروسية الأوكرانية عام ٢٠٢٢، برأس مال بلغ ٢٠ ألف دولار فقط، قبل أن تمولهم الحكومة والوحدات العسكرية، لتطوير وإنتاج المسيرات الحربية، لكنها تواجه عقبات غير التمويل.
ويقول أوليكسي بابينكو مؤسس الشركة الأوكرانية، إن مُعدل نجاح الطائرات التي تنتجها شركته يبلغ ٩ من كل ١٠ محاولات في تشغيل الطيار الآلي، لكنه واجه مؤخرا مشاكل مع القوات الروسية بسبب استخدام التشويش الإلكتروني وقطع إشارة الفيديو التناظرية التي يستخدمها الطيار لتحليق الطائرة إلى موقع الضربة.
وتعمل شركة بابينكو في الوقت الراهن على تخطي هذه العقبة بالتكنولوجيا، حيث تسعى لتمكين بث الفيديو من التنقل بين ترددات عدة لتفادي التشويش الروسي، لكن مع العمل على إبقاء التكلفة أقل من ٥٠ دولارا لتطوير المُسيرة الواحدة حتى لا تفقد ميزتها الاقتصادية.
وتمنح شركة أوتيريون حلولا إضافية لتفادي التشويش الروسي على المسيرات الأوكرانية، من خلال جهاز كمبيوتر صغير يدمج بالطائرة الآلية، لكن أوكرانيا تعمل على جهاز جديد أقل كلفة.
ولتفادي عقبة الرصد الروسي، تُشغل أوكرانيا القائد الآلي على بعد أقل من كيلومتر واحد من الهدف، خارج النطاق القصير لأجهزة التشويش، ليمكن للقاتل الآلي من ضرب الهدف دون الحاجة إلى التواصل مع العُنصر البشري المتحكم في القيادة ما يجعل التشويش في هذه المرحلة عديم القيمة.
© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة