نازحون عراقيون يبدأون رحلة العودة دون منازل

يقول معاذ فاضل الذي فر من قريته في شمال العراق عقب سيطرة داعش عليها، إن "الذكريات الحلوة" هي التي قادته من جديد إلى العودة لقريته بعد ١٠ أعوام بتشجيع الحكومة العراقية.

فاضل البالغ ٥٣ عاما يروي تفاصيل رحلة عودته إلى قرية حسن شام في قضاء الحمدانية مع عائلته قائلا: "بكينا من الفرح فور وصولنا، نسينا الدمار وكل ما مررنا به".

وأضاف فاضل الأب لثمانية أطفال: "بعد العودة لا يوجد شيء متوافرا هنا، المياه تأتينا بالصهاريج، ولا توجد كهرباء، ونعيش في منزل صديق لفترة مؤقتة".

وبعد عودة فاضل لمطاردة ذكرياته السعيدة، وجد مدرسة أولاده قد دمرت تماما بعد استهدافها من قبل قوات داعش التي سيطرت على المنطقة وهدمت بنيتها التحتية قبل سنوات.

ورغم كل الظروف الصعبة التي يقابلها فاضل بعد عودته، وعلى رأسها عدم وجود فرص للعمل، يقول: "لقد ولدت هنا، ومن قبلي أبي وأمي، نعيش على الذكريات السعيدة".

وتعتاش عائلة فاضل على راتب أحد الأبناء الذي يتلقى كل أربعة أو خمسة ايام، مبلغا لا يتجاوز الثمانية دولارات لقاء عمله في قطاع البناء.

يحصل العائدون إلى مناطقهم استجابة لدعوات الحكومة العراقية بترك مخيمات النازحين على منحة قدرها ٤ ملايين دينار، ما يعادل نحو ٣ آلاف دولار أميركي، تمنح لكل عائلة، من أجل الإعانة على البداية من جديد.

ولا تعد المنحة المالية كافية لإعادة بناء المنازل المهدمة، وتأمين الاحتياجات الأساسية اليومية في منطقة لا توجد بها فرص عمل أو ماء أو كهرباء.

لكن هناك تهديدات أخرى للنازحين تخيفهم من العودة إلى قراهم ومدنهم القديمة، من بينها الاشتراطات الأمنية التي وضعتها الحكومة العراقية، ومن بينها ضرورة الحصول على موافقة الأجهزة الأمنية لكل شخص قبل الخروج من المخيمات.

وتسعى الحكومة العراقية للتأكد من أن العائلات العائدة ليس من بينهم أي أشخاص لهم أنشطة إرهابية، وخاصة ارتباطات مع تنظيم داعش الذي سيطر على ثلث مساحة البلاد قبل أن ينتهي عام ٢٠١٧.

وتشير إحصائيات سابقة إلى وجود نحو ١١ ألفا في مخيمات شرق الموصل، من بينهم ٦٠٠ معتقل سابق، وفقا لوثيقة للأمم المتحدة.

وبعد سقوط داعش، سلم العديد من الأشخاص أنفسهم إلى سلطات إقليم كردستان واعترفوا بانتمائهم للتنظيم الإرهابي، وخضعوا لمحاكمات بالفعل، وبعضهم خرج بعد خمس سنوات سجن في متوسط الأحكام.

ويخشى هؤلاء تهديد القبض عليهم من جديد إذا عادوا إلى الأراضي العراقية الاتحادية، ومن بينهم رشيد البالغ ٣٢ عاما، الذي اختار اسما مستعارا ليتحدث مع وكالة "فرانس برس".

ويقول رشيد إنه دخل السجن من قبل بتهمة الإرهاب، لكنه دخل إلى مخيم النازحين من أجل بدء حياة جديدة، والحصول على فرصة ثانية بعد تجربة السجن المريرة.

ويضيف عامل البناء: "إذا خرجت من المخيم قد يتم القبض علي وأواجه أحكام بالسجن تصل إلى ٢٠ عاما، سينتهي مستقبلي تماما".

ويشير رشيد إلى أن البقاء في المخيم سيعني أنه كان على صلة بتنظيم داعش، ما يجعله موصوما لدى الجميع، بسبب عدم الرحيل مع الآخرين.

وتسعى الحكومة العراقية إلى إبقاء المخيمات مفتوحة حتى آخر عائلة تغادر، مع التأكيد على ضرورة معاقبة أي شخص يثبت تورطه في أعمال إرهابية.

وقال المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين، على عباس جهانكير، إن كل من عليهم أي مؤشرات أمنية، لا يستطيع أحد منع السلطات العراقية من إحالتهم إلى القضاء ومحاكمتهم.

وأضاف جهانكير: "الناس والأجهزة الأمنية يدركون بأن الفرد هو المسؤول عن تصرفاته، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال معاقبة عائلة الفرد على أفعاله".

ومن جانبها قالت مديرة إدارة الهجرة والاستجابة للأزمات في محافظة أربيل ناز جلال سليم: "المخيمات ستظل مفتوحة حتى يغادر آخر شخص، نظرا لأن البعض قد يحتاج إلى المساعدة حتى آخر وقت".

أما مدير حملات المناصرة في المجلس النروجي للاجئين في العراق، إمرول إسلام، قال إن النازحين يمكنهم العودة إلى مناطقهم الأصلية او الإبقاء في المجتمعات التي استضافتهم لسنوات، أو التوطين في مكان ثالث".

وطالب إسلام بضرورة تأمين كل سبل الحياة الأساسية في المجتمع، مثل المدارس والمستشفيات والطرق والأسواق، وتوفير فرص الرزق للعائدين.