صراعات
منذ سقوط حكم بشار الأسد في الـ8 من ديسمبر الجاري، يلف الغموض مصير القواعد العسكرية الروسية في سوريا، وتحديدا قاعدتي حميميم وطرطوس.
والخميس 12 ديسمبر، أكدت الخارجية الروسية على لسان ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، قوله إن موسكو بدأت اتصالات مباشرة مع الإدارة السياسية في هيئة تحرير الشام المعارضة في سوريا. وذكر بوغدانوف أيضا أن موسكو تستهدف الإبقاء على قاعدتيها العسكريتين في سوريا لمواصلة "مكافحة الإرهاب الدولي" في البلاد.
ووسط التطورات في الشارع السوري وتعقد الحسابات الإقليمية في سوريا، هل تتخلى موسكو عن تواجدها بالأراضي السورية؟ وما تأثير ذلك على نفوذ روسيا بالمنطقة بحسب خبراء عسكريين وسياسيين تحدثوا لبلينكس.
تملك روسيا قاعدة حميميم الجوية، الرئيسية في مدينة اللاذقية الساحلية، بينما تقع منشآتها البحرية في طرطوس، وتشكلان منشآت أساسية للحفاظ على نفوذ موسكو في الشرق الأوسط وشرق المتوسط وصولا إلى أفريقيا.
وتشكل قاعدة طرطوس، موقعا أساسيا لتزويد السفن الروسية وإصلاحها، والتي يمكنها تاليا البقاء في مياه المتوسط من دون المرور بالمضائق التركية للوصول إلى قواعد الكرملين في البحر الأسود.
ومنذ بدء تدخلها في سوريا عام 2015، تملك روسيا قاعدة حميميم التي تعتمد على إمدادات الأسلحة والعتاد الواصلة بحرا إلى طرطوس، على بعد حوالي ستين كيلومترا جنوبا.
وفي حديثه لبلينكس يكشف المحلل السياسي الروسي، تيمور دويدار، عن "امتلاك روسيا عدة قواعد عسكرية في سوريا"، المعروف منها قاعدتي حميميم وطرطوس. وهناك قواعد عسكرية أخرى تابعة لموسكو في سوريا "انسحبت القوات الروسية من جزء كبير منها"، بعد سقوط نظام الأسد، حسبما يؤكد المحلل السياسي الروسي.
ومن جانبه، يشير الخبير في الشأن الروسي، نبيل رشوان، إلى "تخفيض التواجد العسكري لموسكو في قاعدة حميميم" منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا عام 2022.
وحولت روسيا غالبية قدرات قاعدة حميميم إلى مسرح العمليات العسكرية في أوكرانيا، وازداد تخفيض تواجد القوات الروسية في القاعدة منذ سقوط نظام الأسد، حسبما يوضح رشوان لبلينكس.
أظهرت صور التقطتها الأقمار الصناعية أن سفنا تابعة للبحرية الروسية غادرت قاعدة موسكو في طرطوس على الساحل السوري وأن بعضها رسا قبالة الساحل بعد إطاحة قوات المعارضة المسلحة بالأسد.
وكشفت صورة التقطتها شركة بلانيت لابس في التاسع من ديسمبر، ظهور ما لا يقل عن ثلاث سفن تابعة لأسطول البحر المتوسط الروسي، بما في ذلك فرقاطتان مزودتان بصواريخ موجهة، راسية على بعد نحو 13 كيلومترا شمال غربي طرطوس، وفق ما نقلته وكالة رويترز.
وأشار تحليل صور الأقمار الصناعية لشركتي بلاك سكاي وبلانيت لابس إلى أن روسيا كانت تمتلك فيما سبق خمس سفن سطحية وغواصة واحدة في طرطوس. وأظهرت صورة التقطتها شركة بلاك سكاي في 5 ديسمبر، أن جميع السفن الـ 6 في القاعدة.
وتؤكد صور الأقمار الصناعية الملتقطة في 9 ديسمبر، تقارير سابقة لمدون الحرب الروسي "رايبار" تفيد بأن السفن الحربية غادرت طرطوس وتمركزت في مواقع قبالة الساحل لدواع أمنية، وحسب صور الأقمار الصناعية فإن الأسطول غادر القاعدة البحرية في وقت ما بين 6 و9 من ديسمبر.
ولذلك، يتحدث أستاذ الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الوطنية الأميركية، والمسؤول السابق بوزارة الدفاع، البنتاغون، ديفيد ديروش، عن "تحريك الروس" سفنهم وقواتهم وعتادهم من تلك القواعد لإعادتها إلى الأراضي الروسية.
وفي تصريحات لبلينكس من واشنطن، يشير إلى "العداء" بين الفصائل السورية المسلحة وعلى رأسها هيئة تحرير الشام من جانب، وبين الروس الذين كانوا "يقصفونهم" لسنوات.
ومن قاعدة حميميم كانت تقلع الطائرات الروسية التي شنت منذ العام 2015 عمليات قصف مدمرة على المعارضة ومدن البلاد في تدخل أنقذ بشار الأسد حينها.
ويوضح ديروش، أن الروس يعلمون جيدا أن علاقتهم بالسلطات السورية الجديدة "غير جيدة"، ولذلك فهم يحركون قواتهم خارج القاعدتين العسكريتين.
لكن على جانب آخر، يشير دويدار، إلى أن تحركات "القطع البحرية الروسية" في البحر المتوسط كنوع من "الاستعداد القتالي" في حال حدوث "أي تطورات"، فضلا عن نشاط مكثف للطيران الروسي لـ"سحب أو تعزيز التواجد العسكري لموسكو في سوريا".
ومن موسكو يتحدث الخبير الاستراتيجي الروسي، أندريه مورتازين، لبلينكس عن "تواصل وتفاهمات" بين الفصائل المسلحة وعلى رأسها هيئة تحرير الشام مع الكرملين، لترتيب مستقبل القواعد العسكرية الروسية.
ويشير الخبير الاستراتيجي الروسي إلى أن القواعد العسكرية الروسية "في مأمن"، ولا توجد أي بوادر لنية السلطات السورية الجديدة لـ"إغلاق القواعد أو طرد العسكريين الروس"، في الوقت الحالي.
وفي سياق متصل، يكشف دويدار، عن وجود "مفاوضات وحوار غير مباشر" بين روسيا والسلطات الجديدة في سوريا عن طريق تركيا، لترتيب مستقبل تلك القواعد العسكرية ومصيرها خلال الفترة القادمة.
وفق تقديرات ديروش، تستعد روسيا لـ"السيناريو الأسوأ"، بإخلاء قواعدها العسكرية حتى لا تقع أسلحة ومعدات روسية حديثة في يد المعارضة السورية المسلحة، إذا اختارت موسكو "البقاء هناك"، يقول ديروش.
ويرى المسؤول السابق بوزارة الدفاع الأميركية أن الروس يخططون لـ"مغادرة قواعدهم في سوريا"، ما سيفقدهم الكثير من النفوذ في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ودول مثل ليبيا. ولا يرجح إمكانية التوصل لاتفاق جديد بين الكرملين والسلطات السورية الجديدة حول استمرار التواجد العسكري في سوريا، ما يمثل "أزمة كبيرة" لموسكو خلال المرحلة المقبلة.
ويتفق معه رشوان، الذي يؤكد أن مصير وجود القواعد العسكرية الروسية في سوريا "محسوم".
وسوف "تضطر" روسيا لـ"إخلاء تلك القواعد والتخلي عنها"، ما سوف يؤثر على "النفوذ العسكري الروسي" في منطقة الشرق الأوسط وفي أفريقيا، وفق الخبير بالشأن الروسي.
لكن على جانب آخر، يوضح مورتازين، أن وجود القواعد العسكرية الروسية في سوريا "قانوني" وفق اتفاقية موقعة مع نظام بشار الأسد في عام 2018، ويستمر مفعولها لـ50 عاما قادمة حتى بعد رحيل النظام السابق.
ويشدد مورتازين على أن إغلاق تلك القواعد قد "يؤثر على النفوذ الروسي" بمنطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره، لكن التأثير "لن يكون كارثي"، على حد تعبيره. وإذا حدثت "تفاهمات" بين الجانبين سوف يستمر عمل القواعد العسكرية، لكن القوات الروسية قد تجد نفسها "مجبرة" على المغادرة إذا حدثت "خلافات" بين الجانبين، وفق الخبير الاستراتيجي الروسي.
ومن جانبه، يرى دويدار أن مصير القواعد العسكرية الروسية يعتمد على "المفاوضات المستقبلية" مع السلطات التي سوف "تستقر" في حكم سوريا وليس "السلطات الانتقالية" الحالية.
ولدى موسكو "أوراق ضغط" على السلطات السورية الجديدة باعتبار روسيا عضو بمجلس الأمن، ما يمنحها الحق في "الاعتراف بالسلطات الجديدة في دمشق من عدمه"، حسبما يوضح المحلل السياسي الروسي.
وفي هذا السياق، نقلت وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء الخميس عن ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي أن موسكو بدأت اتصالات مباشرة مع الإدارة السياسية في هيئة تحرير الشام المعارضة في سوريا.
وذكر بوغدانوف أيضا أن موسكو تستهدف الإبقاء على قاعدتيها العسكريتين في سوريا لمواصلة "مكافحة الإرهاب الدولي" في البلاد.
وأضاف أن الاتصالات مع هيئة تحرير الشام، أبرز فصائل المعارضة السورية المسلحة في البلاد بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، "تسير بشكل فعال"، متابعا أنه يأمل أن تفي الجماعة بتعهداتها "بمنع حدوث أي انتهاكات" والحفاظ على النظام وضمان سلامة الدبلوماسيين والأجانب.
ومضى قائلا إن روسيا تأمل في الحفاظ على قاعدتيها في سوريا، البحرية في طرطوس، وقاعدة حميميم الجوية قرب مدينة اللاذقية الساحلية، في إطار جهودها المستمرة لمكافحة الإرهاب الدولي. ونقلت إنترفاكس عن بوغدانوف قوله أيضا "القاعدتان لا تزالان هناك. ولم يتم اتخاذ قرارات جديدة في الوقت الراهن، حسب ما نقلته رويترز.
© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة